لا يسيرون عراةً كما في الأفلام.. صفات لا تعرفها عن الشعب الأمريكي

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/29 الساعة 15:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/30 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
أكثر ما أتمنى أن أقتدي به من تجربتي مع الأمريكيين هي الطاقة الإيجابية والعالية التي يتمتعون بها

ظل المجتمع الأمريكي مبهماً بالنسبة لي، أعلم عنه ما أشاهده عبر التلفاز فحسب حتى زرت الولايات المتحدة الأمريكية ومكثت فيها مدة ستة أشهر سمحت لي بالتعرف عليهم عن كثب.. أحسست منذ عودتي إلى الديار أنه لابد من إزالة أي لبس أو تهم أُلقيت على المجتمع الأمريكي بسبب سياسة حكامها الخارجية.

بداية.. وفور وصولك هناك ستشعر فعلياً أنك قد سافرت إلى عالم آخر، دولة منفصلة عن بقية العالم، عالم وسط عالم، شعرت فيها وكأنني في منفى، ناهيك عن فارق التوقيت الذي يؤكد لك أنك لا تسير على نفس عقارب ساعة البلدان التي يعيش بها أفراد أسرتك وأصدقاؤك. 

كل تلك الفوارق في التوقيت والبعد تنسى أمام عدة صفات رائعة يتمتع بها المجتمع هناك تجعلك وإن أحسست بالغربة أنك مرحب بك.

‏"Hi how are you " ; "have a good day " 

عبارات يرددها الأمريكي أينما اعترض سبيلك مع ابتسامة صادقة مليئة بالطاقة والحيوية دون أن يحتاج لمعرفة مسبقة عنك. سوف تستنتج إن زرت أمريكا لأول مرة أن المجتمع هناك صورة مغايرة تماماً عن الحكومة والسياسيين وأيضاً عن أفلام هوليوود وبرامج تلفزيون الواقع، أي أن صورة المواطن الأمريكي الخارق محارب الإرهابيين واللصوص والديناصورات والمخلوقات الفضائية ما هي إلا صورة خيالية كوّنها عقلنا جراء تأثرنا بالسينما الأمريكية، تماماً كما هو الحال في أفلام بوليوود حين يطلق الأشرار الرصاص على البطل ويخترق جسده لكنه يبقى حياً لنتفاجأ به قد غلبهم جميعاً برميه قشرة موز عليهم تحولت فجأة إلى مسدس رشاش!. 

بعيداً عن المبالغات التي يروج لها صناع الأفلام الأمريكية، لابد من التركيز على أهم خصال أعجبت بها لدى الأمريكيين: هم أناس مسالمون، مبتسمون، وذوو كفاءات عالية عند مباشرتهم لوظائفهم. ستعدد رغماً عنك عدد الفوارق اللامتناهية بين مجتمعهم ومجتمعاتنا العربية جمعاء وسيتبادر إلى ذهنك سؤال وحيد، لمَ يبتسمون دائماً في وجوه بعضهم البعض بينما نحن من نفتخر أننا نتبع دين محمد الذي يقول "ابتسامتك في وجه أخيك صدقة" لا نفعل ذلك؟ 

ترحاب الأمريكي بالآخر ليس فعلاً مرتبطاً بمزاجه أو بمكانته أو عرقه، إنما مرتبط بعقل مبرمج تعود على تلك المعاملة حتى صارت نمط حياة. 

أتذكر أحد المرات التي خجلت فيها من نفسي حينما رددت التحية على أحد الموظفين بطريقة باردة رغم أني قد رسمت ابتسامة صادقة على وجهي، إلا أن تلك التحية لا تكفي مع الموظف الأمريكي، لابد أن ترد التحية وكأنك قد عثرت على صديق طفولتك الذي لم تره منذ سنوات، بكل جوارحك واهتمامك واحترامك له!

