الندم يأكل قلبي، والإحساس بالذنب لا يفارقني.. أندم على قرارات متعجلة أخذتها فيما مضى من حياتي باندفاع وتحت تأثير الفعل وردِّ الفعل، دون أن أحسب حساباً لما أعانيه الآن.
سأبدأ حكايتي من لحظة الانفصال، حين قررت أنه لم يعد بمقدوري البقاء برفقة ذاك الرجل، لم يكن هو الخلاف الأول بيننا، ولكني قررت وبإصرار لا يقبل التراجع أن يكون الأخير.. كنت أتصل بأمي دوماً أخبرها بخلافاتي مع زوجي وسط دموعي وحنقي الشديد على زوجي، فتتعاطف معي بشدة مثل عادة الأمهات، وتحقد على زوجي ولا تحتمل رؤيته. وليت الأمر اقتصر على إخبار أمي، بل كنت أعمد إلى إخبار إخوتي وأخواتي وصديقاتي عن مشاكلي التي لا تنتهي، لدرجة أصبحت حياتي مشاعاً يتناقله الجميع، ويطَّلعون على أدق تفاصيله دون خجل أو وجل.. وهو ما أعض أصابعي ندماً عليه الآن.
كان زوجي رجلاً قليل الصبر عصبي المزاج شرقي الطباع التي أجدها قيوداً كان يقيِّد بها حريتي ويكبتني، ولكن لا قِبَل لي أن أنكر بأنه كان كريم النفس طيب القلب سريع الصفح سريع النسيان لما جرى، يحترمني ولكنه كثير اللوم على كل هفوة أهفوها. كنت أقابل عصبيته بعصبية أكبر منها، وقلة صبره بضيق وضجر وجدل لا أملُّ منه. فبدلاً من أن أتجاوز الخلاف وأقود زوجي إلى الهدوء، كنت كمن يصب الزيت على النار، فتزداد اضطراماً ويشتعل الخلاف الذي انعكس على حياتي كافة وصغاري خاصة الذين أخذوا يتراجعون في دراستهم، ويقضمون أظفارهم من فرط القلق والتوتر، وتصيبهم الكوابيس الليلية فكان الطلاق لا مناص منه في رأيي.
أتمنى الآن لو أنني كنت أكثر تعقلاً ونضجاً، لو أنني عاملت زوجي بحب وسعة صدر واحتواء، لو أنني كنت أصمت أمام غضبه وأتركه يفرغ عصبيته كما يشاء دون أن أردَّ عليه بكلمة، لو أنني كنت أدرك أني أُنهي مشاكلي مع زوجي لأبدأ مشاكل من نوع جديد مع الحياة.
كان أهلي يشجعونني على الخلاص منه وينتصرون لكرامتي واستقلاليتي دائماً، ويحفزونني على أن أضع له حداً، ولا أسمح له بأن يتمادى أكثر معي. لم تنصحني أمي بأن أُحسن إليه وأن أحبه وأشعره بحبي له وأحتويه وأتجنب ما يثير عصبيته. لم تقل لي ولو لمرة واحدة: ابذلي جهدك لتحافظي على بيتك، الذي لم أكن أعرف قيمته آنذاك. عرفت الآن كم كان بيتي عزيزاً على قلبي حين دمَّرته بيدي، ولم أدرك كم كنت أحب زوجي إلا بعد أن فضحته بين الناس، وجعلت سيرته وسوء أخلاقه على كل لسان وجرجرته على المحاكم حتى حصلت على الطلاق منه.
في الأيام الأولى أحاط بي أهلي ودعموني ومدحوني بشكل لا يُوصف.. ثم.. وكما هي عادة البشر، انفضُّوا من حولي بأسرع مما توقعت، كل ذهب إلى شؤونه وحياته الخاصة بعد أن ملُّوا مشاكلي وشكواي المتكررة، لدرجة أني أصبحت الآن أتمنى مجرد اتصال منهم وليس زيارة وهدية واهتمام.
أعاني الآن وحدة قاتلة، وقلبي ينفطر ألماً، وروحي تئن وجعاً وبؤساً.. لا أحد يهتم بي، أو يسأل عني وعن أبنائي الذين غدو كالأيتام رغم أن والدهم لا يزال على قيد الحياة، أرى من حولي يتهربون مني وكأنني سأنقل لهم عدوى التعاسة. أتمنى لو كان بإمكاني الآن أن أتصل بمن كان زوجي، فأعتذر له عن كل ما بدر مني وأعرض عليه لو يعيدني إليه.. إلى بيتي.. ولكن: هل أستطيع إصلاح ما كسرته وحطمته إرباً؟ أدرك تماماً بأنه سيرفض بل قد يهينني بعد ما فعلته معه وقلته للناس عنه. ليت الزمان يعود إلى الوراء فلا أكرر ما فعلت وأحرص على بيتي وأسرتي حرصي على نفسي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.