تنويه هام هذا المقال خيالي ولا يمت للواقع بصلة وأي تشابه بينه وبين الحقيقة هو من محض خيال القارئ.
وكالات الأنباء العالمية تكتب في شريط أخبارها العاجل عن حصول الرئيس المصري على جائزة نوبل للسلام في هذا العام ولم لا وهو من هو بإنجازاته الداخلية والخارجية وبإبرامه لاتفاقات مصالحة مجتمعية داخل مصر واتفاقات مصالحة خارجية مع دول الجوار التي أنهكت بلاده مصر الحروب معها والتدخلات في شؤونها.
بالعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن الرجل القادم من فصيل إسلامي له شعبية كبيرة وعانى من الاضطهاد كثيراً على يد القومية الأكبر في البلاد قد جاب محافظات مصر شمالاً وجنوباً رافعاً خطاباً شعاره الاعتدال والمصالحة المجتمعية مع الجميع، حافظ على وضع الجيش وهو الكيان الأكبر والأهم في البلاد ولكنه أعطى للآخرين مساحة للتواجد في الحياة السياسية والاقتصادية المصرية فلم يطلق يد الجيش ليأكل حق ونصيب الآخرين ولم يسمح للآخرين بالتجاوز في حق المؤسسة العسكرية لما لها من خصوصية وشعبية كبيرة أيضاً، ألغى الأحكام الصادرة بحق الإخوان المسلمين وألغى تصنيفهم كجماعة إرهابية وسمح لهم بالتواجد في الحياة السياسية كفصيل أصيل في المجتمع المصري، فتح قنوات اتصال مع قوى الثورة وشبابها وسمح لهم بتشكيل الأحزاب السياسية، ألغى حالة الطوارئ وأفرج عن المعتقلين السياسيين وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة مرة أخرى إلى بلدهم مصر، وفي استجابة سريعة لما جاء في تقرير هيومان رايتس ووتش أقال النائب العام وخمسة من قيادات قطاع الأمن الوطني ومصلحة السجون تورطوا في قضايا تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان.
خارجياً انطلق الرئيس المصري في جولات مكوكية خارجية رافعاً شعار سياسة صفر توتر، فمن غير المسموح أن تظل الحدود مع غزة كما هي ولم يعد مقبولاً اتهام حماس التي تدير القطاع الفلسطيني بأنها مجموعة إرهابية فأسقط كل القضايا المتعلقة باتهام حماس باقتحام السجون أثناء ثورة يناير وخفف من الحصار المفروض على قطاع غزة وأهله وعقد اتفاقية للتبادل التجاري وفتح الحدود بما لا يضر بالأمن القومي المصري، وعلى الحدود الغربية عقد اتفاقاً مع القوى الليبية المتنازعة فعقد اجتماعاً ثلاثياً بينه وبين خليفة حفتر وفايز السراج وأبرم اتفاقاً للتهدئة تلتزم مصر فيه بعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي عسكرياً أو لوجستياً وأن تكون مصر هي الراعي السياسي والضامن المحايد لأي اتفاق أو مباحثات ثنائية تنعقد بين قوات خليفة حفتر من جهة وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من جهة أخرى، مع السودان كانت له المبادرة في تقريب وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري واستطاع أن يلعب دور الوساطة في اتفاق الإعلان الدستوري بين الجانبين وشهد بنفسه إعلان المجلس السيادي لإدارة المرحلة الانتقالية في السودان واستطاع أن ينهي النزاع التاريخي بين مصر والسودان على مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه باتفاق مرض للطرفين، وفي أزمة سد النهضة مع إثيوبيا توصل لاتفاق تلتزم إثيوبيا بموجبه بعدم التعرض لحصة مصر من مياه النيل حتى ولو أتمت بناء السد .
