حدثاً مهماً شهدته الساحة السياسية الإريترية خلال الأيام القلية الماضية، تمثّل في انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية. وما لفت الانتباه في هذا المؤتمر أنَّ الحزب الذي يُعد من أكبر أحزاب المعارضة الإريترية وأكثرها تأثيراً، قام بإجراء تعديلات جذرية غير متوقعة، شملت تغيير اسمه القديم إلى "حزب الوطن الديمقراطي الإريتري"، اختصاراً "حادي"، واختار لرئاسته الأكاديمي المعروف أحمد صالح.
بطبيعة الحال، انعقد المؤتمر خارج إريتريا، لأنه من المستحيل أن يمارس أي شخص معارض نشاطاً "ولو سلمياً" في الداخل، مادام أن الديكتاتور أسياس أفورقي يحكم إريتريا، ولأسبابٍ خاصةٍ لم يكشف القائمون على أمر الحزب بشكله الجديد عن مكان انعقاد جلسات الدورة السادسة والدولة المستضيفة.
المهم في الأمر، أنه جاء انعقاد مؤتمر حزب الوطن الديمقراطي في وقتٍ تفاءل فيه كثير من المواطنين الإريتريين بالتغيرات التي تشهدها المنطقة بأسرها، ولو أنها لم تلبِّ الطموحات حتى الآن، ولكن مهما كانت الأوضاع سيئة في دول جوار إريتريا كالسودان وإثيوبيا وجيبوتي والصومال، فإنها لا تقارَن أبداً بالجحيم الذي يعشيه مواطنو الداخل الإريتري، الذي لم أجد مَن يُعبّر عنه أكثر من المُخرج والناشط هاشم الفايدي، حيث قال في فيلم وثائقي: " لقد استطاع أسياس أفورقي أن يحوّل حقوقنا الطبيعية كشعب إلى أحلام بعيدة المنال!".
أهم التعديلات التي أجراها الحزب
المؤتمر العام السادس لـ "حادي" انعقد تحت شعار "كل شيء للوطن.. والمواطن كل شيء"، وبحسب البيان الرسمي للحزب فإنّه تم إجراء مراجعات كبيرة لتاريخه، قَصَد بها أن تشهد مسيرته المستقلبية التخصص في العمل السياسي، دون سواه من الأنشطة الأخرى كالدعوية والتربوية والاجتماعية، موضحاً في البيان أنَّ الحزب بشكله الجديد منفتح إلى كل جموع الشعب الإريتري، وأن اكتساب العضوية فيه متاح لأي مواطن دون النظر إلى دينه أو لونه أو قبيلته أو تاريخه.
احتفاء بالتغيير وانتقادات
من المهم أن نشير إلى أن معظم الأحزاب السياسية الإريترية هي أحزاب ذات صبغة إسلامية تقترب من منهج جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات السلفية، ولعل الكثير من الناس لا يدركون أن نحو 70% من مواطني دولة إريتريا يدينون بالإسلام على عكس ما يحاول نظام أفورقي الترويج له من أن نسبة المسلمين لا تتعدى 48 أو 50%، فالثابت أن هناك 29% من جملة السكان مسيحيون بطوائفهم المختلفة، إضافة إلى نحو 1% ديانات أخرى.
عندما أعلن حزب الوطن الديمقراطي الإريتري عن توجهه الجديد بعد انعقاد المؤتمر العام السادس في الأيام الماضية، انقسم الرأي العام في وسائل التواصل بين مؤيد للفكرة ومبارِك لها باعتبارها خطوة مهمة نحو الانفتاح والمواكبة بعد تفرغ الحزب كاملاً للعمل السياسي، وفصله عن العمل الدعوي والاجتماعي، لافتين إلى أنّها قرارات جريئة وإعادة تموضع وترتيب الأولويات وخروج الحزب من بوتقة الكيان الديني الدعوي، إلى رحابة العمل السياسي، كما يقول المدون سيّد سراج.
في المقابل، اعتبرها آخرون تنازلاً من الحزب عن شعاره الإسلامي، ورفع شعار آخر علماني تحت مسمى "مراجعات"، مثل الناشط المعروف عبدالرحيم عثمان، الذي صوّب انتقاداته لحزب "حادي" قائلاً: "في كل مؤتمر يقوم بتغيير اسمه مع الاحتفاظ بالقيادات التي تقوم بتغيير الاسم على أمزجتها، ولكن كونه يفارق اسمه الإسلامي ويرفع شعار العلمانية الإيجابية فهذا لَعمري انتكاسة ورِدّة وانبطاح على أعلى مستوى"، بحسب وصفه.