خصال أخرى لاحظتها وقد أعجبت بها لمدى بساطة الحياة المشتركة هنالك "الخصوصية". 

رغم أن العرب يقدسون خصوصيتهم وخاصة خصوصية نسائهم إلا أن الواقع مغاير تماماً لما يسعون له، قلما تجد أحداً لا يتدخل في خصوصيات الآخر، بل بالعكس الكل يبدي رأيه بالآخر، الكل يتدخل بتعلة إسداء النصيحة أو الفضول، ناهيك إن كان الشخص المثار لفضولهم امرأة! بيد أن الوضع مختلف تماماً لدى المجتمع الأمريكي، لا أحد يتدخل في ما يفعله الآخر، لا أحد ينتبه لدرجة أن جميع المباني والبيوت هناك تبنى من دون سور، لا أحد يعترف بالسور هناك، حتى لن تفرق بين حدود حديقة منزل عن المنزل المجاور له، أناس متصالحون مع بعضهم البعض، لا يخشون بعضهم، كل له خصوصيته والآخر سيحترمها لا محالة لأن المسألة ليست مسألة ماديات أو اقتصاد قوي لدولة ما وأخرى لا، بل هي مسألة أخلاق. 

يعيش العرب أزمة أخلاق منذ عقود رغم أنهم أكثر الشعوب التي تنسب لنفسها أعلى مقاييس الأخلاق وأنبلها، إلى أن يسافر أحد من شعوبنا نحو مجتمعات كالمجتمعات الأمريكية حتى يستقر على حقيقة واحدة، إنهم شعوب تفوقنا أخلاقياً بمراحل عدة.

إن كان العربي يدعي الأخلاق لأنه يقيسها بقطعة قماش يضعها قسراً على رأس زوجته وبناته فهذا مقياس من اختراعهم فقط، فجميع الأمم اتفقت أن الأخلاق لا دخل لها بالثياب ولكن كي نزيل أي لُبس، المجتمع الأمريكي يرتدي ملابس عادية ولا يسيرون عراة كما يتصور البعض، لا يخدشون الذوق العام، التعري لا يكون بهذه الطريقة الفجة التي تظنها  -التعري ليس مقصوداً به الميني جيب والبكيني كمجتمعنا، التعري هو التعري تماماً- ثقافتهم مختلفة عنا فهم محافظون في وجهة نظرهم "إباحيون" بالنسبة للعرب، لكن العنصر المشترك أن التعري مرفوض اجتماعياً عندهم مثلنا . 

يحترم الأمريكان بعضهم لدرجة إن شعر أحدهم أن احتمال اصطدام كتفه بكتف غيره عند مروره بمقربة منه وارد، سيسارع للاعتذار منه "آسف" رغم أنه لم يصطدم به حقاً! تخيل معي في بلداننا، نحن نصطدم ونمر ولا نبالي. هذا ناهيك عن طريقتهم المنظمة لقيادة السيارات وعن معاملاتهم الرائعة فالمستشفيات والمطارات وأي مكان تضع فيه قدمك ستستقبلك ابتسامة عريضة. 

أكثر ما أتمنى أن أقتدي به من تجربتي مع الأمريكيين هي الطاقة الإيجابية والعالية التي يتمتعون بها، تشعر فعلياً أنك مرحب بك أينما حللت عكس ما يحدث إن ذهبت لأي دائرة حكومية عربية سيقابلك الموظف بقلة الكفاءة و"بالتكشيرة". 

المجتمع الأمريكي فريد ومختلف طيب وبسيط ولا ينتظر منك معروفاً كي يشعرك بالامتنان. 

ليتنا نقوم بثورة أخلاقية كي نستطيع قطف ثمار ثوراتنا السياسية، فالدولة تبنى بالعمل ولكن المجتمع لا يبنى إلا بالأخلاق.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريحان غضباني
رسّامة تونسية
رسّامة تونسية
تحميل المزيد