– كيف لا تكون العائلة دواء لكل شيء؟!
العائله هي الدرع الأول الذي يجب أن تحتمي به، الملاذ الأوحد لتحمل طباعك وهفواتك دون عتاب أو قسوة، فالعائلة خُلقت لتصبح المصدر الأول لكل المشاعر النبيلة، فالأخبار السيئة تجعلنا نتكاتف، تساعدنا دائماً على حمل هذا العبء معاً ومجابهة المخاطر، فالجميع يهب نفسه لكي يساعدك، العائله دائماً لديها القدرة على اجتياز المصاعب، كيف نجتاز المصاعب دونهم أساساً؟!
مهما كان الأمر جللاً بوجود العائلة يصبح كل شيء هيناً أو سيهون، كيف تتجاوزون الفقد معاً؟! كيف تُسند الرؤس وتعالج الأمراض؟!
أن تجد شخصاً تتقاسم معه آلامك في شرفة المنزل عند منتصف الليل، أو ذكرى ما مع حبيب رحل، أن ترى ساحة المشفى تعج بالأقارب والأحبة، أن تتقاسموا الطعام وكأس الماء البارد.
أن تجد عائلتك في السراء والضراء، في الصحة وفي المرض، أعتقد أنه لا صعب يرد في قاموس أي عائلة قوية مترابطة، كقوله صلى الله عليه وسلم "ما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون"، فنحن نكتفي بعائلتنا أولاً وأخيراً.
– طعام العائلة هو الحب الذي يروي ظمأ قلوبنا وأرواحنا، مائدة الطعام لها قوة سحرية لتجعل كل شيء جيداً أو سيصبح كذلك، ربما نظرة ما أو حديث عابر! حتى إنها مشاحنة عابرة، لكن أعتقد أن الطعام لا يؤكل ساخناً أبداً، كل قضايا الشرق الأوسط تطرح على مائدة الطعام.. أن يلقي كل منا كلمته ويتحدث الجميع حول الشيء المميز الذي يكمن بداخله تجاه هذا الجمع، المائدة الطويلة، أصوات الكؤوس، أصواتنا المرتفعة، رائحة الشوي وساعات المطبخ الكثيرة التي نقضيها في إعداد الطعام، كلها تملأ جوفنا بالحُب وتغفر زلة الماضي وتفتح صفحة للمستقبل، تكتفي بالخير وتغض الطرف عن الإساءة لتبقى تلك المائدة قوية كالبنيان.
– العائلة حُب.. الحب الذي بخلت به كل الدنيا.. الحب الذي يجعل روحنا تتعافى وجروحنا تلتئم، كيف يغير الحب أسوأ طباعنا إلى أفضلها، بل كيف نجد ذاك الشخص الذي يسرق كل الخوف الجم الذي ملأ جعبتنا؟!
أدركت أن الحب يعالج ويمرض، أن الحب يجعل كل شيء جميلاً بقدر صعوبته.
حب العائلة أيضاً مختلف؛ فالعائلة لا تتكلف في الحب، فأنت تجد عدداً لا بأس به من علاقات الحب، من التفاهم، من الشدائد وكل شيء يمضي في سبيل الحب، كيف نكون في بداية شبابنا وتطوراتنا الفكرية وكيف نصبح حينما نبلغ من العمر الثلاثين؟! كيف يغيرنا الحب ويأتي بنا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين؟! كيف يبدل أفكارنا، ويهشم كل قواعدنا الصارمة، ويلين قلوبنا وطباعنا الفظة الغليظة، فهمت لأول مرة كيف نقضي العمر بأكمله نحاول مراراً وتكراراً في تغيير طباعنا الفظة الغليظة التي في الغالب سبب مشقتنا، كيف حينما نعفو ونصفح ونحب يصبح كل شيء باللون الوردي، وكيف تحول العائلة كل شيء للون الوردي؟!
– كيف تصنع الذكريات والجمعات وتعلق على الحائط! وكيف يتحمل المنزل ذكريات لا تتحملها ذاكرتنا؟
أولاً ودائماً الصور قبل كل شيء، كم صورة؟ كم جمعة؟ كم ألف ضحكة معلقة؟!
فالصور تتحدث، عندما أشاهد صوراً جمعتنا منذ أعوام أتذكر كل التفاصيل، أصوات الضحكات، الحديث الشيق، الخلافات السياسية، النقاشات الدينية، الصور العشوائية المجنونة العفوية، فيديو يظهر فيه بوضوح نبرة الصوت السعيدة التي بصدق تكون أماناً لنا عندما تفرقنا الدروب، إثباتاً حقيقياً للمودة والعشرة، الفخر الذي نتباهى به أمام صغارنا.. هذا منزل العائلة المليء بالحب الذي لا ينضب، هذه عائلتنا، هذه قلعتنا.
– جمعة المناسبات التي يمتلئ فيها المنزل عن آخره، النوم جماعة بملحفة خفيفة على الأرض، نتقاسم الكثير من الذكريات والضحكات حتى بكرة الصبح، كأن النوم على فراش واحد أو كأس الشاي الدافئ هو مرجعنا، الاستوديو التحليلي للعائلة، الأدوار المتبادلة والخطط الاستراتيجية التي نقضي فيها ساعات طويلة لإتمام أمر ما، أغنية العائلة الشهيرة التي نرددها بكل صدق وحب وحماس، التي دائماً وأبداً خاتمة أفراحنا وجمعتنا، التهليل والتكبير وسجدات الشكر عن خبر سعيد مبهر.
البدايات الجديدة التي نشهدها ونجاحاتنا وجمعة السيارات والتزاحم في الرحلات والحفلات، الغناء بصوت عالٍ جداً من نافذة السيارة، يوم الجمعة، وصلاة الجماعة، الكثير من الأطفال، لعبة الأفلام وقصاصات الورق، أعياد الميلاد وطقوس السعادة، كم شمعة في العام تُطفأ احتفالاً بمولود أو صديق جديد؟!
الفاتحة على أرواح مَن كانوا معنا بالجوار ودموع حارة لا تندمل.
– البقاء دون العائلة يمرض ويفقد الروح الود والرحمة التي في الأصل نشأت منذ وُلدنا، فأنا أيقنت أن ضوضاء العائلة هي هدوء القلب وراحة الروح، وأن المرء ضعيف بنفسه قوي بأهله، وأن العائلة هي الصديق الأول والصاحب الأعز، فالعائلة بها كل شيء، ولها كل شيء، وأن خلافات العائلة طعام بارد ليس أكثر، فالرياح تكون أشد تنكيلاً بمن تجده وحيداً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.