خواطر على هامش «النكسة»

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/14 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/14 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
نعم يا صديقي مازالت أجواء النكسة تُسيطر على مصر.

بعد مرور 52 سنة على نكسة 1967، مازالت أجواء النكسة تُسيطر على مصر، حلَّت النكسة بسبب وجود المدرسة الديكتاتورية التي صنعت هزيمة 1967 وهي المدرسة التي تفتقر إلى الرشادة والعقلانية في صُنع القرار، وتعتمد الفردية سبيلاً وحيداً في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية، لم نستيقظ على الهزيمة العسكريّة بل صنعنا النكسة بأنفسنا.

"إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي قط، وإن سبب هزيمتنا عام 1967 هو اشتغال وانشغال رجال الجيش بالألاعيب في ميدان السياسة، فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركة" كانت هذه العبارة للمشير محمد عبدالغني الجمسي تعليقاً على النكسة، الرجل الذي لم يتفهم كيف للقيادات العسكرية أن تتدخل في السياسة فما باله الآن لو يعلم أنهم أصبحوا المتحكمين اقتصادياً في مقدرات هذا الوطن!

في ظل الأنظمة القمعية فقط يُقاس تقدُّم الدول بحجم الإنجازات من الكباري والطرق وتشييد القصور لمسؤوليها، بدلاً من أن يُقاس بما تُحققه من الارتقاء بالإنسان نفسه، وتعليمه، والمحافظة على صحته، واحترام حرياته. في الدول المحترمة الإنسان يأتي أولاً ثم يأتي أي شيء آخر. الدول المحترمة تبدأ ببناء الإنسان أولاً والعمل على رفاهيته وأن يعيش حياة كريمة ثم قد يأتي لاحقاً بناء القصور. 

الفرق بين الدول المتقدمة والأنظمة القمعية هو فرق أولويات تعمل من أجلها الأنظمة، فمنها مَن يعمل من أجل الشعب ومنهم مَن يعمل من أجل المحافظة على عروشهم. 

في ظل الأنظمة القمعية فقط ترى الخصوم أشبه "بالعوالم" يكيلون الشتائم والبذاءات، لأنه ببساطة عندما تُغلق المجال العام أمام المُستنير والمثقفين من الشباب، وتمنع العمل بالسياسة، وتُصبح ممارسة أي عمل سياسي أشبه بالانتحار، فأنت تُوّجِد خصوماً يتناسب وعيهم طردياً مع حجم ممارساتك السياسية، فقد يعلو المرء أيضاً بخصومه كما يسقطُ بهم. وتذكرت المقولة الشعبية التي تقول: "العالْمَة ما ينفعش يقف لها إلا عالْمة شبهها"، وعالمة هنا يُقصد بها الراقصة.

وتذكرت أيضاً زمن القمع الوسطي الجميل، أيام انتخابات فسدة الحزب الوطني، وفي بعض الدوائر التي كانوا يحظون فيها ببعض الخصوم الشرفاء، فما كان منهم إلا تأجير بعض من السيدات ليذهبن أمام لجنته ويبدأن في سبِّه وتجريسه، ولأن عادة الرجل يكون محترماً فلا يستطيع الرد، أو مجاراتهن فيما يقلن، وفي النهاية "هو مش عايز فضايح وهمّا اسمهم ستات" فيضطر للرحيل. أتذكر أيضاً مرة موقفاً مشابهاً لهذا وكنت أحضره ولكن على غير المعتاد فاجأ الرجل الجميع وتصدَّى، وقرر أن يرد عليهن بمثل أسلوبهن، سألته بعدها كيف فعلت ذلك؟ فردَّ عليَّ مفسراً: "لو عرفوا إن ده حاجة ممكن يلووا دراعي بيها يبقى مش حنخلص، ده أنا أجيب الفضيحة لنفسي بنفسي، وهو مادام الناس حتقول إنهم بهدلوني أهو على الأقل وهمّ بيحكوا الموقف يكملوا ويقولوا بس الشهادة لله هو ما سكتش". هذا هو نوع الخصوم التي تُحول الآخرين له عندما تكون خصماً غير شريف.  

