إصابة أم قرار فني؟
هكذا كان السؤال الأهم ليلة العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد خروج كريستيانو رونالدو مستبدلاً من مباراة يوفنتوس وميلان، في الدقيقة الـ55. هل يتذكر أحدنا آخر مرة خرج فيها رونالدو مستبدلاً؟
انقلبت وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن إجابة لهذا اللغز، الذي لم يعد لغزاً في الحقيقة، لأن ماوريزيو ساري فعلها من قبل خلال المباراة السابقة، بعد قراره خروج البرتغالي أمام لوكومتيف في دوري الأبطال. الفارق الوحيد والكبير هذه المرة أن التغيير جاء مبكراً جداً ورونالدو نفسه غضِب بشدة، ليغادر الملعب بالكامل متجهاً إلى بيته، قبل نهاية اللقاء، وليشتعل الوضع أكثر بين اللاعب والمدير الفني، وتبدأ التكهنات والمخاوف والهواجس في التسلل إلى داخل النادي وخارجه عبر الصحف والقنوات التلفزيونية التي وجدت ضالتها في نزاع تورينو الجاري.
للسن أحكامه يا دون
للسن أحكامه بالتأكيد، لم يعد رونالدو مثل السابق، لم يعد اللاعب القادر على مراوغة ثلاثة لاعبين وتقديم حلول فردية وحركات ارتجالية فعّالة كما الماضي ما عدا الضربات الرأسية. وشأنه في هذا شأن بقية أقرانه، حتى مع قوته البدنية واهتمامه الذي يصل إلى حد الولع بجسده ولياقته. ولأن رونالدو يعلم هذه الحقيقة أكثر من غيره ويدركها، فإنه تحوَّل في السنوات الأخيرة إلى نسخة صريحة من المهاجم الذي يوجد أكثر بالثلث الأخير، سواء في الطرف أو العمق، مع تحركاته غير المتوقعة خلف المهاجم الآخر، من أجل القطع المفاجئ داخل الصندوق. لعبة فعلها بنجاح في آخر موسمين مع ريال مدريد، وكررها رفقة يوفنتوس والبرتغال مؤخراً.
تحوَّل كريستيانو، في العامين الأخيرين، إلى نسخة صريحة لرأس الحربة بالمركز الـ9، أي اللاعب الذي يتمركز أكثر داخل الصندوق أو حتى خارجه بالقرب من المرمى، منتظراً الكُرات حتى يحولها إلى أهداف داخل الشباك. لكن من أجل ضمان نجاح هذه الخطة، يحتاج الدون مهاجماً متحركاً أمامه مثل بنزيما سابقاً، ليسحب له مدافعاً أو أكثر دون أن يرغب هذا المهاجم في تسجيل كثير من الأهداف مثل بنزيما أيضاً. كما يحتاج خط وسط فعالاً في عملية صناعة الفرص من حيث الكم والكيف، بالإضافة إلى قدرة عالية فيما يتعلق بالاستحواذ على الكرة، وأظهرة تجيد المراوغة ولعب العرضيات باستمرار. هذا ما وجده رونالدو في مدريد زيدان، واكتشفه مؤخراً مع منتخب بلاده تحت قيادة سانتوس، في ظل انفجار المواهب الشابة كبرناردو سيلفا، وبرونو فرنانديز، وويليام كارفاليو، وآخرين.
في يوفنتوس الوضع مختلف بعض الشيء، أو كثيراً للأمانة. لأن هيجواين مهاجم رقم 9 صريح، يحب تسجيل الأهداف باستمرار، كما أنه ليس بالمراوغ الممتاز ليظهر اليوفي كأنه يلعب بثنائي من المهاجمين رقم 9 داخل الصندوق وخارجه، وهو ما يجعل الارتجال والابتكار والإتيان بالجديد أموراً معقدة للغاية.
وهو ما يجبر ساري على التغيير لإشراك ديبالا أو كوستا اللذين يصنعان الفارق في كل مرة شاركا خلالها. هذا ببساطة لأن الأرجنتيني صانع لعب ونصف مهاجم، بينما البرازيلي مميز جداً كجناح داخلي أو خارجي، بفضل مهارته وسرعته وجرأته في المراوغة.
