ذكرى رحيل الشاب الذي أخذ المرض من سجن مصر ثم مات في برد نيويورك!

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/04 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/04 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
الشاب المصري الراحل مهند إيهاب والمشهور "بنحلة"

أعوام سريعة مضت على الدقائق الأخيرة التي أغلق فيها الشاب المصري مهند إيهاب عينيه للمرة الأخيرة.

فارق الحياة وفي عينَيه غصة، دمعة لم تجد مجراها الأساسي، حسرة لم تُشفَ، مرض عضال وموت على سرير في الغربة.

اعتقل مهند في السابعة عشرة من عمره في الإسكندرية أثناء تصويره لمظاهرة احتجاجية عابرة.. أُهين، ضُرب، سُحِل وأودع مصلحة كوم الدكة للأحداث لمن هم دون الثامنة عشرة، كان مهند والذين معه قضية رأي عام في مصر وقتها كونهم أطفالاً، فمهند لم يكن وحده.

أفرج عنه وأُعيد اعتقاله في التاسعة عشرة مرة أخرى لنفس السبب – تصوير تظاهرة عابرة.

في تلك المرة أثقل عناء المعتقل جسد الشاب اليافع، اهتز، خارت قواه، وتعمد الجميع إهماله.

تيفود، أنيميا، وسرد غير مجدٍ من التشخيصات الاعتباطية في المستشفيات الحكومية ومن قبلها مستشفى السجن لحالة مهند، فيما بعد سرب والده له تحليل دم ليفاجئ الجميع بأن "مهند نحلة"  مصاب بسرطان الدم.

ربما تعامل مهند مع الأمر على أنه مجرد "نزلة برد"، لكن قواه كانت تخور مع الوقت، والضعف ينهش جسده، تلقى جلسة العلاج الكيماوي الأولى له وهو مقيد اليدين بسرير المشفى.

موت على الموت يحيط بمهند..

ثمة حملة إعلامية اجتماعية طالبت بخروج مهند مع تدهور صحته، فحدثت المعجزة وغادر السجون المصرية في 2015، ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليتلقى العلاج هناك.

كانت تدوينات مهند على موقع "فيس بوك" هادئة، مضطربة، تشع أملاً وتخفت بكثير من الآمال في صوره التي توضح كم نال المرض من جسده.

مهند كان صديقي على موقع "فيس بوك"، تحدثنا لمرة وكان يتملكه أمل مصحوب بخيبة مؤكدة بالرحيل الحتمي.

مهند كان من الجيل الذي شاهد أواخر يناير/كانون الثاني على عَجلِ في طفولته، تصلبت عروقه في 2013 على الهتاف في التظاهرات المناهضة للنظام، فدفع ثمناً لم يحسبه ولم يكن يتوقعه.

لديَّ صديق صغير من عمر مهند وكان رفيق اعتقاله ناقماً على الحياة، مكتئباً دائماً، يهتف تباً للمجتمع كما هتاف رامي مالك في مسلسل مستر روبوت، يفكر في الانتحار ويتراجع ولا يملك خطة ولا هدفاً فقط نقمة مطلقة وحنين إلى أصدقائه المعتقلين والذين راحوا كما مهند نحلة.

تلك الأيام ذكرى رحيل مهند نحلة

مهند خذلته مصر، شوارعها، مستشفياتها، رائحة الأمومة التي تشع من جدران المنازل وصوت الطمأنينة الذي ينبعث من الأحاديث العشوائية في الطرقات، مات غريباً، على ألم، اكتئاب، وخوف مسائي متعاقب مع هواجس المرض.

مات حراً في غربة إجبارية، لكن حرية نحلة لم تكن تشتاق إلى برد واشنطن أو نيويورك.. حرية نحلة كانت لتمنع على شاطئ المنشية وفي حواري الزنقة وشارع النبي دانيال وبراح البحر المتمرد عند القلعة.. الحرية لروح مهند نحلة يا مصر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد الطوخي
صحفي مصري
صحفي مصري
تحميل المزيد