بعد شهر من تظاهرات تشرين العراقية.. ما السيناريوهات المتوقع حدوثها بالمرحلة القادمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/05 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/05 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
المحتجون العراقيون في قلب العاصمة بغداد

إن دورة التظاهرات العراقية غير المكتملة في أكتوبر/تشرين الأول عام ٢٠١٩، قد تكون مختلفة لأنها جاءت من عابرة لكل الفئـات الحزبية والسياســية والإيدلوجية كافــة، وقــد انطلقت شبابية باسلة هادئــة، ينتمــي هــؤلاء الشباب للفئات العمرية من ١٦-٢٨ وفــي الأغلــب إلــى الفئــات المهمشــة المظلومة التــي تنتشر داخل الاحياء والأزقة الحضرية الفقيرة، هذه المرة أطراف المدن الريفية البعيــدة مــن المركــز مشاركتهم كانت ضعيفة، وأيضاً ليس لهم قيادة على مستوى الخطاب أو التمويل أو الإعلام أو الرمز.

وينقــل لنــا تاريخ تظاهرات ما بعد ٢٠٠٣ في العراق أنــه كلمــا أدركــت فئات معينــة أنهــا أصبحــت مهمشة ومظلومة، ســارعت إلــى التظاهر للمطالبة بحقوقها المشروعة في تقاسم الثروات الوطنية وفرص إدارة الدولة.

إن هــذه التظاهرات الشبابية هي الحجر الصغير الذي قلل من قيمته وخطورته الجميع لكنه خلال ستة أيام تأكد للجميع أنه ليس أي حجر صغير أنه حجــر الزاوية الأخطر فــي الشــارع العراقي، ســرعان مــا يصبــح حجر المنجنيق الذي يهدم بناء النظام السياسي ما لم يتدارك الجميع وضعه في المكان المناسب وإعطاءه حقه في بناء النظام.

وتاليــاً، ففــي غيــاب الظــروف القانونية والإنسانية وتسلط الأحزاب الهجينة وفواعلها المسلحين قمعت التظاهرات بطريقة خشنة وبالرصاص الحي والقنص المتعمد، لــم تكــن تظاهرات تشرين الأول ٢٠١٩ لدى الحكومة العراقية بالقانونية وبحسب تصريحات رئاسة الحكومة العراقية إن هذه التظاهرات غير مرخصة وهي غير معتــرف بهــا رســمياً، وهي غير محمية أمام قهر قوات مكافحة الشغب والفصائل المسلحة التابعة للأحزاب الحاكمة التي اجتهدت بقمعها بكافة الوسائل المحرمة.

فئات المتظاهرين:

التظاهرات عفوية بلا قائد مفاوض، وتالياً تأثيراتها لن تصل إلى إزاحة النظام السياسي أو تغيير رأس النظام، وهذا يمهد للكثيرين من المنظمين على ركوب منصة القيادة.

والعفوية مغامرة لا تلاقي احتراماً أو حماية من قبل السلطة والنتيجة استضعافهم وقمعهم، وهـذا يعتمـد عـلى مـدى تقبل وتفاعل النظام السياسي مع تلك التظاهرات، فالتجربة الاحتجاجية العراقية تؤكد أن السلطة لا تحمي القلة ولا تحترمهم بل تنكل بهم، وهي تخشى وتحترم وتتجاوز عن التظاهرات ذات الكتـل البشريـة المليونية المرخصة وغير المرخصة، فالتظاهرات الصدرية والمدنية؛ نجحت في افقاد قوات الأمن الاتزان وبالأخص ضد تظاهرات المنطقة الخضراء وساحة التحرير، وبالتالي الإحجـام عـن قمعها.

إنها لا تستطيع وهي بلا هوية سياسية وعدد قليل أن تهدد النظام السياسي بالسقوط ولا تستطيع أن تهدد شرعية النظام السياسي الحاكم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.

شعور المتظاهرين بأنهم خذلوا بسبب كتلهم البشرية الصغيرة بالضعف والمبالغة بالمطالب، وهذا ما يثير فيهم الشعور بالإحباط وحب الانتقام، ويثـير فيهم روح الكراهية للقانون.

