الأب الذي لم يكن مدعوّاً إلى زفاف ابنته!

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/08 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/08 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
عندما التقت عيناهما رمقته بنظرة كلها حدة وكراهية واشمئزار

دخل قاعة حفل الزفاف يختال في مشيته كطاووس… معجباً ببذلته الأنيقة التي اشتراها خصيصاً لتلك المناسبة، ودفع فيها مبلغاً استدانه من بعض معارفه القدامى.

فاليوم زفاف ابنته الكبرى… دخل متوقعاً أن يهرول أغلب المدعوين إليه ليهنئوه بتلك المناسبة السعيدة، لكن وجوده لم يشعر به أحد، وربما افتعل البعض عدم رؤيتهم له، قال في نفسه: "لا يهم"، فليذهب لابنته يهنئها ويفرح بها ومعها… شاهدها من بعيد وهي ترقص وسط زوجها وإخوتها وأصدقائها.. وابتسامتها وضحكاتها تعبران عن مدى سعادتها، شعر بالسعادة وهو يرى ابنته بهذا الجمال في ثوب الزفاف، وكأنه يراها لأول مرة.

خطا نحوها واقترب منها شيئاً فشيئاً… حتى لاحظته. وجد ضحكتها تتوقف وابتسامتها تحاول جاهدة الحفاظ عليها، اقترب منها يعانقها ويُقبلها فشعر بها تبادله عناقه وقبلاته بلا إحساس، أخذ نفسه بعيداً حتى أقرب طاولة وجلس عليها متأملاً ما حوله. وقعت عيناه على أم العروس.. تلك السيدة التي أدخلته أقسام الشرطة والمحاكم… ما زال يكنّ لها الحب!

عندما التقت عيناهما… رمقته بنظرة كلها حدة وكراهية واشمئزار.

أما أولاده الآخرون فقد سلموا عليه كأي ضيف غريب وتبادلوا معه كلمات قليلة ثم انسحب كل منهم بعيداً عنه، يراهم أسرة سعيدة بدونه… وغيابه لم يشكل أي نقص أو حزن لديهم، بل شعر أن وجوده الآن هو الذي أشعرهم بالتوتر والاضطراب.

 سرح بخياله وعاد بذاكرته للوراء.. عندما كانوا يعيشون جميعاً معاً في بيت واحد، حاول أن يتذكر لحظات حلوة جمعتهم، فلم يجد أنه اجتمع معهم في وجبة غداء أو عشاء.

لم يجد أنه أعطى عناقاً حنوناً يوماً لأحد أبنائه.. لم يجد أنه قال كلمة حلوة أو تشجيع لأحد في نجاحاته.. لم يجد كلمة عتاب أو نصيحة أسداها يوماً لأحدهم.. لم يجد أنه دخل يوماً ما بهدية لزوجته أو أحد أبنائه في أي مناسبة.

كل ما تذكره صرخات الاستغاثة من نوبات غضبه وضربه لهم.. كل ما تذكره بكاء زوجته وهي تطلب منه ما يسد جوع أبنائها.. كل ما تذكره رعشة أبنائه في البرد وتجاهله لهم.

تذكر أيضاً أن البيت الذي جمعهم كان من شقاء وجهد زوجته المسكينة.

تذكر أيضاً أن أبناءه تخرجوا في الجامعات بجهد ورعاية زوجته ومكاسبها القليلة من عملها

تذكر أيضاً عندما وقفوا جميعاً في وجهه… وأخرجوه من حياتهم، والتفوا حول والدتهم يدعمونها حتى حصلت على الطلاق من المحكمة رغماً عنه.

عندما تذكر كل هذا، انسحب خارجاً بهدوء ووجهه في الأرض وابتسامة حسرة على وجهه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دينا عماد
كاتبة روائية
حاصلة على بكالوريوس تربية نوعية، شعبة إعلام تربوي، عام 2001، روائية صدر لي 8 روايات، أعمل أيضاً بإعداد الكلمات المتقاطعة في جريدة الأهرام اليومية، وسابقاً بجريدة الوفد، كما صدر لي بعض كتب الكلمات المتقاطعة، عملت لفترة قصيرة مذيعة بإذاعة «وسيط إف إم» (أون لاين)
تحميل المزيد