التغييرات تم إجراؤها بعد نقاش متعمق
عن هذه الجزئية، تحدث لكاتب المقالة، القيادي بالحزب عثمان شيكاي، موضحاً أن "هذا المشروع السياسي الجديد الذي أجازه المؤتمر العام السادس للحزب، والذي تحول بموجبه إلى حزب سياسي عابر للأيديولوجيا، ومفتوح لكل الإريتريين بمختلف أديانهم وخلفياتهم الفكرية، ليس وليد صدفة، وإنما تمت دراسته على مدى عشر سنوات، منذ ما قبل المؤتمر العام الخامس في 2013، حيث تأجّل لإخضاعه لمزيد من الدراسة".
ويضيف قائلاً في حديثه الخاص: "لم نكتفِ بذلك، وإنما استطلعنا فيه رأي نخبة من العقول الإريترية من خارج الحزب من أصحاب التجارب والعقول الراجحة، فتطابقت رؤية عضوية الحزب مع غالب الرؤى التي قدمت لنا من تلك النخب، فكان ذلك مؤشراً إيجابياً لمدى قربنا من نبض الشارع العام"، ومع ذلك يشير شيكاي إلى أنه من الطبيعي ألا يجد المشروع الجديد قبولاً بنسبة مئة في المئة، فهناك عدد من المتحفظين عليه، لكنهم خضعوا في النهاية لرأي الأغلبية، وقبلوا بنتيجة الشورى، بل إنهم في مقدمة المنفذين والمدافعين عن هذا التوجه الجديد".
وفي ختام حديثه، يؤكد عثمان شيكاي أن "إعمال الشورى، والتحاكم لأسس الديمقراطية عند البتّ في المسائل الخلافية، بعد إفراغ الجهد في محاولة الإقناع هو عُرف درج عليه حزب الوطن الديمقراطي الإريتري طوال مسيرته التي أكملت عقدها الرابع، وهذا كان سبب عصمتها من الانشقاقات التي ابتُليت بها الساحة السياسية الإريترية."
اهتمام غير مسبوق بالمؤتمر
وعن الاهتمام غير المسبوق الذي وجدته مخرجات مؤتمر حزب الوطن الديمقراطي الإريتري "حادي" على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر رئيس اللجنة التحضرية للمؤتمر العام السادس علي محمد محمود في حديثٍ خاصٍ مع الكاتب، أن المخرجات فاجأت الجميع إلا عضوية الحزب، التي كانت تدرك قوة الحزب وتأثيره في الشارع الإريتري، وفي وسائل الإعلام.
وعزا محمود دهشة الآخرين من التفاعل والاهتمام إلى "عدم معرفتهم بقوة حزب حادي، وكذلك المقارنة الخاطئة بالأحزاب الإسلامية والعلمانية في المنطقة، التي تتعرض لانشطارات وانشقاقات رأسية لو أقدمت على مثل هذا التحول"، حسب وصفه.
ويضيف قائلاً: "رصدنا تفاعلاً كثيراً من الشخصيات والتنظيمات التي لها وزن كبير مع الخطوة، وقاموا بتهنئة قيادة الحزب، ونشكرهم على هذا التشجيع والترحيب، ومن انتقدنا فهو أيضاً محل تقدير، لأنه يبصّرنا بأخطائنا وبالتحديات التي تواجهنا. فضلاً عن أنه تمرين عملي للديمقراطية القادمة في إريتريا المستقبل، واحترام الرأي الآخر مهما كانت قساوته وسذاجته".
إن الاتفاق والاختلاف بشأن التغيرات التي شهدها حزب "حادي" الإريتري لَهو أمر طبيعي كما ذكر قياديوه، ويُحسب له أنه قد حرّك المياه الساكنة، وألهب حماس الساسة والمثقفين الإريتريين، لدرجة أن الشاعر المعروف محمد إدريس نظم قصيدةً معبرةً عن انعقاد المؤتمر العام الساس للحزب، نشرتها وكالة زاجل الإخبارية على اليوتيوب.
كما كان مؤتمر الحزب، الشغل الشاغل لجموع الإريتريين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والدينية والعرقية خلال الأيام الماضية على منصّات التواصل الاجتماعي، خاصة موقعي تويتر وفيسبوك.