في العراق تبقى السلطة والنظام الحاكم يخشون العدد البشري الكبير فهو الحاكم في النهاية.

استفهامات الأحزاب الموالية للحكومة عن تظاهرات تشرين الأول-٢٠١٩:

– من هي القوى التي مثلت المحرك الرئيسي للتظاهرات؟

– نهاية هذه التظاهرات هل تشكل ثورة أم انتفاضة أو مجرد تظاهرات تعبر عن مطالب اقتصادية؟

المؤشــرات تــدل علــى أن الفترة بين ٢٠١١-٢٠١٩، تميــزت بظهــور جيل شبابي أكثــر وطنية وعقلانيــة في فهم وسائل الديمقراطية، بنحو ٢٠٠ تظاهرة في كافة محافظات العراق قامت في تلك الفترة، وبحــث عــن أشكال تظاهرات جديــدة للتعبير عن مطالبه، لــم تكــن مستعملة مــن قبــل، حيث لــم تعــد الفواعل التقليــدية الحزبية والدينية والقومية قادرة أن تمثل لهم خيمة إصلاحية لعلاج الفساد والانحراف الذي تمارسه الأحزاب الحاكمة، وإنمــا راهنوا على الفاعــل الشبابي غير المتحزب والمعطليــن مــن العمــل، مســتعملين أســاليب مختلفــة تتمثــل بالتظاهــرات العفوية الشبابية، عــلاوة علــى الاعتصامات الخاصة بالخريجين والمفسوخة عقودهم، والمســيرات والوقفــات الاحتجاجية.

الغازات المسيلة للدموع:

تتكاثر علامات الاستفهام على الاستخدام الذي تجريه القوات الخاصة على جسري السنك والجمهورية لقنابل الغاز المسيل للدموع.

الغاز المسيل للدموع المستخدم في منطقة جسري السنك والجمهورية ينتشر بسرعة وتأثيره يستمر أكثر من ساعة التعرض له وهو يحتاج إلى تدخل طبي، يسبب انخفاضاً حاداً في أداء أجهزة التنفس بسبب تنشق زائد للغاز المسيل للدموع، وإن نوعية القنابل المسيلة للدموع "الصربية والبلغارية" هي الأسوأ لهذا النوع من الغاز، وهي مخالفة لحقوق الإنسان وأيضاً لقواعد فض التظاهرات الغاضبة المتفق عليها دولياً، وكذلك هناك استهتار في مخالفة قواعد الاستخدام للغاز، مثل المسافات المسموح بها، التي حددت بما يتناسب مع ذلك، ورميها في مناطق فارغة قريبة من المتظاهرين.

على مختبرات وزارتي الداخلية والدفاع أن تجري تحقيقاً في ظروف وفاة العشرات من المتظاهرين خلال تظاهرات ساحة التحرير بعد ٢٥ تشرين الأول ٢٠١٩، بالاختناق نتيجة كثافة استخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع، والتصويب المباشر أو القوسي القريب نحو عقد التجمعات على جسري الجمهوري والسنك، قالت منظمة العفو الدولية الخميس إن خمسة متظاهرين قُتلوا في بغداد بقنابل مسيلة للدموع "اخترقت جماجمهم"، داعية العراق إلى إيقاف استخدام هذا النوع "غير المسبوق" من القنابل التي يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تستخدم بالعادة

وهذه القنابل المصنوعة ببلغاريا وصربيا هي من "نوع غير مسبوق" و"تهدف إلى قتل وليس إلى تفريق" المتظاهرين، بحسب المنظمة.  

وتُظهر مقاطع فيديو صورها ناشطون رجالاً ممددين أرضاً وقد اخترقت قنابل جماجمهم، في وقت كان دخان ينبعث من أنوفهم وعيونهم ورؤوسهم. كما تظهر صور أشعة طبية قالت منظمة العفو إنها تأكدت منها، قنابل اخترقت بالكامل جماجم أولئك المتظاهرين القتلى.

وتزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي عادة ما تستخدمها الشرطة بأنحاء العالم ما بين 25 و50 غراماً، بحسب منظمة العفو، لكن تلك التي استُخدمت ببغداد "تزن من 220 إلى 250 غراماً" وتكون قوتها "أكبر بعشر مرات" عندما يتم إطلاقها.

وقالت مجموعة من الكادر الطوعي بالمفارز الطبية في ساحة التحرير إن معظم الذين تعرضوا للغازات المسيلة للدموع كانوا يعانون من أعراض تختلف عن تلك التي نشاهدها عادة مع التعرض للغازات المسيلة للدموع.

ومعظم الذين قتلوا بعملية إعدام ميداني من خلال استخدام التصويب المباشر لأوزان ثقيلة من قنابل الغازات المسيلة للدموع اخترقت الرؤوس والصدور والوجوه.

وقد وثقت صفحات التواصل الاجتماعي فيديوهات وشهادات متواترة عن طلق مباشر مقصود أصاب أجساد المتظاهرين وخاصة الرأس، عند منطقة جسري السنك والجمهوري.

وذكر مختصون بالأدلة الجنائية إن القوات الخاصة التي تستخدم غازات مسيلة للدموع من طراز CS التي تم تطويرها في بلغاريا وصربيا بطريقة مخالفة للقوانين الدولية في فض التظاهرات ومكافحة الشغب، حيث حرم استخدامها بهذه التراكيز والكثافة قبل خمسين سنة والذي أشارت الكثير من الأبحاث مؤخراً إلى أنه خطر للاستخدام ضد البشر، وأنه يتسبب في حالات وفاة.

هناك أنواع مختلفة من الغاز المسيل للدموع الأقل خطورة من الـ CS، وليس واضحاً لنا لماذا تصر القوات الخاصة على مواصلة استخدامه، ومن الجدير بالذكر أن القوات الخاصة على جسري السنك والجمهوري تستخدم بندقية خاصة لإطلاق قنابل الغازات، وهي قادرة على إطلاق ست قنابل بسرعة العيارات النارية وحينما تصيب الأجساد أو الرأس تخترقه كما هي مهمة الطلق الناري الحي، وهكذا كثافة بالإطلاق تخلق سحابة كثيفة من الغاز تؤدي إلى الاختناق والوفاة.

وقد أفادت التقارير الطبية الخاصة بوفاة مجموعة من المتظاهرين وأن سبب الوفاة جراء الاختناق وعدم مقدرة جهازهم التنفسي على العمل إثر كمية الغازات التي تعرضوا لها في المظاهرة.

قال ضابط في مختبرات الأدلة الجنائية: "أحد العوامل الأساسية المؤثرة على مستوى إصابة غاز الـ CS هو كمية الذرات في الهواء".

 يقول طبيب مقيم أقدم في مستشفى المدينة الطبية، يشارك بانتظام في مظاهرات ساحة التحرير، ويرشد النشطاء في معالجة الإصابات: "في مثل هذا الحالة كنت أتوقع من القوات الخاصة أن تقيد الاستخدام الكثيف من القنابل في منطقة ضيقة، وهذا ليس قانونياً وهو قصد القتل بشكل مباشر. ليس واضحاً التزام هذه القوات بتعليمات وزارتي الداخلية والدفاع وبنصائح المرجعية، وربما لا توجد تعليمات حول التحذير من هذا الموضوع."

وحسب طبيبة في النقطة الطبية القريبة من نفق باب الشرقي: "في الفترة الأخيرة تم تشخيص إصابات متواصلة في العينين، أمراض جلدية وأمراض في القصبات الهوائية، يمكن الربط بينها وبين الاستخدام الكبير للغاز المسيل للدموع".

وقال مصدر في القوات الخاصة التابعة للفوج الرئاسي إن "دولاً غربية عديدة تستخدم بالضبط ذات النوع من الغاز، إن الغاز المسيل للدموع الذي هو قيد خدمة القوات الخاصة اجتاز كل الفحوصات المهنية المتشددة"، ووصف بأنه "سلاح لا يقتل."

