رسخت أدبيات "الحرية" التي يشار عادة لأصولها في مؤلفات جون ستيوارت ميل وجون لوك المعنى "المطلق" لـ"الحرية" بوصفها أساس العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم والفرد والمجتمع. ولا تخفي كراهية "ميل" لـ"التقاليد" التي تحدد التصرفات المقبولة لـ"الأفراد" سواء من طرف الدولة أو المجتمع، وطالت قائمة الشروط التي قررها على السلطة قبل أن تقيد حريات التصرف في المجال العام، منها اشتراط أن يكون الاعتداء عشوائياً وغياب إمكانية تفادي أضرار هذا التصرف من عدمها، واعتبار الظروف الاستثنائية وتوفر بدائل التصرف المرفوض.. إلى آخره.. ويبقى بالأخير أن حرية التصرف والفكر والتعبير والسفر والتنقل لا يمكن تقييدها تحت دعوى "الأعراف" أو "التقاليد" أو "المصلحة العامة" إجمالاً.
هذا بعض ما تعلمه أبناء المدارس الخاصة والأجنبية في مصر.. وتفيده عشرات الروايات الإنجليزية والفرنسية المقررة في المناهج الخاصة للمراحل الوسطى والثانوية بالتعليم غير الحكومي.
لكن أبناء نفس هذه المدارس، مثل الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، والسيدة "نبيلة مكرم" وزيرة الهجرة المصرية، وغيرهما، لم يستفيدوا الحد الأدنى من تلك الثقافة التي يتبناها التعليم الأجنبي والخاص.
جاء دعم أمثال الوزيرتين بدعوى تمثيل "المرأة" وتلميع الواجهة الدولية للحكم، على حساب آلاف المسجونات ظلماً من مختلف التوجهات السياسية، على حساب المختفيات قسرياً لأشهر وسنوات بعيداً عن أبنائهن، على حساب الأمهات اللواتي تحرق السلطة أعشاشهن وبيوتهن يومياً في شمال سيناء، على حساب المنتقبات ومرتديات "المايوه الشرعي" في مختلف النوادي والمنتجعات التي يفترض اندراجها في الإطار القانوني والمؤسسي للسلطة.
وبالأخير، لم يعد تصدير النموذجين للسلطة بفائدة على المواطن رجلاً أو امرأة على السواء، بل تعتبر مواقف وتصريحات الوزيرتين مثالاً "للبلطجة" و"السادية" حينما تأتي من امرأة تتسلط بممارسة القهر المضاعف على المرؤوسين والمحكومين نسائهم قبل الرجال.
من جهة، "هالة زايد" التي كانت تمتهن "تقليب الأوراق" للمسؤولين منذ سنوات قليلة، تنتقم بقتل أحلام مئات الألوف من الأطباء في السفر والإعارة للخارج بعد سنوات من الدراسة والكد تقارب 15 عاماً قبل أن يصلح أحدهم لإجراء الكشوف على المرضى، تمحو الوزيرة بقرار واحد مستقبل الشريحة الأهم من مهنيي الطبقة الوسطى الذين تنعقد آمالهم في "الستر" وكفاية الحاجة بالعمل في الخارج وتحصيل معادلة شهاداتهم المصرية..
وأخرى تتوعد المعارضين في الخارج بالقتل ذبحاً إذا قدم أيهم رأياً معارضاً أو انتقاداً لـسياسات الحكومة المصرية، وعندما وجهت لها انتقادات لإشارة الذبح بيدها في سياق لا تزال تبحث فيه ملابسات مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" نشراً في سفارة بلاده وإذابة جسده بسائل حمضي، تقول "نبيلة مكرم" وزيرة الهجرة المصرية إنه تعبير دارج في العامية المصرية.. الآن أصبحت اللغة "الدارجة" مثار افتخار (!)
و "غادة العجمي" من البرلمان المصري "تردح" بسوقية منقطعة النظير لـ"كلير تالون" الباحثة الفرنسية عندما سألتها عن ملف حقوق الإنسان لترد "غادة" بأن تبحث "تالون" عند أمها عن تلك الحقوق وأن تهتم بسارقي الشانزلزيه "عندهم"..
ويبقى من دواعي "الاحترام" أن تتزعم الجهات الدولية المعنية بحقوق المرأة تنحية هذه النماذج التي تعكس "أمراض" المجتمع والسلطة أكثر من تمكين المرأة، فتلك الوزيرات وأمثالهن يعدن إنتاج الفاشية القومية ويتفوقن في ممارسة القهر على المسؤولين الذكور.
يبقى من دواعي النزاهة والاحترام أيضاً توزيع بعض التركيز المنصب على "الختان" و"الزواج المبكر" لحقوق المسجونات في السجون والمختفيات قسرياً.. فممارسة القهر من قبل السلطة -سواء كان شاغلها رجلاً أو امرأة- ليس أقل إضراراً بالمرأة والمجتمع من ممارسات يرفضها المنطق والعلم معاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.