يحكم هذا الكون مبدأ أو قانون التوازن، تباعاً بديهياً لمبدأ العدل.
كل شيء عادل ومتوازن في هذه الحياة، حتى وإن كنا نغفل عن هذه الحقيقة أحياناً.
كل توازن يحمل الضدين معاً، أو الوجهين اللذين يكملان بعضهما البعض، وبفقدان أحدهما نخسر التوازن: الليل والنهار، الأبيض والأسود، الحب واللامبالاة، الحرب والسلام، الغنى والفقر، الأخذ والعطاء، الأنوثة والذكورة!
هذا المقال، مقدمة لسلسلة مقالات تخص الأنوثة، كفلسفة حياة ومنهج وطاقة، لأن الموضوع أعمق قليلاً من تصنيف الناس بين أنثويين وذكوريين.
لا يقصد بالأنوثة والذكورة معنى جنس الإناث أو جنس الذكور، بل نتحدث عن الأنوثة والذكورة كطاقة يحملها الإنسان في نفسه، حتى وإن لم يع ذلك: إن الإنسان بشكل عام، يحمل الطاقتين بطريقة فطرية، وكوننا منقسمين بين إناث وذكور لا يلغي وجود طاقتين متكاملتين لا متناقضتين في الجسم الواحد، نحن نتشارك التكوين نفسه، بتركيبتين مختلفتين في النِسَب: يمكننا من الطحين والماء والخميرة والسكر أن نعجن الخبز، ويمكننا مع مواد أولية نفسها، إن عدّلنا نسبة السكر على الماء والطحين، أن نحصل على الكرواسان! كذلك كل رجل يحمل طاقة ذكورة تطغى، بحكم المنطق، على طاقة أنثوية مختبئة فيه، كذلك المرأة، طاقتها الطاغية الأنثوية لا تلغي كونها تحمل صفات الطاقة الذكورية في داخلها.
أحدٌ لا يعرف كرة الين واليانغ لدى الثقافات الشرقية؟ إن الين، الجزء الأسود لا بد أن يحمل نقطة بيضاء وسطه، نقطة الذكورة، والعكس تماماً بالنسبة ليانغ، الجزء الأبيض. يتكاملان معاً بطريقة انسيابية ليشكلا الشكل الأكثر كمالاً في الرياضيات، الدائرة. كل زيادة أو نقصان في النقطة المركزية تلك، تحدث خللاً، تخيل معي كيف تصبح دائرة الين واليانغ مختلّة، مشوّهة، خطوطها متشابكة ومشوّهة، وألوانها متمازجة بطريقة سطحية غير علمية.
إن فلسفة الأنوثة ليست حديثة العهد، لكننا نسمع عنها في أيامنا هذه أكثر من قبل ربما لأن العصر الحالي يتجه نحو الأنوثة، بعدما استنزفنا الكثير من الجهود في الذكورة الصرف، التكنولوجيا، عالم الماديات، الحروب، المنافسات الاقتصادية، الإنجازات، سلم التطور والحركة النسوية!
ربما لم تلعب الحركة النسوية بالأخص، دورها جيداً في الحفاظ على توازن الطاقتين، وكل خلل لا ينسجم مع طبيعة الكون العادلة، الحكيمة، والمتوازنة، يتطلب جهوداً مضاعفة بالمقابل لإعادة الدائرة تلك إلى شكلها المثالي الأصلي الفطري.
ما هي الأنوثة في جوهرها؟
الأنوثة في الجوهر هي الطاقة الروحانية في الإنسان، المرتفعة في السماء لتتصل بالخالق مباشرةً. هي الطاقة الأكثر رقياً وتحضراً على المستوى الروحي العميق، والذكورة هي الوجه المادي، الثابت في الأرض، المتمكن كي يستطيع حمل الأنوثة ورفعها نحو السماء. من هنا تبدأ سلسلة التوازن بين الاثنين، لا اتصال روحاني دون وجه مادي قوي، ولا معنى لقوة مادية أرضية دون طاقة روحانية عميقة تربطنا بالوجود. الذكورة والأنوثة ليسا وجهين متناقضين في منافسة دائمة، بل هما متكاملان، متحابان، وضروريان معاً في رحلة كل فرد فينا مهما اختلف اتجاهها. هذه القناعة وحدها هي الحجر الأساس لإعادة بلورة المفاهيم بطريقة صحيحة والاستفادة من قوة الاثنتين معاً لتحقيق التوازن.
ترتبط بالروحانية كل الصفات والسمات والقيم المعنوية الروحية التي تهذّب النفس "جهاد النفس الأكبر" مثل الصبر، الإلهام، الإبداع، التعبد، التأمل، إلخ.. أما الذكورة فهي الإنجاز، المنافسة، الربح المادي، قرارات العقل، صح وخطأ، إلخ..
ليس من الحكمة أن نبقى روحانيين حالمين في عالم خُلقنا فيه "لنسعى"، وليس من أهداف خلقنا أن نميل نحو المادية الأرضية والإنجازات ونهمل الجانب الروحاني، أو القيم المعنوية التي تحكم عالم الإنسانيات.
الذكورة هي المرحلة الاستعدادية الأولى والأهم للوصول إلى الأنوثة الفطرية، حيث الطريق إلى الله.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.