قوات الأمن المتمركزة على جسر الجمهورية والسنك بعد يوم ٢٥ تشرين الأول، ٤ فئات؛ أمن الملاعب، وأمن المنشآت، والشرطة الاتحادية، وقوات حفظ النظام. وكذلك من العجلات المدرعة التابعة للشرطة الاتحادية، وسيارات خراطيم المياه الحارة، مع قوات خاصة مدربة على استخدام بنادق الغاز المسيل للدموع، وسرية مكافحة الشغب التي تحتمي بالدروع والهراوات، كل هذه القوات لم تحمل معها إلا الرصاص المطاطي، وتواترت شهادات الحاضرين عن عدم استخدام أي رصاص حي ومن كافة العيارات، وتأشر لدى الجميع استخدام كثيف وبطريقة رديئة لقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، لمنع عبور الجسر والوصول للبوابة رقم ١ التابعة للمنطقة الخضراء قرب بوابة وزارة التخطيط.

قال أحد العاملين ضمن الطواقم الطبية الطوعية، إن معظم الإصابات والحالات الحرجة بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع الذي استخدم بطريقة كثيفة ومباشرة، وشح الأوكسجين في سيارات الإسعاف الفوري. وإنه نقل ثلاثة ضحايا من المتظاهرين إلى طوارئ مستشفى الشيخ زايد قضوا بسبب الاختناق والتدافع.  تؤكد شهادات أصحاب "التكتك" ومراجعاتي لمقاطع الفيديو أن بعض الرصاص المطاطي أطلق على الوجوه بشكل مباشر من قبل أشخاص ملثمين منتسبين لقوات مكافحة الشغب من على جسر الجمهورية، وبخاصة من المنطقة القريبة لوزارة التخطيط.

وتشير أقوال شهود من قوات الشرطة الاتحادية وهم الأقرب للمتظاهرين والأكثر انضباطاً في التعامل الإنساني معهم، وبينهم ضباط برتب مختلفة، وملاحظات لمنتسبي أمن الملاعب، كانوا في ساحة التحرير وعلى جسر الجمهورية وداخل المطعم التركي، إلى أن كل المتظاهرين لم تكن معهم أسلحة نارية ولا أسلحة بيضاء، ناهيك عن استهداف القوات الأمنية بأي آلة أو أداة جارحة أو قاتلة على الملأ أو استخدامها.

دوافع تظاهرات تشرين الأول:

كان تشرين الأول المـاضي ملتهبـاً في المشـهد العراقي العـام، إذ طفـت عـلى الوجـوه تظاهرات سلمية عفوية انتشرت في بغداد والمحافظات الجنوبية والفرات الأوسط وأخــذت هــذه التظاهرات وسم "نازل آخذ حقي"، حيــث نزل المتظاهرون في ساحات المــدن وأطــراف الشــوارع الرئيسية عند مداخلها، وانضم عشرات آلاف الشباب الطلابي إلى دعوة الاحتجاج.

ولفهم تداعيات هذه التظاهرات علينـا التطـرق أولاً إلى دوافـع حصـولها وأهـدافها ومـا آلت إليه في نهاية شهر تشرين الأول.

١-شــهدت شريحة الفئات الفقيرة والهشة اقتصادياً في "العراق" خــلال ١٠ سنوات الأخيرة تراجعــاً في قدراتها الاقتصادية في أعقــاب تآكــل مســتمر لمدخراتها ومــداخيل كسبها اليومي في تعويض الخدمات الصحية والسكن والنقل والتعليم والكهرباء والمياه والعمل اللائق، ويمكــن إرجــاع ذلــك إلى فقدان برامج الدولة لحلول اقتصادية جذرية التــي اتبعتهــا حكومــات "العراق" المتعاقبــة في العقد الأخير، السبب الواضح سياقات الأحزاب الداعمــة للمحاصصة وتمسك الحكومــات وأحزابها بشركائهم من الفاسدين. وبالتالي بـدأت تتركـز الـثروات والمـوارد الماليـة بيـد قيادات وشبكات ولجان حزبية معروفة.