المعضلة الأساسية.. كيفية توحيد قوى الحراك الإريتري
مع كل الإيجابيات التي شهدها انعقاد مؤتمر حزب حادي، نعتقد أن التحدي يبقى قائماً في كيفية توحيد صفوف المعارضة الإريترية، التي تمثل الغالبية العظمى من جموع الشعب، فنظام الديكتاتور أفورقي لا يدعمه شخص عاقل إلا قلّة من المنتفعين، وللأسف فإن الانشقاقات والخلافات بين الأحزاب والكيانات الإريترية لا تزال موجودة، ولا يستثنى منها أحد، سواء كانت الأحزاب الإسلامية التي تتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها حزب الوطن الديمقراطي "حادي"، الذي نناقش مؤتمره في هذا التقرير، إلى جانب المؤتمر الإسلامي، وحركة الإصلاح، وهناك الأحزاب ذات الطبيعة العلمانية، مثل الحركة الفيدرالية وحزب الشعب وغيرهما، كلها تعاني من الانشقاقات وعدم الاجتماع في تكتل واحد.
عن هذه النقطة سألنا رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب الوطن الديمقراطي علي محمد محمود، الذي يوصف بأنه مهندس الانتقال السياسي، عن إمكانية طرحهم مبادرة لتوحيد صفوف المعارضة الإريترية، فقال لنا "هذه من أولويات الحزب في المرحلة القادمة، ومنصوص عليها في برنامجه السياسي الذي سيُنشر قريباً في الموقع الخاص بالحزب، ولأن إزاحة نظام أسياس أفورقي، أو إجباره على التنازل مرهون بتوحيد جهود وبرنامج كل قوى الحراك الوطني، حتى يرموا بقوس واحد".
وأضاف: "فضلاً عن أن الاتفاق في برنامج الحد الأدنى سيجعل الانتقال إلى المرحلة الانتقالية والمرحلة التي تليها سلساً، وبأقل تكلفة، ودون إشكاليات بينية مقعدة. كما أنه يقلل من التدخلات الخارجية".
عليه، تبقى جهود حزب الوطن الديمقراطي "حادي" مرهونةً ببنود المبادرة التي سيطرحها لتوحيد قوى الحراك الإريتري، أو على الأقل اتفاقها على برنامجٍ يكون بمثابة الحد الأدنى، فالكيانات السياسية الإريترية يفترض أنها متفقة جميعاً على تخليض الشعب من نظام الهقدف (اختصار للحزب الحاكم في إريتريا)، وليس التخلص من بعضها البعض!
وكذلك تبقى جهود الحزب رهينةً بمدى تجاوب الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى مع المبادرة المنتظرة.
نتذكر هنا، إعلان الحرية والحرية الذي توافق عليه أكثر من 70 حزباً وكياناً سودانياً بقيادة تجمع المهنيين السودانيين، في مطلع يناير/كانون الثاني من العام الحالي، صحيح أن هذه الأجسام والأحزاب لا تمثل كل الشعب السوداني بطبيعة الحال نظراً لعدم توقيع القوى ذات التوجه الإسلامي على الإعلان، لكنّ حجم قوى الحرية والتغيير وتأثيرها الكبير في الشارع السوداني اتضح في التظاهرات والفعاليات الواسعة، التي كان يدعو إليها التحالف طيلة الفترة الماضية، عكس التيارات الأخرى، والتي اتضح أنها ليس لديها ثقل جماهيري، بما فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، وحلفاؤه من القوى السياسية المحسوبة على تيارات الإسلام السياسي.
قد يقول قائل إن الحراك السوداني استبق قوى إعلان الحرية والتغيير، فهو قد بدأ تظاهرات مدينة عطبرة منذ 19 من ديسمبر/كانون الأول، بينما تم توقيع إعلان الحرية في الأول من يناير، ولكن نقول لهؤلاء إن ثورة ديسمبر/كانون الأول لم تكن الأولى على نظام البشير، فقد خرج السودانيون من قبل في مطلع العام 2012، وفي سبتمبر/أيلول عام 2013، إلا أن غياب الحاضنة السياسية كان سبباً في عدم نجاح الثورتين السابقتين.
إن قوى الحراك الإريتري بحاجة ماسّة الآن إلى الوحدة وتغيير الأفكار والأطروحات، من أجل الإطاحة بنظام أفورقي، وتغيير الواقع المؤلم في إريتريا، أكثر من الحاجة إلى تغيير أسماء الأحزاب والأشخاص الذين يقودون الثورة. فإذا تحققت الوحدة قطعاً سينتفض الداخل الإريتري بصورة أكبر مما انتفض في أواخر أكتوبر/تشرين الأول من 2017، وحينها لن يتوقف حتى تحقيق الهدف المنشود، وهو سقوط النظام القمعي الديكتاتوري، فهل يفعلها حزب "حادي"؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.