هذا ليس مقالاً ساخراً أو أضغاث أحلام من وحي خيال الكاتب وإنما هي إنجازات حقيقية نجح رئيس آخر في بلد آخر أن يحقق مثلها وربما أصعب منها ولكنها ليست في مصر وإنما في إثيوبيا حيث البروفيسور آبي أحمد السياسي الحاصل على الدكتوراه والعسكري الذي عمل بالمخابرات والمناضل الذي انضم لحركات مسلحة لإسقاط حكم الديكتاتور منجستو هيل ميريام.
آبي أحمد ابن الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو والذي أصبح بعد أقل من ثلاثة عقود من الزمن رئيس وزراء إثيوبيا، وواحداً من أقوى وأحنك السياسيين في إفريقيا فما الذي فعله السياسي الشاب كي يحصل على جائزة نوبل للسلام ؟".
تعد "جبهة تحرير شعب تيجراي" التي تمثل نحو 6% من السكان هي القوة الأكبر في الائتلاف الحاكم وتسيطر على أغلب المناصب القيادية في الجيش ومؤسسات الدولة الرسمية، وتدير الاقتصاد عبر شبكة واسعة من المصالح فيما تقع على الهامش "المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو" والتي تمثل نحو 40% من سكان إثيوبيا، و"حركة الأمهرا الديمقراطية الوطنية" التي تمثل نحو 25% من السكان.
قومية التيجراي تسعى للسيطرة على القوميات الأخرى وسرقتها والسيطرة على مواردها واحتكارها وإقصائها من أي منافسة على مشروعات كبرى ويعد أبرز مظاهر هذا الإقصاء هو مشروع حكومة ديسالين لسلب الأورمو 120 كيلو متراً مربعاً من أراضيهم التي تحيط بالعاصمة أديس أبابا لأسباب تقول عنها التيجراي إنها استثمارية تتعلق بالخطة العامة لتطوير العاصمة الإِثيوبية وكان هذا من أكبر التحديات التي واجهها آبي أحمد ولكنه استطاع أن يعيد تشكيل معادلة توازن القوى في السياسة الإثيوبية فأطاح ببعض قيادات قومية التيجراي واستبدلهم بآخرين من قومية الأورومو ولكنه حافظ للتيجراي على امتيازاتهم الاقتصادية بشكل لا يمس مصالحهم بشكل كبير ثم انطلق إلى مشروع المصالحة المجتمعية فجاب المدن الإثيوبية ودعا للاعتدال وأطلق سراح المعتقلين السياسيين وألغى حالة الطوارئ وأصدر البرلمان قانوناً يقضي بإلغاء تصنيفات مجموعات بعينها مثل "قنوب سبات"، و"جبهة تحرير أرومو الديمقراطية"، و"جبهة تحرير أوغادين"، و"الجبهة الوطنية الإثيوبية"، من قائمة المجموعات الإرهابية، التي كانت قد أدرجت عليها في يونيو/حزيران 2011 وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة مرة أخرى إلى البلاد بعد سنوات طويلة في المنفى.
خارجياً أجرى الرجل في الـ100 يوم الأولى زيارات سريعة وهامة للغاية مع أبرز 6 دول للجوار الإثيوبي فزار إريتريا والسودان والصومال ومصر وجيبوتي وأوغندا وعقد اتفاقية مصالحة تاريخية مع إريتريا بعد سنوات من الصراع الدامي وساهم في تهدئة الأوضاع جنوب السودان ثم كلل مجهوده بالوساطة في إنجاح اتفاق الإعلان الدستوري السوداني.
ما فعله آبي أحمد في إثيوبيا كان من الممكن أن تعيشه مصر وشعبها داخلياً وخارجياً ولكن الفارق أن زعيماً إثيوبياً قرر أن يكتب التاريخ اسمه مقترناً بكلمات مثل السلام والمصالحة والتهدئة والاعتدال وأراد جنرال آخر في مصر أن يكتب التاريخ اسمه مقترناً بكلمات مثل السجن والسحل والقتل والفساد، وحتى يكتب التاريخ عن هذا وذاك نكتب نحن هنا آبي أحمد رئيساً لمصر..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.