٢-ارتفاع نسب البطالة والبطالة المقنعة والوظائف التي لا توفر الحد الأدنى من الكفاف المعيشي في "العراق" وارتفاع أجور العلاج والضرائب، وانحدار مستوى الدعم للبطاقة التموينية والتدخل الحكومي لحماية السـلع ومتطلبـات الحيـاة، فلــم يعــد بإمكــان عائلــة عراقية محدودة الدخل أن تعــيش بمســتوى اقتصــادي – اجتماعــي اعتــادت عليه سابقاً. والأصعب مـن هـذا أن هـذه العـائلات لم يعـد بإمكانهـا أن تنهـي الشـهر إلا بالاقتراض من أجل توفير الأمور الضرورية من إيجار السكن وأجور العلاج وأقساط متراكمة.

٣- نتيجــة زيــادة الطلــب عــلى التعليم الجامعي ســواء كــان لغايــة التوظيف أم أنها أصبحت ثقافة لدى الشباب العراقي، الأمر الذي رفع عديد الخريجين الباحثين عن التوظيف حتى بلغ نسباً لا يمكن إداراتها ضمن خطط وموازنات الحكومة السنوية، ومما أدى إلى عدم تحمل الشباب والأزواج الشابة من أبناء الطبقات المعدمة والفقيرة والوسطى تحمل ذلك.

٤- سياســة التقشف في فترة الحرب على داعش وتقلــيص الإنفــاق عــلى الخــدمات العامــة، وإيقاف التوظيف المدني، لكن كان أكبر المـتضررين مــن الطبقــة الوســطى والفقيرة، أمــا المســتفيدون فكــانوا مــن القيادات الحزبية والسياسية ولوبيات السلطة ورجال الأعمال الجدد إذ زاد دخلهـم بشـكل فـاحش، واستحوذوا على المال العام وسرقوا الكثير حتى أصبح لا يمكن استعادته.

٥- هنــاك شرائــح ســكانية في المجتمــع العراقي تتقاضى الرواتب والامتيازات مع انها غير منتجة، أي أنهــا لا تنتج وهي لديها وظيفة وهمية "الفضائي"، خاصة في قطاعات الأمن والدفاع والقوات المسلحة. اعتماد هؤلاء على مـا تـوفره لهـم أحـزابهم وقيادتهم السياسية من حماية ورعاية.

٦- ميزانية الأمـن والدفاع في "العراق "التـي تسـتحوذ على قسـط كبـير مـن مجمـل الميزانيـة العامـة، وتأتي على حساب ميزانيات السكن والصحة والتربية والتعليم. ودعم القطاع الخاصة والقطاعات المصرفية والزراعية والصناعية..

وبالمجمـل العـام يمكـن ملاحظـة عدد من المطالب العامة التي رفعتها تظاهرات تشرين الأول، وهي:

١- حل المفوضية الخاصة بالانتخابات وتعديل قانون الانتخابات والاستفتاء على تعديل الدستور وضرورة المباشرة بمحاكمات علنية لكبار الفاسدين.

٢- المطالبــة بــإجراء تعــديلات عــلى النظــام السياسي العــام في "العراق" حتى لو اقتضى الأمر تغيــيره جذرياً بحسب الآليات الديمقراطية.

٣- إعــادة تنشيط ديوان الرقابة المالية ودمج النزاهة والدوائر ذات صلة معه.

٤- إعادة جدولة سلم أولويـات الموازنات العراقية وكيفيـة صرفهـا وتعـديلها جـذرياً نحو دعم القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية والإسكان وخدمات الطرق والجسور والتدخل لدعم قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة..

٥- احتكار السلاح بيد الدولة.

تداعيات تظاهرات تشرين الأول:

١- مــما لا شــك فيــه أن تظاهرات تشرين الأول أحرجت سياســيي "العراق" وتركــت بصــماتها عــلى مجمــل خطاباتهم وميولاتهم طيلة الشهر الماضي تقريبــاً، إذ إنــه ســاد شعور بإمكانية زوال النظام السياسي القائم على غرار النموذج المصري والتونسي.