في ظل الأنظمة القمعية نحظى بالكثير والكثير من الانتصارات، لكن كلها وهمية. قبل النكسة وعندما لاح شبح الحرب في الأفق تحوّل الإعلام المصري عامة إلى الدعاية، فراح يُبالغ في تضخيم القدرات المصرية ويُقلل من قدرات العدو، وساهمت عناوين الصحف والتصريحات العنترية والأغاني الحماسية في الشحن المعنوي وتأجيج المشاعر ورفع سقف التوقّعات والأحلام، فقد صوّرت وسائل الإعلام الحرب وكأنها نزهة تنتهي بإزالة إسرائيل. وخلال الحرب، تدفّقت من الإذاعات العربية البيانات العسكرية الكاذبة، وأخبار الانتصارات الوهمية، وعاش الشعب كله، في الساعات الأولى من الحرب موجة عارمة من الوهم. وفي الساعات الأولى للحرب أذعنا أن مصر أسقطت 250 طائرة إسرائيلية، وتحدث إعلامنا عن هزائم مُني بها الجيش الإسرائيلي، فأخذ في الانسحاب أمام القوات المصرية، وبعد أن بشّرت بنهاية إسرائيل، أعلنت أن أم كلثوم وافقت على أن تُقيم حفلتها المقبلة في تل أبيب بعد أسبوع. وبقيت الصحف إلى اليوم الذي تنحّى فيه عبدالناصر يوم 9 يونيو/حزيران تأخذ معلوماتها من الإذاعة، وتنشر سيلاً من البيانات عن إسقاط أعداد كبيرة من الطائرات الإسرائيلية، حتى أعلن عبدالناصر نفسه في بيانه: "إننا أُصبنا بنكسة" وأنه يتحمّل المسؤولية كاملة، وأعلن تنحيه عن كل المناصب التي يَشغلها. دُكت طائراتنا في المطارات ونحن نُعلن للشعب والعالم أخبار انتصاراتنا المزيفة وإلى الآن مازلنا نسمع أخبار انتصاراتنا الوهمية تارةً في سد النهضة وتارة في المشاريع الجديدة التي بلغت 11 ألف مشروع، ولا نعلم أين أو متى تم إنشاؤها، كباري وطرقات وقصور تُشّيد ومليون وظيفة جديدة في مجالات عدة، كل هذا يحدث، ولكنه يتواكب في نفس الوقت مع زيادة مرعبة في أعداد المواطنين القابعين تحت خط الفقر. 

يحتاج طويل العمر إلى مؤيدين ومطبلاتية دائماً، هتلر جمع الملايين خلفه وإلى ما بعد هزيمة ألمانيا وانتحاره كان لا يزال بعض من مؤيديه موقنين بالنصر. دُكت طائراتنا في المطارات ونحن نُعلن للشعب في المذياع أخبار انتصاراتنا، لذا حلَّت النكسة. هُزمنا يوم أن قررنا أن نخدع أنفسنا وتحاول قياداتنا إظهار الانتصارات الوهمية على حساب الشعب الحقيقي. 

نعم يا صديقي مازالت أجواء النكسة تُسيطر على مصر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبير يوسف
مهندسة مصرية
عبير يوسف مهندسة مصرية، حصلت على دبلومة وماجستير في الإدارة الهندسية، وأعمل بالتدريس في الجامعة. ناشطة سياسية، شغلت منصب منسقة الجمعية الوطنية للتغيير فى الإسكندرية عام 2010، ومنسقة حملة دعم البرادعي في 2011، والمتحدث الإعلامي باسم ائتلاف شباب الثورة في الإسكندرية عام 2011، وحالياً منسقة لجنة التدريب والتثقيف لحزب الدستور. ناشطة في مجال العمل المجتمعي. ناشطة نقابية، ونجحت في انتخابات نقابة المهندسين عام 2014، وشغلت منصب عضو مجلس نقابة المهندسين في الإسكندرية ورئيسة لجنة الإسكان. كاتبة في مجموعة من الصحف المحلية والدولية وصاحبة قناة يوتيوب، كما أعمل في مجال اللايف كوتشينج لمساعدة الراغبين على تحسين حياتهم وإيجاد مواطن قوتهم.
تحميل المزيد