أثار المدرب الجزائري جمال بلماضي اهتمام متابعي الرياضة العربية والعالمية حينما قاد منتخب بلاده لنيل لقب مسابقة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، التي احتضنتها مصر الصيف الماضي، عن جدارة واستحقاق، ليكرمه الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" على الطفرة التي حققها رفقة محاربي الصحراء، ويحقق المركز الرابع في ترتيب جائزة أفضل مدرب في العالم لعام 2019.
وازدادت شهرة بلماضي أكثر، من خلال تصريحاته المثيرة والجريئة في المؤتمرات الصحفية واللقاءات الإعلامية، وهو ما جعل البعض يطلق عليه لقب "مورينيو إفريقيا"، نسبة إلى المدرب البرتغالي المثير للجدل.
وكان آخر تلك التصريحات تأكيد دعمه للحراك الشعبي في الجزائر المتواصل منذ 36 أسبوعاً، والذي أطاح بالمخلوع عبدالعزيز بوتفليقة وبـ "العصابة" التي كانت تحكم البلاد باسمه.
وقال بلماضي، في مؤتمر صحفي عقده بالجزائر العاصمة، الثلاثاء 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري: "منذ بداية الحراك، أعداد ضخمة من الناس ينزلون إلى الشارع كالجسد الواحد، لديهم مطالب معروفة، من الواضح أنه يجب الاستماع إليهم وأخذ مطالبهم بجدّية، يجب الذهاب إلى عمق المشكل ومحاولة فهم ما يجري والعمل على تطوير وتغيير الوضع، أنا أساندهم بنسبة ألف بالمئة".
وتابع مبدياً إعجابه بالطريقة الحضارية والسلمية التي عبّر بها الشعب الجزائري عن مطالبه، قائلاً: "هذا الشعب الذي أفصح عن انضباط كبير، خاصة بعد صور العنف والوحشية التي ألصقوها به، يملك عديداً من الكفاءات والقيم والتاريخ الغنيّ، وأنا واثق بشيء واحد، وهو أنه إذا وفروا لنا الإمكانات فسننجز المستحيل".
وهذا المستحيل حققه بلماضي شخصياً رفقة منتخب بلاده لكرة القدم حينما تُوّج "محاربو الصحراء" بلقب كأس أمم إفريقيا، خلال الدورة النهائية التي احتضنتها مصر من 21 يونيو/حزيران إلى 19 يوليو/تموز من السنة الجارية، وذلك للمرة الثانية في تاريخ الجزائر، بعد لقب دورة عام 1990 التي جرت في عقر الديار بإشراف المدرب المرحوم عبدالحميد كرمالي، وبالنجم رابح ماجر كقائد للفريق.
نتحدث عن المستحيل ونذكر اسم "ماجر" مجدداً، ولكن هذه المرَّة كمدرب وليس كلاعب، فلقد خلف بلماضي، رابح ماجر على رأس الجهاز الفني لمنتخب الجزائر في الثاني من أغسطس/آب 2018، وورث عنه فريقاً مهزوزاً و "مُحطَّماً" معنوياً بعد سلسلة من التعثرات في المباريات الودية داخل الديار وخارجها، لكن جمال نجح في إعادة الروح الجماعية لمنتخب بلده في ظرفِ أقل من سنة واحدة، وقاده للتتويج القاري على أرض الفراعنة، فارضاً بذلك الإعجاب والاحترام من معظم محبّي ومتابعي الكرة العالمية.
لاعب عصبي وتأخَّر في الانضمام إلى منتخب بلده
ولمن لا يعرف الكثير عن جمال بلماضي، فهو من مواليد يوم 25 مارس/آذار 1976 ببلدة شابمبينيه في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، من أب وأم جزائريَّين، انضم إلى نادي شامبينييه في سن العاشرة من عمره، ثم إلى نادي سيسي أونبري بالضاحية الجنوبية لباريس، وذلك إلى غاية بلوغه سن الـ16، حيث التحق بمدرسة نادي باريس سان جيرمان، قبل أن يغادر نحو نادي مارتيغ في صيف 1996، ثم إلى نادي مارسيليا في العام الموالي.