٢- ومــما لا شــك فيــه أيضــاً أن هــذه التظاهرات قــد أحدثت صدمة كبيرة مفاجئة وحادة وبصـورة غير محـدودة عـلى صـناع القـرار والمسيطرين على حركة وتحولات الـرأي العـام.

٣- لا شك أن الانغلاق السياسي الذي وصل إليه الحال بين السيد الصدر والأستاذ هادي العامري في مسـار التفـاوض مـع حلفائهم الآخرين لم يحقــق حلولاً، إنمــا عمــل عــلى التــأثير الســلبي عــلى توسع شرائح المتظاهرين وتطور أساليب التظاهرات السلمية نحو الاعتصام والإضراب النقابي والعصيان المدني السلمي.

 ٤- شعارات المتظاهرين لم تتطــرق إلى الصراع الأمريكي الإيراني، والصراع الــدائر بــين "إيران" والسعوديين والخليج، إذ حــاول الفاعلون في التظاهرات الامتنــاع كـــلياً عــن التطــرق إلى مســألة الصراع الخارجي وأعبائــه وتكلفتــه، كي لا يتشتت شمل المتظاهرين الذين انضـمت إلـيهم قطاعـات مـن الإسلاميين والليبراليين والعلمانيين بمـا فيـهم الحزبيون بصفة شخصية.

وهنــا يمكــن إدراك أهمية هــذه التظاهرات كونهــا حية متجددة وتأثيرهــا مستدام، وهــو لــيس تــأثيراً عــلى المدى القصير.

قــد تفــرز تظاهرات تشرين الأول قــوى سياســية جديــدة عــلى الســاحة العراقية تمهيــداً لانتخابــات مبكرة وبقانون انتخابات جديدة ومفوضية برعاية القضاء وبإشراف أممي، عند ذلك سيكون الحــديث هنــا عــن تشــكيل موقف جديد يعدل الانحراف السياسي والقطيعة بين جيل التظاهرات وجيل الأحزاب المسيطرة، قوى سياسية جديدة تحمـل آفاقـاً سياسـية جديـدة أو ثوريــة، وســتبقى ضــمن نطــاق التجدد والحداثة.

واضح أن متظاهري تشرين الأول قـد رفضـوا الخـوض في الشـأن الديني والقومي والطائفي والثقافي، والأزمـة هـي من أجل تغيير سلوك النظام نحو عدالة اجتماعية ومكافحة الفساد واحترام الآخر.

وستوضح الصـــورة أن الحكومـــة العراقية الحالية لـــن تســـتطيع الاســـتمرار في تحصــين نفســها مــن تــداعيات تظاهرات تشرين الأول بالوعود الكبيرة بمقابل الإنجاز الضعيف والبطيء، ولــن تكــون حينئذ التظاهرات هــي الوســيلة الوحيدة للتغيير.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل تظاهرات تشرين الأول:

السيناريو الأول: توسع الشرائح الاجتماعية المؤيدة للتظاهر والاعتصامات المفتوحة والعصيان المدني الوضع..

يتمثل هذا السيناريو في توسع الانفجار الشعبي الراهن وربما تزداد نسبة تمثيل الشرائح الثمانية الحالية في ساحات التظاهرات وفي المحافظات بغداد والنجف وكربلاء وبابل وذي قار وميسان والديوانية وواسط والسماوة؛ شريحة العاطلين عن العمل، والمفسوخة عقودهم، والخريجين، والمعدمين من أصحاب المهن والكسب اليومي، الاتحادات والنقابات المستقلة، الطلاب الجامعيين، منظمات المجتمع المدني غير الحزبية أو السياسية، العشائر، رجال الدين..

إذ يبقى الانقسام قائماً بين (مطالبين سلميين مستقلين)، وسياسيين وحزبيين وحكوميين عليهم أن يكونوا (مستجيبين). لا سيما على صعيد رئاسة الحكومة والبرلمان بشكل خاص، إذ وصلت الحوارات إلى حالة الانسداد السياسي بعد قمع القوات الأمنية للتظاهرات السلمية خلال شهر تشرين الأول-٢٠١٩ حيث بلغ عديد الضحايا نحو ٢٧٥ شهيداً خلال شهر والجرحى نحو ١١ ألف جريح ونحو ١٤٠٠ معتقل أطلق سراح أغلبهم وأحيل قرابة ٢٠ منهم إلى المحاكم المختصة، ودمرت نحو ١٠٢ مقر ومبنى حكومي وحزبي وخاص. 

