الأمريكان والكراسة الصفراء.. عندما رأيت اللمبي في بلاد العم سام

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/19 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/19 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش

آهٍ من إصرار الصغار، في كثير من الأحيان تفعل ما يمليه عليك مزاجهم وأنت مكبل الأيدي معصوب العينين طلباً للرضا، وليتهم يرضون!

لا أعلم أين كان عقلي حين طاوعت صغيري وذهبت معه لبيت زميله بالمدرسة لحضور حفل عيد ميلاده.. لم وافقت؟

هل جننت لأذهب لمن ليسوا بأصدقاء ولا حتى معارف لأنهم قد جلبوا عرض الساحر أو المهرج في بيتهم؟

لقد ترددت قبل الذهاب، ولكن إصرار ولدي شل مقاومتي وتفكيري، سيكون حفل عيد ميلاد صديقه جاك حديث الفصل وحتماً سيفوته الكثير لو لم يذهب لهذا الحفل. تركت ولدي بحفل وسط من لا أعرفهم، لم يكن هنالك خيار عندي. كما أنني لست أماً سلطوية، ولكن إن كنت سأحرج منهم أن يسيئوا فهمي لأني أحمي ابني فكيف أترك لهم ابني من الأساس؟

كان حفلاً كبيراً، والأطفال كثراً والبيت كبيراً والأناس من كل الأطياف، في البداية شعرت بعدم الارتياح، ولكني فضلت أن أنظر لنصف الكوب المملوء وحاولت الاندماج، ولا أعرف لم تملكني شعور أني صغيرة حقيرة وأنا أحاول أن أرسم البسمة وأفتعل الود، مشاعر الود والسماحة كانت لتكون جداً طبيعية لو كنا أصدقاء أو ربما معارف.

 مرة أخرى أحاول إخماد ذاك الصوت المليء بالغم والإحباط وأعود لأفتعل البسمات، ضحكات ولدي وسعادته وسط زملائه خففت من حرجي ولو لوهلة. انتهت فقرة الساحر حمداً لله، وجاءت فقرة كعكة عيد الميلاد، فقرة العذاب والقهر لكل الأمهات مثلي ممن يحدون من استخدام السكر قدر المستطاع ولا ننجح في منعه نهائياً بكل أسف!

 ولا أعلم لم أصبحت كل الحلوى وكل المعجنات عبارة عن سم معجون بالسم محشو بالسم ومزين بالسم!

بحق الله ما كل هذا السكر؟ إلى أين تريدون الذهاب بعقول الأطفال؟

لم أصل لتلك الحقيقة إلا بعد أن سبب لي السكر ولأطفالي الكثير من المعاناة، السكر إدمان، السكر سم حلو الطعم وفقط.

لما رأيت الكعكة المزينة بالكريمة والألوان انفطر قلبي، لا مزيد من زيارات طبيب الأسنان أرجوكم، لا مزيد من زيارات طبيب الهضمية، السكر يحفز إفراز سموم المعدة ويجعل وسط الجسم حمضياً وهذه بيئة ممتازة لنمو الأمراض والجراثيم.

ربما نظرتي للكعكة أثارت استياء السيدة صاحبة الدار فقررت هي أنني غير مرحب بي وبالغت في تجاهلي حد أنني تمنيت أني لم أخرج من بيتي، ولاحظت أنني لست الوحيدة فقد كانت زوجة زميل زوجها في العمل من ضمن المدعوين وعوملت نفس المعاملة، وكنت أنا وهي من أول من غادر الحفل حين انتهوا من فتح الهدايا وأكل الكعك!

كان إحساسي بالمهانة ليأكل قلبي، فاتصلت بجارتي أشكو حزني، فهونت علي الأمر وخففت من حدة توتري بشأن ما حدث وسألتني ضاحكة: طب وخرجت لك الكراسة الصفرة؟

تعجبت مما قالت وسألتها عم تقصد فأجابتني بحكاية ظريفة وأخبرتني أنها ذات مرة دعيت لحفل عيد ميلاد حفيدة إحدى الجارات الأمريكيات من الأمريكان البيض، وحكت أنه أثناء الحفل وبعد توزيع الكعك والحلوى يقومون بفتح الهدايا وقراءة كروت المعايدة، ثم بكراسة صغيرة وجدت صديقتي  السيدة تسجل وتكتب الهدية ومن أهداها! حتى الأمريكان لديهم كراس للمجاملات تماماً مثل كراس اللمبي الصفراء التي اضطر أن يسجل فيها كل من جاملهم أبوه ليجمع (النقوط) ويسدد دينه ويبدأ حياته.. واستطردت صديقتي وقالت (حمداً لله أني جاملتها بهدية قيمة وإلا كان اللمبي فشل!)

انفجرت ضحكاً، وهان الأمر وحتى رغم أنها تجربة سخيفة بالنسبة لي، ولكني أجد العائد منها أكبر من قدر عدم الراحة الذي شعرت به، فدائماً وراء الأبواب الموصدة عوالم مغلقة لا نعلم عنها شيئاً ولن نعلم عنها إلا لو كان لدينا الشجاعة والحافز أن نجرب.. إن تلقيت عزيمة أخرى من أصدقاء جدد ربما أجرب وأملي ألا يكونوا مصاصي دماء أو قتالين قتلة!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
شامة عمران
مُترجمة تعيش بأمريكا
تحميل المزيد