هيئة الإذاعة الإخوانية "بي بي سي"
في الأول من شهر يناير/كانون الثاني عام 1922، لم يظن أبداً جون ريث ولم يتخيل للحظة وهو يعلن افتتاح هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أنه بعد قرن من الزمان سيتهم الرجل بأنه تلقى تمويلاً من جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلن حسن البنا عن تأسيسها بعد ستة أعوام من تأسيس "بي بي سي"، ولكن هذا ما حدث بالفعل.
في مكان غير المكان الذي تتواجد فيه الشبكة البريطانية، وفي زمان غير الزمان الذي يؤمن بحرية الإعلام، خرج صنف من البشر لا يمكنك أن تجده إلا داخل مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، ليتهموا هيئة الإذاعة البريطانية اتهامات لو سمعها دافع الضرائب في بريطانيا لمات منتحراً، إعلاميون مصريون مقربون من النظام، على رأسهم أحمد موسى ونشأت الديهي شنوا حرباً ضروساً ضد "بي بي سي" والعاملين فيها، واتهموها بأنها ذراع إعلامية للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وبأن الجماعة تشتري مساحات في البث المباشر للقناة العربية لـ "بي بي سي"، كي تهاجم الدولة المصرية والنظام المصري، وأن مذيعي هيئة الإذاعة البريطانية يتلقون رواتب ومكافآت من تنظيم الإخوان، بهدف الإساءة للرئيس المصري، واستضافة معارضيه على الهواء مباشرة.
بداية القصة جاءت مع استضافة برنامج "بلا قيود" والمذاع على قناة "بي بي سي" عربي، ومن تقديم الإعلامية المصرية رشا قنديل، للمقاول المصري محمد علي، في أول ظهور تلفزيوني له، وبعيداً عن محتوى ما جاء في هذا اللقاء، وبعيداً أيضاً عن كون المتابع سيتفق أو يختلف مع أسئلة المذيعة، ولكني كصحفي وإعلامي أقول إن ما تم تقديمه في هذه الحلقة هو ما تعلمناه وما زلنا نتعلمه من مهارات وأدبيات صحفية في طريقة الحوار وطرح الأسئلة، التي تحاول بها أن تخرج كل ما لدى الضيف من معلومات وأفكار، وهو ما قامت به بحرفية عالية الزميلة القديرة رشا قنديل، ولكن الإعلام المصري كان له رأي آخر، فأصبحت رشا ناشطة سياسية معادية للدولة المصرية، مع وصفها بأوصاف لا أدري كيف تخرج على الهواء مباشرة دون محاسبة، واتهامها بتهم خطيرة، ونزع رداء الوطنية وحب مصر عنها، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا، فكانت المفاجأة هي إقحام زميل وإعلامي مصري آخر في المشهد، واستهدافه في نفس الحملة، ففوجئت بأحمد موسى يتهم الإعلامي المصري ورائد البرامج الوثائقية في العالم العربي أسعد طه، بأنه مَن أنتج هذه الحلقة مع محمد علي، وهو مَن أنفق بتمويل من الإخوان المسلمين على ظهور المقاول المصري على شاشة "بي بي سي" عربي، والشهادة هنا واجبة في حق زميلين إعلاميين لهما من التاريخ الصحفي، ما يكفي لتكتب عنه مجلدات، ولم أعلم يوماً أنهما ينتميان إلا للعمل الصحفي والإعلامي، ولكني أكتفي بالإشارة إلى أنه عندما كانت رشا قنديل تعمل في هيئة الإذاعة البريطانية في تغطية حرب العراق، ثم انتقالها للقناة العربية عند افتتاحها، وعندما كان أسعد طه ينتقل من نقطة ساخنة لأخرى، كان يحكي حكاياته مع رؤساء وبلدان وحروب من أقصى الأرض إلى أدناها، كان أحمد موسى في هذا التوقيت يكتب تقارير لأمن الدولة عن زملائه في الصحف المصرية، هذا بشهادة إعلامي مصري آخر هو محمد الغيطي، الذي قال إن موسى كان مخبراً لأمن الدولة.
هيئة الإذاعة البريطانية تمويلها ليس من رجال أعمال مقربين من الحكومة، ولا تخضع لتعليمات أجهزة المخابرات أو الشؤون المعنوية، وإنما تمويلها بالكامل من أموال دافعي الضرائب في بريطانيا، وهذا نظام معمول به في بريطانيا، فكل مَن يمتلك شاشة تلفزيون في منزله يدفع عليها مبلغاً من المال كضريبة تمول الـ "بي بي سي"، وبالتالي فالشبكة البريطانية تعتبر نفسها ملكاً للشعب، ومذيعوها يعتبرون أنفسَهم سلطة فوق السلطة، لأنهم يمتلكون القوة الحقيقية من الناس، وانطلاقاً من هذا الأمر تقدمت بشكوى لدى "بي بي سي" الأم، بصفتي من دافعي الضرائب، وشكوى أخرى لنقابة الصحفيين البريطانيين، والتي أتشرف بعضويتها ضد أحمد موسى، وأرفقت في شكواي مقاطع للفيديو من برنامج أحمد موسى، ومترجمة للغة الإنجليزية، وتُظهره وهو يقوم بالتحريض ضد "بي بي سي" والعاملين فيها من صحفيين وإعلاميين، وأتوقع أن يتم التحقيق في هذه الشكوى سريعاً، لأنها تتعلق ببديهيات في المجتمع البريطاني، وربما ينتقل الأمر إلى رفع دعوى قضائية ضد موسى في بريطانيا، وإن ثبت تورطه في تحريض علني فسيُمنع من دخول المملكة المتحدة، وربما يتم إلقاء القبض عليه فور وصوله.
هوس أحمد موسى والإعلام المصري ضد الـ "بي بي سي" ليس وليد اللحظة، ففي العام الماضي وأثناء انتظاري لقرار إدارة الهجرة في طلبي الخاص باللجوء السياسي في بريطانيا، التحقت كمتطوع بإذاعة "بي بي سي" في مدينة صغيرة اسمها ابسويتش، والتطوع هنا ليس عملاً براتب، وليس انضماماً رسمياً للهيكل الإداري لهيئة الإذاعة البريطانية، وإنما هو مشاركة تطوعية لاكتساب خبرات جديدة، فقمت بنشر صورة عبر حسابي على تويتر، أوثّق بها ما حدث، وفوجئت بحملة شرسة من أحمد موسى والديهي، واليوم السابع تتهم "بي بي سي" بتوظيفي، وبأنها تعمل ضد الدولة المصرية، والدليل هو توظيف أحد الإخوان الهاربين الذين يعملون ضد مصر، وأنا لم أعمل، ولم يتم توظيفي، ولكنه فقط تطوع لاكتساب الخبرة، ولكنه النظام المصري، الذي أصابه الهلع الذي لن يشفى منه قريباً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.