هناك دائماً حكم عام على ما ينبغي للمرأة أن ترتديه وما يحتكم إليه تصرفاتها لتكون "محترمة" في أوساط الحرب والسياسة والعلم، هذا "الاحترام" مربطه مشابهتها الرجل.. أو، بمعنى آخر، نفي "أنوثتها" لتكون جديرة بالتقدير.
مثلاً، شخصية "سانسا" في مسلسل "صراع العروش" توحي في الحلقات الأولى بالفتاة "الأميرة" التي تحلم بالزواج من "أمير" وأن تفطر كل صباح بكعك الليمون.. لكن أظهرها سيناريو المسلسل تتعرض للزواج القسري مرتين، وتضرب بعنف بالغ، وتتعرض للاغتصاب مرات لينتهي في الفصل الثامن بثلاث جميلات: ديناريس، سانسا، وسرسي، كلهن قد تعرضن للعنف الجنسي أمام أعين المشاهدين في مواقف مختلفة.. وكأن مؤلف السيناريو أراد للجميلات أن "يحكمن" في ساحات الحرب والسياسة ويفرضن قوتهن على الآخرين دون احترام أجسادهن..
وفي المقابل ، لا يظهر المسلسل أي اعتداء جنساني على "ذكر" رغم شيوع هذا الطراز من التعذيب في العصور الوسطى، ولم تظهر شخصية "آريا" المحاربة من هذه الزاوية بتاتاً، بينما تعرضت "برين" لمحاولة اغتصاب فاشلة لم تنجح لكونها "محاربة" أيضاً وأقل جمالاً من بقية النساء في المسلسل، وكأن المعنى أنه كلما ازدادت "الأنوثة" ارتفعت احتمالات نزع "الاحترام" عن شخصية المرأة، وكلما تقشفت كان احتمال المهانة أعلى، برغم شيوع الاعتداء على النساء ضئيلة الجمال، والأطفال، والمتقدمات في العمر، استثناها المسلسل جميعاً وأظهر 90% من إجمالي 23 مشهداً للاغتصاب في الفصل الرابع (مثالاً) تقع على نساء جميلات.
نفس المنطق يحكم درجة "احترام" النساء في الأكاديميا. كلما اتجهت المرأة لارتداء الملابس الداكنة، وتصفيف الشعر خلفاً، واستعمال الحقائب داكنة اللون، وارتداء الأحذية العالية والسترات الرسمية، كانت أجدر بـ"الاحترام" من طرف الزملاء والأساتذة والطلاب على السواء، فظهور التنورات الواسعة زاهية الألوان، أو ترك خصلات شعرها للهواء علامات لـ"امتهانها" وكونها غير جديرة بالمنصب الذي تشغله أو تحاول شغله في مؤسسات التعليم.
وعلى هذا الافتراض كانت بطاقات التعريف بالمشاركين في المؤتمرات، حتى وقت قريب، تلصق على جيب "السترة" فلا يتوقع أن يتواجد أحد في تلك الأوساط ببلوزة مزركشة وتنورة قطنية طويلة، فهذا سينتقص من مؤهلات المرأة المهنية والعلمية، وكأن المفترض ألا تبدو المرأة جذابة ومحترمة معاً، او جذابة وذكية، إذا كان اعتبار الذكاء مطروحاً في تصورات المجتمع لها. وبالتالي، لتقاوم المرأة تلك الافتراضات، عليها أن ترتدي ثياباً "جادة" كالرجال، كما اضطرت "آريا" و"برين" لتعلم أساليب الحرب ليفرضن الاحترام على الآخرين.
وحيث يحصل الذكور على افتراض "الاحترام" دون طعناء، يبقى على المرأة في كل مجتمع أن تكتسب هذا الحق بطمس "أنوثتها"، وإذا اعتُبر الرجل "مثقفاً" و"حريقة كتب" إذا شوهد في ملابس مهترئة ومتسخة وظهر بشعر متهدل ووجه خافت، فإن المرأة لا يمكنها ذلك، بل تسبقها افتراضات أخرى غير "الثقافة"، مثل أن تكون "طالبة" -أي أدنى من المستوى المطلوب-، أو "أماً" تعتني بالأطفال وبالتالي غير مؤهلة مهنياً، أو أمرأة مسنة لا تحتاج للعناية بمظهرها، إلخ.
هذه وتلك من أشد إشكالات الحياة اليومية للمرأة، لا سيما لو اجتمع عليها "المنفي" وافتراضات المجتمع عن جسدها ومظهرها، فقبل أن تلاحقها نظرات وتعليقات مسيئة، عليها أن تظهر في كامل هيئتها المفترضة، ان تطمس معاني الأنوثة والانطلاق والذاتية في مظهرها لكي يتقبل المجتمع سلطتها في الأكاديميا والسياسة، ويقر باحترامها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.