مرحباً بكم في بورتو طرة ومنتجع العقرب السياحي وجمصة بارك ووادي النطرون ريزورت، يبدو أن النظام بمصر في مرحلة إحلال وتجديد للسجون بحيث تنتقل من مرحلة زنازين الموت البطيء إلى مرحلة فنادق الخمس نجوم، والتي ينعم فيها النزلاء وليس المساجين بالكباب والمشويات وبيض النعام وكل سبل الترفيه والراحة والاستمتاع بالنوم على أسرّة يصل طولها إلى ثلاثة أمتار.
في الحادي عشر من شهر أغسطس/آب من عام 1986 عندما قرر المخرج المصري عاطف الطيب والمؤلف وحيد حامد عرض فيلم البريء لم يتخيلا للحظة أن مشهد زيارة لجنة حقوقية غربية إلى السجن الذي يحكمه بالحديد والنار الفنان الراحل محمود عبدالعزيز سيُعاد إنتاجه على الهواء مباشرة بعد أكثر من 30 عاماً ولكن بإخراج رديء وتعليق صوتي ساذج ومحاولات فاشلة لتجميل صورة بات القاصي والداني على علم بها.
النظام المصري على مدار 48 ساعة حشد كل أذرعه الإعلامية والسياسية ليظهروا في وقت واحد برسالة واحدة وواضحة أن السجون المصرية بخير فلا تعذيب ولا قتل ولا زنازين انفرادية ولا ظروف احتجاز غير آدمية والجميع سعداء بفترة احتجازهم، وها هو المعارض والسياسي المصري حازم عبدالعظيم يدلي بشهادته على الهواء مباشرة بنفس طريقة فيلم البريء، فنحن هنا نتريض أكثر من 5 ساعات يومياً، وهناك 6 شبابيك للتهوية في الزنازين ونأكل ونشرب كما يحلو لنا.
قبل هذه الحملة الكوميدية من قبل النظام المصري بيومين فقط أصدرت مقررة الأمم المتحدة للاعتقال التعسفي والقتل خارج إطار القانون أنيس كالامارد تقريراً أممياً بالتعاون مع فريق أممي آخر يتعلق بملابسات وفاة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وأشار التقرير في اتهام واضح للنظام المصري إلى أن الظروف الوحشية التي تعرّض لها مرسي في محبسه ربما أدت إلى وفاته، وأن ما فعله النظام المصري مع الرئيس الراحل هو أمر يرقى إلى القتل التعسفي الذي يمارسه النظام بشكل مستمر، والأكثر من ذلك والذي أقلق النظام هو مطالبة كالامارد بفتح تحقيق دولي مستقل في معرفة ملابسات وفاة الرئيس مرسي، قد تستغرب لماذا انزعج النظام المصري بهذا الشكل وهو من تجاهل كل التقارير الحقوقية والأممية بشكل واضح منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن ولم يلقِ بالاً لمناشدات المجتمع الدولي باحترام حقوق الإنسان واستمر على ما هو عليه.
الإجابة باختصار أن الأمر يتعلق هذه المرة بوفاة رئيس مصري سابق وليس مجرد ناشط سياسي، والآمر الثاني أنه يتعلق هذه المرة بتحقيق قامت به الأمم المتحدة عن طريق كالامارد وفريق آخر معها، والأمر الثالث والأهم والأخطر هو المطالبة بتحقيق دولي مستقل، وهذا يعني أن كالامارد وغيرها سيطالبون بالذهاب إلى مصر وزيارة السجون المصرية، وهذا الوفد لن يكون أبداً مثل الوفود التي دعاها ضياء رشوان للزيارة ولن يشاهدوا حفلات الشواء، بل سيطالبون بالذهاب لمكان احتجاز مرسي وسيطلبون زيارة عنبر 2 وعنبر 4 في مقبرة العقرب، وسيطالبون بفتح زنازين التأديب في سجن جمصة ووادي النطرون، وسيسألون جهاد الحداد عن مساحة زنزانته الانفرادية وسيتعجبون من فقدان أحمد عارف وعصام سلطان لوزنهما بهذا الشكل المخيف وسيندهشون من رؤية علاء عبدالفتاح في حالة مزرية، هذا التحقيق إن تمت المطالبة به سيضع النظام المصري في موقف لا يحمد عقباه، فإما أن يوافق ويسمح لهم بزيارة السجون وعندها ستكون الفضيحة كبيرة والمصيبة عظيمة وستتأكد تهمة قتل مرسي وربما يمتد الأمر إلى غير مرسي ممن ماتوا داخل السجون في ظروف غير آدمية، والخيار الآخر هو رفض هذا التحقيق واتهام الأمم المتحدة وكالامارد بأنهما على علاقة بالاخوان المسلمين وأن هدفها إسقاط الدولة المصرية وعندها أيضاً سيكون النظام قد ثبت التهمة على نفسه برفضه هذا التحقيق الدولي وخوفه من انكشاف أمره.
خياران أسهلهما مر ولذلك كان التحرك المصري في الأيام الماضية في جنيف وعبر الأذرع الإعلامية كخطوة استباقية ربما يؤجل فيها المواجهة أو يخدع بها البعض بأن الأمور على ما يرام ولكن النظام لا يعلم أو ربما يعلم أن تقريراً قديماً نشرته صحيفة الديلي تليغراف البريطانية في عام 2014 احتوى على مقاطع فيديو مسربة من داخل أحد السجون المصرية، صورها آنذاك محمد صلاح سلطان كما قال عبر حسابه على تويتر يتحدث فيه التقرير عن أهوال السجون المصرية وحالة الزنازين الحقيقية وخطورة الأوضاع على حياة المعتقلين، لم يدرِ النظام أنه استفز الكثيرين أن يبحثوا عن إدانات دولية له فوجدوها في تقرير ديلي تليغراف وقرأوها في شهادات المعتقلين السابقين الذين بدأوا في كتابة شهاداتهم على ما عانوه داخل السجون المصرية من انتهاكات، بالتأكيد لم يكن لها أي علاقة بحفلات الكباب والكفتة المزعومة.
السجون المصرية كانت ولا زالت شاهدة على القتل البطيء والإهمال الطبي المتعمد، وعلى ضباط يمارسون التعذيب ثم يذهبون لأداء الصلاة بجوار السجين المعلق منذ أيام، وصدقت المقولة التي انتشرت بشدة في تسعينيات القرن الماضي والتي قالت إن أردت أن تخفي معتقلاً فأرسله إلى السجون السعودية، وإن أردت أن تقتل معتقلاً فارسله إلى سجون العراق، وإن أردت أن تجبر معتقلاً على الاعتراف بأي شيء فأرسله إلى السجون المصرية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.