كالنار في الهشيم، ينتشر الآن مقطع فيديو إباحي، يزعم أنه يجمع بين رجلين، الأول هو عضو مجلس الشعب المصري ورئيس نادي الزمالك والرجل الذي لم يسلم من لسانه أحد، مرتضى منصور، بينما يبدو الرجل الثاني مجرد شاب في أوائل العشرينيات من عمره، وليس شخصية مشهورة أو معروفة.
مرتضى منصور، الذي يملأ الدنيا ضجيجاً يصمّ الآذان وهو يتشدق بالأخلاق الحميدة ويدافع عن تقاليد مصر، ويرمي تهم الانحلال والانفلات الأخلاقي جزافاً على كل مَن يعارضه أو يعارض النظام، قبل أن يدعي أنه يمتلك مستندات و "سيديهات" فاضحة له ولأهله المصريين- سقط الآن ضحية لما يبدو أنه فخّ محكم قد نصب له.
يسقط الآن "الدرع والسيف" كما يلقب عارياً تماماً، فلا يمكن لأي سلطة في هذه البلاد، حتى وإن كانت الموجودة في قصر الاتحادية، أن تغامر وتغطِّي رجلاً يشاهده الملايين الآن وهو عارٍ تماماً في غرفة مع رجل آخر، إن ثبت ما ورد في المقطع المصوَّر المسرَّب.
صحيح أنه لا يوجد قانون واضح لمعاقبة المثلية الجنسية في مصر، لكن القوانين التي تستخدم لملاحقة المثليين تندرج في خانة قوانين الدعارة، إذ يحوي القانون حظراً على "الفسوق والفجور". واستخدمت هذه القوانين في حملة أكثر تطوراً ومنهجية على الرجال المثليين، ومزدوجي الميول الجنسية، أو أي شخص تعتبره الحكومة داعماً لحقوق المثليين جنسياً، تحت شعار "ممارسة سلوك غير أخلاقي، وغير لائق". القانون المصري في هذا الإطار فضفاض، خصوصاً فيما يتعلق بانتهاك الأخلاق العامة.
وقال المستشار خالد القوشي، الخبير القانوني، لصحيفة "أخبار اليوم" المصرية، إن عقوبة المثليين في القانون المصري تتراوح ما بين شهر إلى 3 سنوات وهي تدخل ضمن قضايا الآداب، لافتاً إلى أن تلك القضايا تتنافى مع الشريعة الإسلامية والقانون.
من المؤسف أيضاً أن يصل المجتمع المصريّ إلى هذه الدرجة من الانحطاط والحقارة والغوص في الوحل كما لم يحدث من قبل. فالوضاعة صارت هدفاً في حد ذاته، وتتبُّع العورات صار لذة لا تضاهيها أي لذة أخرى. لم يعد هناك سقف تقف عنده مستويات الانحطاط في مصر، منذ أن طلب السيسي تفويضاً من المصريين ليقتلهم به، فمنذ ذلك الحين والسعار منتشر والترياق مختفٍ من الأسواق.
لكن الإشكالية هنا أن الضحية ليس مجرد رجل شارع عادي سُرب له مقطع يمارس فيه ذلك الفعل، لو كانت هذه هي القضية لقلنا جميعاً "إن الله حليم ستار"، وإن "من ستر مؤمناً ستره الله يوم القيامة"، ولرفضت رفضاً تاماً الخوض في الأمر، لكننا نتحدث عن رجل سليط اللسان، في يده الكثير من الدماء منذ موقعة الجمل وحتى مذبحة الدفاع الجوي، كما تسبب في سجن عشرات الشباب وتدمير مستقبلهم وتفكيك أسرهم. وفي السياق الذي نعيشه اليوم، وهو سياق منحط للغاية، لا يمكن الترفع والتعالي وادعاء المثالية، لأن الترفع لن يكون سوى فعل انعزالي منحط أيضاً. لا يمكننا سوى أن نحيا في السياق الذي نعيشه، والذي يخبرنا أنه لا يمكن ترك فرصة مثل فرصة الاغتيال المعنويّ لمرتضى منصور تمر مرور الكرام، دون الإجهاز عليه معنوياً، والقضاء على وجوده في الساحة العامة. هذا الرأي ينبع من إيماني بأنها فرصة لا تتكرر كثيراً، بل من الممكن ألَّا تتكرر مرة أخرى.
ولأننا أمام نظام مصري يؤمن أن ذاكرة المصريين قصيرة للغاية، وأنا أرى ذلك أيضاً للأمانة، وبناء عليه قد يحاول النظام إخفاء مرتضى منصور عن الأعين لأشهر قليلة، قبل أن يعيده إلى الساحة العامة، للهجوم على ذلك المعارض، أو تصفية بعض الرموز معنوياً، أو ربما التمهيد أو التخطيط لمجزرة جديدة. كما فعل بعد ثورة 25 يناير مع مرتضى منصور نفسه، قبل أن يعيده إلى صدارة الشاشة في أعقاب مشهد الـ30 من يونيو.
إذا كان هنالك ثوريون اليوم في مصر، يودون أن يحكموا هذه البلاد، أو أن يُحدِثوا تغييراً حقيقياً، متسلحين بأفكارهم ورؤاهم يوماً ما. فعليهم أن ينزلوا من أبراجهم العالية؛ حيث المثالية والكمال إلى مستنقع الواقع والمجتمع، وأن يوقنوا أن العالم سيكون مكاناً أفضل بكثير عندما يختفي أمثال مرتضى منصور من الواجهة، ومن أذهان العامة.
أُدرِك جيداً أنها عملية "قذرة"، بل موحلة في القذارة والانحطاط، لكن مَن قال يوماً إن السلطة ملائكية أو أنها تُعنى بمفاهيم الكمال والطهارة! من أراد أن يحكم أو يغير أو يثور يجب أن يغوص في الوحل؛ كي يَخرج ويُخرج الناس منه.في كل الأحوال ستُلطَّخ أيادٍ بالوحل، على الأقل، فليجعل لهذا التلطخ قيمة ومكاسب مشروعة إذن.
سمعت من صديقٍ حكمة يتردد صداها في أذني الآن.. يقول صديقي:
دعوت الله كثيراً أن يعطيني درّاجة هوائية، لكنه لم يستجب لي. وعندما نفد صبري سرقت دراجة أحدهم، ثم دعوت الله أن يغفر لي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.