كما لعب بلماضي، خلال مشواره الرياضي، في صفوف أندية كل من "كان" الفرنسي وسيلتا فيغو الإسباني وساوثهامبتون الإنجليزي؛ والغرافة والخريطات القطريَّين، قبل أن يعتزل اللعب في عام 2009، ضمن نادي فالنسيان الفرنسي.
بلماضي، الذي كان ينشط في مركز متوسط ميدان هجومي، شارك في 20 مباراة دولية مع المنتخب الجزائري، سجل خلالها 5 أهداف. وقد تأخر كثيراً في الانضمام إلى منتخب بلده، بحيث خاض لقاءه الأول يوم 9 يوليو/تموز 2000، والذي كان عبارة عن مواجهة ودية أمام المنتخب المغربي، وانهزم خلالها "الخضر" بنتيجة هدفين لواحد.
والتحق بلماضي، لأول مرة، بالمنتخب الجزائري عندما كان في عمره 24 عاماً، ويعود هذا التأخر في تلبية دعوة حمل الألوان الوطنية، إلى الإدارة السيئة التي كانت تسود الاتحاد الجزائري لكرة القدم في تلك الفترة، وعدم وجود تأمين الضمان الاجتماعي في حال تعرّض اللاعب للإصابة، وهو ما كان يؤثر في المسار الاحترافي للاعبين الذين كانوا ينشطون في أوروبا.
وتميز جمال بلماضي، حينما كان لاعباً، بعصبية كبيرة، ويحتفظ الجمهور الرياضي عنه بحادثتين تؤكدان عصبيته وعدم تحكُّمه في أعصابه باستمرار.
جرت الحادثة الأولى بملعب القاهرة الدولي، يوم 11 مارس/آذار 2001، في مباراة بين المنتخبين المصري والجزائري لحساب تصفيات مونديال 2002، والتي انتهت بفوز الفراعنة بنتيجة 5 أهداف لهدفين، حيث لم يتقبل بلماضي تغييره في الدقيقة الـ81 من اللقاء بزميله يسعد بورحلي، فنزع قميصه ورماه على الأرض، قبل أن يلتقطه أحد أعضاء الجهاز الفني لمنتخب الجزائر.
ووقعت الحادثة الثانية يوم 17 مارس/آذار 2001، بعد نهاية مباراة مارسيليا وستراسبورغ (0-0) لحساب الدوري الفرنسي، حيث رمى بحذائه تجاه جماهير فريقه التي كانت تعبر من المدرجات عن سخطها تجاه أداء النادي.
خيانة العرب
ومعروف عن بلماضي أيضاً صراحته الكبيرة، وقد أكدها مُجدداً خلال المؤتمر الصحفي نفسه، حين ردَّ على سؤال حول تفسيره عدم اختيار بعض العرب له كأفضل مدرب في العالم ضمن جائزة "الأفضل" للاتحاد الدولي لكرة القدم، فقال: "لم أفاجأ بذلك، فأنا أعيش في قطر منذ سنوات عديدة، وتعرفت على عديد من الجنسيات وأعرف كيف يفكر البعض".
ثم تابع حديثه بجرأة أكبر، مُلمحاً إلى أن الحسد والغيرة موجودان أيضاً عند بعض الجزائريين، حيث قال مستدركاً: "لكن وبكل صراحة، هل نحن الجزائريين يحب بعضنا بعضاً؟".
وتجاهل بعض قادة ومدربي المنتخبات العربية التصويت لحساب جمال بلماضي، وهو ما تسبب في تضييع الجزائري فرصة الوجود ضمن المدربين الثلاثة المصنفين في جائزة الأفضل، حيث كان يفصله عن صاحب المركز الثالث، الأرجنتيني بوكيتينو مدرب توتنهام الإنجليزي، نقطة واحدة فقط.
وبالمقابل فإن بلماضي منح صوته للنجم المصري محمد صلاح في جائزة أفضل لاعب في العالم لسنة 2019، مُعتبراً إياه أفضل من الأرجنتيني ليونيل ميسي، المُتوّج بالجائزة، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، وهو ما يمحو الصورة التي حاول البعض إلصاقها ببلماضي، بأنه "لا يحب المصريين" والتي محاها أيضاً، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الإثنين 14 أكتوبرتشرين الأول الجاري، بمدينة ليل الفرنسية، بتعبيره عن إعجابه الكبير بجمال وجودة الملاعب المصرية والتي لاحظها خلال خوضه نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019 الأخيرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.