«خوفاً من عدوى الثورة».. السلطة الفلسطينية تقدِّس التنسيق الأمني وتحجب المواقع الإلكترونية

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/05 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/05 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي تثور فيه الشعوب العربية طولاً وعرضاً، من المحيط إلى الخليج، نحو الوعي والتحرر من أصفاد الاستبداد وأغلال القهر والجور. في هذه المرحلة مهمة من تاريخ أمة مقدسية تسعى إلى التحرر من الطغيان والاحتلال الصهيوني، تدخل السلطة الفلسطينية في دوامة التسلط الممزوج بالغباء ضد الشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر السلطة كجهاز نافع ومدافع، لا كماشة احتلال واستكمال قامع. تُكْمِل السلطة مزالق أوسلو وأخطاء الماضي وتدعم جهود جهاز الشاباك الاستخباراتي.

توظيف غباء السلطة

في كل مرحلة تتغير فيها كفة الأرض لصالح الأمة والشعب الفلسطيني، وفي كل مرة تتحول فيها معادلة الردع لمواجهة ما يسمى بصفقة القرن لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة، فإن المشروع الصهيوني يأبى إلا أن يخرج أطرافه الجزئية والسلطة من هذا الجزء، عساها تضيق خناقاً على الشباب الفلسطيني والمقاومة الشعبية وتخرب كل إرادة فلسطينية حرة تعيش في الأرض المباركة. وأقصد هنا أن أرباب صفقة القرن يوظفون الغباء لقوة الدهاء، يستغلون غباء السلطة حسب مقاسهم ووفق المرحلة الراهنة الفارقة والحرجة تاريخياً من عمر المشروع الصهيوني الآيل للسقوط وشبح الخراب.

أزمة تصوُّر وفكر فاشل

منذ ظهور عصابات الهاغانا والحركة الاستيطانية، كانت قوى التحرير الفلسطيني تمثل قوة المقاومة والنضال. لكن للأسف انتقلت القوى -باستثناء قوى قليلة فاعلة- مع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد إلى قوة سلطة فارغة بعد اختراقها صهيونياً ومعبأة بكوادر جديدة وتصورات جديدة عن القضية تخدم العالم الاستعماري. دون أن نستثني الفضلاء الصادقين الذين يرفضون التحول الفتحاوي في المسار النضالي.

وصول السلطة إلى هذا الحضيض من المنزلقات التطبيعية وهذا المستوى من التنسيق مع الكيان الصهيوني حولها من قوة تخدم الشعب وهويته وأحلامه وتطلعاته إلى قوة تخدم صفقة القرن المزعومة، دون شعورها أو بشعور، ثم إلى قوة تواجه مقومات الشعب وأهم ما بقي فيه وهو فكره وإرادته، وفطرته ودينه.

 إننا بصدد أزمة انزلاق فكري وأزمة عقل في قيادة السلطة متجددة، فتغير مسار السلطة إلى تطبيقات منحطة في الفكر والسياسة التطبيعية، ومقاومة المقاومة.

كِيَانٌ وَكِيَانٌ

الأدهى والأمر أن تتحول السلطة إلى كيان في كيان، إِلَّا أَنَّ الْكِيَانَ الْمُحْتَضِنَ هُوَ كِيَانُ دَوْلَةٍ وَقُوَّةِ صِهْيُونِيَّةِ، في المقابل كيان السلطة هو "كيان مزالق أوسلو"، هو كيان جرة فخار خاوية يملأها الاحتلال بأي تنسيق سلطوي مع الشاباك الصهيوني الاستخباراتي، أي أن السلطة جرة منكسرة هشة وكيان فارغ انتقل من وجود منظمة وتحرير إلى منظمة دون تحرير، إلى جرة دون منظمة ولا تحرير، أي مؤسسات فارغة وأرقام في خوالف التاريخ دون مبادئ وخطة إلا من رحم الله، لنقول إن بين ثنايا الخاطئين هناك رجال صادقون فضلاء منطقيون.