أليغري لم يكن الحل
حتى رونالدو مع أليغري لم يكن في أفضل حالاته، بعد خسارته لقبَي الكأس ودوري أبطال أوروبا، وفقدانه لقب هداف الدوري لصالح العجوز كوالياريلا. المباراة الأهم للدون كانت أمام أتليتكو في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، لأن الفريق وقتها لعب بشكل هجومي صريح، مع رسم ثلاثي الخلف وثنائي من الأطراف على كل جانب، بالإضافة إلى تحرك ماندزوكيتش أمام رونالدو باستمرار، ليحصل البرتغالي على المساحة المطلوبة، خلف الكرواتي وأمام صانع اللعب حينها برنارديسكي.
ساري يلعب بأسلوب هجومي بالتأكيد، لكنه يعتمد أكثر على اللعب التموضعي القائم على التمركز، ومحاولة خلق الفراغات بشكل جماعي بين اللاعبين، لكنه يحتاج بعض الوقت حتى يتشرب اللاعبون تكتيكه الجديد، بالإضافة إلى اكتشافه التوليفة النهائية للتشكيلة التي ستبدأ المباريات الحاسمة.
يحتاج ساري إيجاد الخلطة التي تضمن وصول الفرص إلى رونالدو، سواء مع أطراف هجومية قوية أو وسَط قادر على الحيازة والسيطرة، لكن في حال خروج الفريق من دوري الأبطال مثل الموسم الماضي، فإن النهاية قد تكون غير متوقعة بالنسبة لنجم الفريق أو المدرب نفسه، لأن وقتها سيكون هناك ضحية، بخروج أحدهما خلال الصيف القادم.
دوري الأبطال أو الرحيل
من الصعب توقع مستقبل أزمة رونالدو وساري الحالية. صحيح أن الأمور انتهت على الورق، لكن يبدو أن الوضع أخطر من ذلك بمراحل، لأن اللاعب عبّر عن غضبه بعدم حديثه مع مدربه في أثناء خروجه، بالإضافة إلى تصريحات المدير الفني للبرتغال بأن لاعبه في أفضل حالة بدنية وفنية، عكس ما قاله ساري في آخر مؤتمر صحفي.
كريستيانو ليس باللاعب الصغير أو الشاب، أي إن فكرة خروجه وإعادة بيعه إلى أحد أندية القمة ستكون أمراً في غاية التعقيد. أندية الدوري الإنجليزي على سبيل المثال تفكر أكثر في اللاعبين الشباب، سواء تشيلسي أو مانشستر يونايتد، وفرق مثل ليفربول ومان سيتي تخطت مرحلة التعاقد مع "سوبر ستار". كذلك الوضع الاقتصادي في الدوري الإيطالي لا يبشر بالخير، مع صعوبة عودته من جديد إلى ريال مدريد.
خيارات قليلة أمام رونالدو، بسبب راتبه المرتفع، وكبر سنه، وقوانين اللعب المالي النظيف، كلها أمور تجعل الفكرة غير سهلة. حتى باريس سان جيرمان نفسه أصبح يهتم أكثر باللاعبين الشبان مثل مبابي، خاصة تحت قيادة الألماني توماس توخيل، وهو ما يجعله الخيار الممكن -لا المستحيل ولا المؤكد- بالإضافة إلى إمكانية اللعب في الولايات المتحدة الأمريكية، وتجربة الاحتراف بالدوري الأمريكي قبل اعتزاله.
يبدو أن الحل الوحيد الجيد بالنسبة ليوفنتوس هو الفوز بدوري أبطال أوروبا، لأن غير ذلك يعني تسويقاً صعباً جداً لكريستيانو رونالدو في حال الإبقاء على ساري، أو التضحية بالمدرب في سبيل تحويل المجموعة إلى فريق النجم الواحد، غير القادر على حمله بمفرده، نظراً إلى صعوبة الأجواء التنافسية وقوة الخصوم، وبالطبع عدم قدرة رونالدو/ساري على إنقاذ سمعة السيدة العجوز.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.