"الجسد لا يظهر أى رحمة، مع مرور السنين يصبح الأمر أكثر صعوبة"
بعد فترة بسيطة، عاد ليونيل ميسي إلى هوايته المفضلة، في الصناعة والتسجيل والتألق، ومعاقبة الخصوم محلياً وأوروبياً دون هوادة. إنه يحمل فريق برشلونة بمفرده، ولولاه لرحل إرنستو فالفيردي منذ فترة طويلة، ولنا عبرة بهذه الأرقام على سبيل المثال لا الحصر. ليونيل ميسي في أفضل حالاته على الإطلاق في مسابقة الليغا، ووصل لمستوى فعالية تهديفية لم يصله من قبل، حيث سجل ٨ أهداف من أصل ٢٨ تسديدة على المرمى، بمعدل هدف من كل ٣.٥ تسديدة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط، بل سجل ميسي هدفين من كرات ثابتة أمام سيلتا فيغو، وأصبحت مهمة تسديد الكرات الحرة أسهل من تسديد ضربات الجزاء بالنسبة للأرجنتيني، مما جعل تصريح "الجسد لا يرحم" يتحول إلى مادة للسخرية والساركازم، وكأن ميسي يكذب ويتجمل، ويبعد عنه الحسد والحاسدين، بصريح العبارة.
تخبرنا الأرقام بجزء من الحقيقة، لكنها لا تعطينا أبداً الصورة الكاملة، لذلك يمكن القول إن أرقام ميسي التهديفية تحسنت، وإنه لا يزال لديه كل مفاتيح اللعبة، لكنه فعلاً بدأ يتأثر بعامل السن، وأصبح يخشى الزمن وأحكامه، لذلك غيّر بعض الشيء من طريقة لعبه، وتخلى عن بعض الأمور في سبيل البقاء داخل الملاعب لأطول فترة ممكنة، ليس بنفس القوة ولكن على الأقل مع بريق لا يقل لمعانه.
يقول ميسي في حواره الأخير مع قناة TYC الأرجنتينية: "لقد كبرت في السن، وبدأت أتكيف مع ذلك، ينعكس ذلك في مستوى قراءتي للمباريات أثناء وجودي داخل الملعب، لذا أوفر مجهودي لبعض الوقت من أجل اتخاذ القرار المناسب". ثم ذهب ليو إلى عبارة أكثر تعبيراً وتوصيفاً حينما قال: "أفضل التواجد على مقاعد البدلاء والدخول كبديل على الخروج أثناء المباراة، لأن العديد من المُباريات تُحسم في آخر الدقائق، كما أنني أحصل على العديد من المساحات واللاعبين أكثر تعباً".
في كلاسيكو شتاء 2017 بالبرنابيو، مباراة انتصار برشلونة بثلاثية بيضاء، ركض ميسي 17% من وقت المباراة، بينما كان يمشي بكل هدوء في الوقت الباقي، أي أنه سار على قدميه بنسبة تصل إلى 83 %، وفق إحصائية رسمية من EPGraficos. ورغم ذلك كان أكثر اللاعبين تأثيرا، حيث إنه بالشوط الأول لعب كرقم 10 صريح، لتتم مراقبته بثنائية كاسيميرو وكوفاسيتتش. بينما في الشوط الثاني تقدم عدة خطوات للأمام ليصبح مهاجماً إضافياً، ليسحب كوفاسيتش معه بعيداً عن الوسط، ويترك كاسيميرو وحيداً في الارتكاز، مما استفز البرازيلي للصعود من أجل الابتكار ومساندة الهجوم، ليتفرغ رفاقه للتحرك بكل أريحية أثناء التحولات.
حتى هذا الموسم في دوري أبطال أوروبا، ميسي يركض أقل من غيره، سواء بالنسبة للاعبي برشلونة أو لاعبي المنافسين. لا يتعلق الأمر بالكسل أو المكابرة، ولكنه خضوع حقيقي لمقاييس العمر، الأرجنتيني لم يعد يملك لياقة العشرينات، ولا يجيد أبداً اللعب بنسق مرتفع طوال التسعين دقيقة، ولا يعود لمساندة الدفاع، ولا يضغط مثل الذئب الشرس كالسابق، لكنه يركز أكثر على صناعة اللعب والتسجيل والأسيست، والتواجد في نصف ملعب المنافسين.
لا يوجد أي لاعب يمكنه هزيمة الزمن، لكن كل ما يستطيع ميسي فعله هو التحايل على هذه المواجهة غير المتكافئة، من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة داخل دائرة الضوء، سواء بتخزين جهده وتقليل الأمتار التي يقطعها، وتعويضها بالحسم بلا رحمة أمام المرمى، بالإضافة إلى تحسنه اللافت فيما يتعلق بتسديد الكرات الحرة.
"ليونيل ميسي سجل 29 ضربة ثابتة مباشرة في آخر 8 مواسم، متفوقاً على فرق بأكملها في الدوريات الخمسة الكبرى. على سبيل المثال، سجل يوفنتوس 27 هدفاً، أما ريال مدريد فسجل 23، وأحرز الثنائي روما وليون 21 ركلة حرة، ووضع باريس سان جيرمان 20 كرة ثابتة في مرمى منافسيه، خلال آخر ثمانية مواسم كروية".
قطع أمتارٍ أقل، إجادة تسديد الضربات الثابتة، الراحة في بعض المباريات، والمشي داخل الملعب عندما تحن الفرصة، كل ما سبق يعني استمرار ميسي في الملاعب لفترة أطول. لكن الأهم من كل ذلك تحوله إلى مركز الصانع الوهمي في المركز 10، ومبادلته المراكز مع المهاجم الصريح، دون الحاجة إلى العودة للدفاع أو الضغط أو حتى التحول إلى دور الجناح، وهذا ما بدأه ميسي عملياً، لكنه يحتاج أيضاً إلى جهاز فني أفضل، لصنع نظام تكتيكي صارم حوله، حتى نستمتع بأكبر قدر ممكن من عبقريته، قبل أن نجلس جميعاً ونتذكر تصريح مورينيو الشهير:
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.