وفي الوقت ذاته تستمر جهود تقريب وجهات النظر وجهود رئاستي الجمهورية والبرلمان وبعثة الأمم المتحدة ونصائح المرجعية في تيسير عقد اللقاءات بين الأطراف (المطالبين ومن عليه أن يستجيب) بين الفترة والأخرى، والتدارس في إمكانية التوافق على نقاط هنا أو هناك، ومن ثم لا يلبث الأمر حتى تجمد اللقاءات نتيجة تصريح أو سلوك يقوم به أي من الأطراف المحاورة، ومن ثم تعاد الكرة مرة أخرى، وهكذا.


وإذا ما حاولنا قراءة واقعية هذا السيناريو أو احتماليته على الأقل حتى نهاية هذا الشهر تشرين الأول، فإن هناك العديد من القرائن التي تجعل منه سيناريو ممكناً؛ وهي كالآتي: الانشغال الحكومي والبرلماني في تشريع القوانين والقرارات الاستثنائية دون مفاوضة الشارع العراقي الغاضب وبالتحديد المتظاهرين في بغداد والبصرة وذي قار والنجف ذات الأثر الكبير والتحشيد الذي يحاول الكثير من الأطراف المستقلة والحزبية توظيفه بما يناسب أهدافه السياسية، وكون رئيس الجمهورية هو الأكثر قبولاً وإلماماً ويمتلك المفاتيح لأطراف الحوار مع المطالبين والمستجيبين فإن هذا الأمر يجعل من إمكانية قبول اقتراحات وتوصيات رئاسة الجمهورية غير الملزمة كحل فوري للازمة وذلك من خلال الضغط على الأطراف العراقية المتحاورة أمراً غير وراد بالشكل َّالمتوقع، لاسيما أن هناك حديثاً عن توافق قيادات أربيل مع فريق العامري والمالكي والخزعلي والفياض الداعي إلى بقاء ا.عادل عبدالمهدي مع تغييرات وزارية واسعة في ظل حالة عدم استقرار بين أحزاب تحالف البناء والمعارضة في تحالف الإصلاح، وهذا بالتالي يجعل من الجهد رئيسي الجمهورية والبرلمان ونصائح المرجعية ينصب بدرجة كبرى على تهدئة الصراع السياسي الداخلي بدلاً من احتواء وتهدئة الانفجار الشعبي تجاه القوى السياسية الموالية والمعارضة للحكومة مع تحريك بعض الملفات الإصلاحية الهامة.

وخوف أحزاب وقوى تحالف البناء وعدم ترتيب بيته الداخلي؛ فعلى المستوى العلني وغير العلني تدلل الكثير من المؤشرات على أن تحالف البناء يعاني الكثير من التفرد بالقيادة رغم وجود كبار صقور البيت السياسي الشيعي والسني داخله، ومنه خرج التوافق على رئيسي الحكومة والبرلمان، وأحدث ما في الأمر إمكانية قبول استقالة عادل عبدالمهدي مع ضمان البديل الاستراتيجي وعدم الملاحقة القانونية، وأن تحالف البناء لا يمكن أن يوفر البديل الذي توافق عليه الكتل الكبيرة وتالياً الفراغ الدستوري وتعطيل حزم الإصلاح الوزارية والاقتصادية والقضائية والخدمية، وبرغم نفي بعض الشخصيات في تحالف البناء وجود تفرد للسيد العامري بقرار التحالف، وهم لا يزالون يدافعون عن رئيس الحكومة، إلا أن الحديث عن إعادة تشكيل صفوف القيادة الداخلية والخارجية للتحالف يجعل الحديث عن تهيئة التحالف لاستقبال أي ضغط من قبل فريق الانفجار الشعبي والقوى المعارضة والمطالبة باستقالة الحكومة وبانتخابات مبكرة.