محمود عباس ونتنياهو

   وقد لمسنا في هذا الحضيض عدة مبادئ تتبعها السلطة، ألا وهي:

– قدسية التنسيق الشاباكي السلطوي.

– اعتقال الشباب الثائر في الضفة الغربية.

– خنق غزة والتضييق عليها مادياً.

– توسيع هوة الانقسام دون مبررات.

بل والأدهى أن تتحول السلطة إلى ورشة تصلح عجلات عربات الاحتلال المعطلة في الطريق بذلّة ومهانة.

المرحلة الجديدة

المرحلة الجديدة من التحول السياسي في مسار السلطة هو الانتقال من التضييق على المؤسسات والمقاومة والشعب إلى خنق كل حرية في الإنسان الفلسطيني، أي التضييق على كل روح تتنفس الصعداء. وما أقدمت عليه السلطة من حجب خمسين موقعاً إلكترونياً فلسطينياً وعربياً يحكي الحقيقة هو دلالة على بروز الديكتاتورية السلطوية في أبشع قواها لتحجب حقيقة المقاومة ومظاهر القوة والنصر في  الشعب الفلسطيني.

أي أن التضييق الإعلامي على الشعب يخدم صفقة القرن التي تريد تصفية كل مقومات الشعب الفلسطيني وفكره ووعيه وإرادته.

وإن هذه الخطوة السلطوية على المعرفة والعقل والإعلام لها دلالات أولها هو إفادة التوجه السلطوي نحو حجب المواقع أن الشعب الفلسطيني يتابع قضايا الأمة وحراكها ويتفاعل معها من خلال هذه المواقع التواصلية، فيفرح وترتفع معنوياته حين يسمع عن قيس سعيد كرئيس تونسي جديد يدعم الشعب الفلسطيني، ويتقوى عضده حين يرصد أن جماهير الرجاء والمغرب تناصره ولو من الملاعب، ويزداد أملاً حين يشاهد الشعوب التي كلما تحركت في ثورة إلا وكان شعارها الثاني والتالي عودة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني الذي كان سبباً في تمزق الشعوب وصناعة أنظمة جبرية تحكم بالظلم.

قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل شاباً فلسطينياً

كما يفيد الحجب السلطوي بأن هذه المواقع حققت التواصل والوعي، وأن الشعب الفلسطيني رغم جهود مئة سنة من الاحتلال لطمس وطرس هويته فإنه لم يستنكف عن إرادته وصموده.

وثالثاً يوضح الإقدام على الحجب أن الاحتلال والصفقة فشلا في ضرب أقوى مقوم في الشعب الفلسطيني وعلى رأسها المنظومة الفكرية، فاستكمل الاحتلال جهوده لتخريب العقل الفلسطيني بسلطة ثانية هي سلطة عباس لحجب كل قناة أمل أو علم أو معرفة أو تعبئة. وربما هذا التوجه القمعي في مسار سلطة عباس سيزيد من فقدان الثقة، من قِبل شعب تحول إلى قوة تفكر وتفقه أن السلطة أصبحت عالة وجهازاً غير مسؤول، بل قوة قمعية لا تختلف عن الأنظمة الديكتاتورية العربية التي أنتجها الاستكبار العالمي.

ختاماً، التاريخ فرص، كان المطلوب من السلطة المنهزمة انتهاز فرصة بقاء حيز من الزمن لمراجعة مسارها، وإصلاح توجهها، والصلح مع الشعب، وتوجيه الرفض وبوصلة المواجهة نحو التطبيع ومناهضة الاحتلال والميز العنصري، وتوجيه اللوم لأرباب صفقة القرن والعرب الذين فتحوا الباب على مصراعَيه بدل حجب المواقع ومتابعة التنسيق مع الاحتلال لخنق المقاومة الشعبية وتجفيف ينابيع طوفان قادم لا محالة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هشام توفيق
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني والتراثي