اعتبرت العديد من المصادر الأمنية والسياسية في إسرائيل والعالم المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والتي استطاع فيها أردوغان انتزاع انسحاب أمريكي من شمال سوريا، حدثاً استراتيجياً استثنائياً شكل إلى جانب ما اعتبر على نطاق واسع هجوماً إيرانياً على حقول النفط السعودية في أرامكو تحولاً استراتيجياً يدل بوضوحٍ كامل على عزم ترامب تحقيق انطلاقة جديدة في عملية الانسحاب الأمريكي والتي بدأها أوباما من المنطقة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في الاستعدادات الاستراتيجية لكافة اللاعبين في الشرق الأوسط بما فيهم دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ما هي دلالات هذا الأمر؟
لقد أظهرت مكالمة 6 أكتوبر/تشرين الأول مدى تنامي وتعاظم قدرات تركيا برئاسة أردوغان على التأثير في مجريات الأحداث الإقليمية والدولية، وبشكل لم يسبق له مثيل وبصورة قد لا تتوافق أحياناً متزايدة مع مصالح أمريكا وأطماع إسرائيل في المنطقة، كما بينت مدى استقلال القرار التركي وانطلاقه من المصالح القومية دون الانصياع أو حتى النظر لمصالح واعتبارات غريبة على رأسها تثبيت الاختراق والهيمنة الإسرائيلية على الإقليم.
وفي السياق الاستراتيجي لعملية نبع السلام التي تشنها تركيا ضد من يعتبرون على نطاق واسع -وعلى لسان ترامب بالأمس- أطرافاً إرهابية مثل: P K K/ العمال الكردستاني التركي و P Y D وجناحه المسلح Y P G والتي تقاد سياسياً وعسكريا من خلال S D F/ قسد، في هذا السياق شكلت مكالمة 6 أكتوبر/تشرين الأول تحولاً ونصراً استراتيجياً، يمكن القول بأنه تم وانتهى فبمجرد انطلاق العملية التركية نبع السلام يكون قد تحقق جزء كبير من أهداف العملية وهو القضاء على أية احتمالية لإقامة كيان كردي مزعوم يخدم مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة، ويتسبب بالمزيد من تشتت وانقسام وحدة سوريا والأمة العربية والإسلامية.
من المناسب الإشارة إلى أن الكثير من المصادر الإسرائيلية تحب أن تشير للكيان الكردي في شمال سوريا باسم روج آفا، أي الغرب، باللغة الكردية، وكأنها تذكر بالمحاولات المستمرة عبر العقود بإقامة كيان كردي في خاصرة الأمة في إيران (مهاباد) أو في العراق / باشور، وذلك مع كل الاحترام والتقدير لحقوق الشعب الكردي الأصيل في المنطقة، والتي يجب أن ينال من خلالها حقوق مواطنة متساوية كبقية أبناء الأمة العربية والإسلامية.
إن أهمية مكالمة 6 أكتوبر/تشرين الأول تنبع أيضاً وبالأساس من تداعياتها الاستراتيجية: فإلى جانب تقدم العملية التركية على الأرض بنجاح ملحوظ رغم ما تواجهه من مقاومة عنيفة من مقاتلين أكراد معظمهم من الأتراك تم تدريبهم وتسليحهم بأعلى درجات الإمكانيات الأمريكية، تبرز استفادة لاعبين آخرين من خصوم أمريكا وإسرائيل على رأسهم روسيا وإيران ودون أن تستفيد حتى الآن داعش من هذه الأحداث والتطورات على الرغم من تحذيرات PKK وPYG وقيام بعضهم بإطلاق سراح العشرات من أنصار داعش لخلط الأوراق وفق الرواية التركية المدعومة بالدلائل والتي اضطر الرئيس ترامب لقبولها أيضاً.
ما زالت تداعيات 6 أكتوبر/تشرين الأول مستمرة مثلها كمثل معارك نبع السلام ومن المبكر كثيراً الحديث عنها بشكل كامل، خاصة فيما يتعلق بتحقيق أحد أهم أهداف العملية وهو إعادة أكثر من مليون لاجئ عربي وكردي سوري لبيوتهم، التي أخرجوا منها على يد وحدات الحماية الكردية وغيرها، وكذلك التأكد من عدم قدرة الأجنحة الكردية الانفصالية المسلحة لاستعادة نفوذها فور التوصل لما يبدو أنه يلوح بالأفق من اتفاق تركي روسي لترتيب المنطقة، وتأكيد وحدة سوريا وتنظيم العلاقة مع النظام السوري، كما يؤمل أن يكون حلاً سياسياً شاملاً وعادلاً لكافة السوريين.
وعلى هذا يمكن القول بوضوح إن نصراً استراتيجياً تركياً قد وقع، وإن فائدة عربية إسلامية في مقابل خسارة إسرائيلية قد تحققت، وبقي الانتظار لمعرفة الملامح الأخيرة لهذا النصر الذي لا يمكن لأحد انتزاعه من مهندسه الأول رجب طيب أردوغان.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.