السيناريو الثاني: التوافق بين السيد مقتدى الصدر والأستاذ العامري، على استقالة الوزارة وإعطاء مدة ٩٠ يوماً لعادل عبدالمهدي كحكومة لتصريف أعمال جديدة للتمهيد لانتخابات مبكرة وبقانون انتخابي جديد ومفوضية جديدة مكونة من مختصين مستقلين وقضاة ينتدبهم مجلس القضاء الأعلى ومراقبة أممية، ويتمثل هذا السيناريو في أن تسفر جهود المصالحة التي تقوم برعايتها رئاسة الجمهورية وأطراف فاعلين أمثال الشيخ سامي المسعودي أو أي أطراف أخرى عن إنهاء الانقسام الشيعي الداخلي، بشكل يعيد الوضع السياسي لما هو عليه قبل تشرين الأول؛ بمعنى أن تعود قيادة البيت السياسي الشيعي المسيطرة إلى التوافق بين تحالفي البناء والإصلاح حتى تنفذ حزم الإصلاحات الجادة والصادقة أو على الأقل عودة القرار السياسي لشقي البيت السياسي الشيعي  إلى حين  إجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية ونزيهة، أو إجراء انتخابات لكن وفقاً لتصورات القوى الشعبية المتظاهرة، كأن يتم إجراء انتخابات برلمانية فقط أو يجرى استفتاء على نظام الحكم، أو استفتاء على تعديل وتغيير الدستور.

وهذا السيناريو إن لم يكن ممكناً قبوله من طرف السيد مقتدى الصدر بهذه التفاصيل، إلا أن هناك مؤشرات كبيرة ودوافع داخل تحالف الإصلاح تسعى لتحقيقه وإقناع التيار الصدري والمتظاهرين بها.

السيناريو الثالث: إيقاف الانفجار الشعبي والاستجابة لدعوة الانتخابات المبكرة بحكومة تصريف أعمال، يكلفها رئيس الجمهورية خلال أسبوعين من إقالة أو استقالة ا. عادل عبدالمهدي، ويتمثل هذا السيناريو في أن يتم التوصل إلى اتفاق مصالحة وتوافق على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، واستفتاء على تعديل الدستور والاستفتاء على شكل النظام السياسي مرة واحدة، وهذا مطلب يجمع بين مطالب الانفجار الشعبي ورئاسة الجمهورية والمرجعية في النجف

(إلى حد ما) ويتوافق مع خريطة طريق تحالف الإصلاح التي أسس لها السيد مقتدى الصدر. 

وهذا الخيار كفيل أن يمنح حكومة تصريف الأعمال حرية في العمل وبالتحديد في المحافظات غير منتظمة بإقليم كما أن هذا الأمر كما تراه التظاهرات الشعبية سيكون خطوة أولى في إصلاح سلوك النظام إصلاحاً جذرياً والدخول إليها بقوة عبر بوابة انتخابات برلمانية نزيهة مراقبة أممية.

وهذا السيناريو وإن كان مطلباً ومأمولاً من قبل قادة تحالف الإصلاح والمعارضة، إلا أن إمكانية تطبيقه بهذه التفاصيل قد تكون غير متاحة خاصة مع رفض تحالف البناء التضحية بمنصب رئيس الوزراء وأيضاً بشخص الأستاذ عادل عبدالمهدي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هشام الهاشمي
كاتب وباحث عراقي
هشام الهاشمي من مواليد بغداد 1973، هو مؤرخ وباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، ومختص بملف تنظيم داعش وأنصاره. متابع للجماعات الإسلامية العراقية منذ عام 1997، عَمِل في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية والحديثية، مع أن تحصيله الأكاديمي بكالوريوس إدارة واقتصاد - قسم الإحصاء. حاصل على الإجازة العلمية في الحديث النبوي الشريف، ولديه اهتمام بتاريخ الحافظ الذهبي، وتم اعتقاله وحُكم عليه بالسجن من قِبَل نظام صدام حسين، وقد خرج من السجن عام 2002، وبعد عام 2003 انصرف إلى العمل في الصحافة، وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية، وكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق.
تحميل المزيد