يحكى أن رجلاً نجا من الغرق بعد تحطم زورقه، وحملته الأمواج حتى أوصلته إلى شاطئ جزيرة مهجورة لا يسكنها سوى بضعة حيوانات أليفة. تقبل الرجل حياته الجديدة وبنى لنفسه كوخاً خشبياً واصطاد أرنباً ليأكله، وبينما الأرنب يشوى على أغصان الخشب الملتهبة، شبّت النيران في كوخه وأحرقته، وعندما عاد المسكين إلى مكانه وجده هشيماً تذروه الرياح، فراح يندب حظه على ما جلبه له القدر. لكن صاحبنا تفاجأ بقارب صغير يقترب من شاطئ الجزيرة، والسبب يعود إلى الدخان الذي لفت نظر أصحاب القارب الذين اعتقدوا أنها رسالة استغاثة من ملهوف ليُنقذوه. ليصبح الحريق الذي ندب حظه عليه بمثابة طوق النجاة له. وهنا تقول العرب: "رُب ضارةٍ نافعة".
مجلس إدارة النادي الأهلي المصري نجا من غريق مركبه بالتتويج ببطولة الدوري، لكنه اعتمد على كوخٍ هش آيل للانهيار، بمجرد أن تتوالى النتائج السيئة والأداء الفني الفقير، ليأتي الهجوم الضاري من المناصرين حارقاً للكوخ، ويرحل المدير الفني مارتن لاسارتي.
فهل يأتي دخان الهجوم بقارب النجاة على يد السويسري رينيه فايلر للنادي الأهلي ومجلس إدارته، ليرفع المناصرون شعار "رب ضارةٍ نافعة"؟
حتى اللحظة يجيب السويسري رينيه فايلر بنعم.
وصول القارب للشواطئ الأهلاوية
تولى السويسري رينيه فايلر قيادة الفريق الأحمر في الـ31 من أغسطس/آب، واستعد للانطلاق في أقل من أسبوعين عندما واجه كانو سبورت في دوري أبطال إفريقيا، في مباراة لم تبث فضائياً، وتمكن من تحقيق الفوز وكسر رقم سلبي بالانتصار خارج الديار إفريقياً وهو ما لم يتحقق منذ آخر انتصار حققه الأهلي أمام الترجي التونسي، في أغسطس/آب 2018. تأشيرة قبول مشجعي الشياطين الحمر لفايلر كانت في المباراة أمام الغريم التقليدي نادي الزمالك في السوبر المصري، ليتوج بأول بطولة له مع الفريق الأحمر.
في قادم السطور سنحاول تسليط الضوء على أبرز ملامح فايلر الكروية، والتي ظهرت في المباريات الخمس الأولى. وما هو أسلوب لعبه المفضل و "فلسفته الكروية"؟
ملامح تيكي تاكا مصرية
فايلر أعاد للأهلي أهم ما افتقده تحت قيادة مارتن لاسارتي، الذي ولأسباب مجهولة كان يفضل اللعب عبر مساحات شاسعة وخطوط متباعدة تسلب الأهلي إمكانية بناء الهجمة السريعة، وتتيح لخصومه المساحات الشاسعة لضربه بالمرتدات. وهو ما طبق فايلر عكسه تماماً مع الأهلي، حيث ظهر بخطوط متقاربة، كما ظهر أن السويسري يعتمد على الضغط العالي بصورة منظمة وسرعة افتكاك الكرة وضغط الخصم باستمرار داخل نصف ملعبه. ربما آفة هذا الضغط العالي واللعب على الاستحواذ هي الدفاع المتقدم، الذي يتيح بتقدمه مساحات في ظهره من الممكن أن تستغل، لكنها آفة وضريبة يجب أن تدفع لمن يريد الكرة دائماً بين أقدامه.
عبر التمرير والنقل السريع للكرة يريد فايلر أن يصل لاعبوه بأقصى سرعة ممكنة لمرمى الخصم، ولعل ما يمنحه الأريحية في تطبيق ذلك هو تواجد لاعب مثل محمد مجدي أفشة، الممر الجيد جداً في خط الوسط الهجومي للأهلي، والذي تمكن من صناعة هدفين في 4 مباريات رفقة فايلر. أفشة يتمتع بقدم حساسة في إخراج التمريرات البينية، ورؤية تساعده على تسريع نسق اللعب والتحرك الجيد والربط بين خطوط الفريق، مما يمنح الأهلي الأفضلية على خصومه.
نقطة أخرى يمكن أن نقول إنها رأس مال أهلي فايلر حتى اللحظة، وهي التحرك بدون كرة وخلق المساحات. يتحرك المهاجم نحو منتصف الملعب ليسحب معه أحد المدافعين، مما يتيح المساحة للاعب قادم من الخلف ليتحرك بدون كرة في المساحة التي خلقت من أجل استقبال تمريرة بينية تسفر في الختام عن الهدف. تكررت هذه الجملة التكتيكية أكثر من مرة، وطبقت بنجاح في الهدف الأول للأهلي أمام الإنتاج الحربي في الجولة الثانية بالدوري المصري، حيث سحب جونيور أجايي مدافع الإنتاج، ومن ثم مرر أفشة لرمضان صبحي المنطلق في المساحة ويسجل الهدف الأول. في لقطة لم يفعلها رمضان في مصر أو إنجلترا من قبل.
في هذه المنظومة، المهاجم لن يقف وحيداً مكتوف الأيدي داخل منطقة جزاء الخصم ينتظر المدد؛ بل يعتمد الأهلي على الكثافة العددية أثناء الهجوم وضم الأجنحة للعمق، ولذلك رأينا نسخة مختلفة من رمضان صبحي، الذي أصبح متطوراً على صعيد التحركات والتسديد. رمضان الذي عانى من قبل في عزلته على الطرف والاكتفاء بالوقوف على الكرة والتمهل قليلاً حتى يصل علي معلول إلى مشارف منطقة الجزاء، ليمرر له، ومن ثم تنتهي مهمته. رمضان مع فايلر ظهر متحركاً في المساحات التي تُخلق في القلب، ظهر متطوراً على صعيد التسديد أيضاً. في مباراتين سجل رمضان هدفين، كما أصبح أكثر تحرراً، وكذلك حسين الشحات الذي اتبع أيضاً نفس الفلسفة بالتحرك تجاه العمق، وهي الطريقة التي أحرز من خلالها هدفيه في الزمالك والإنتاج الحربي. ليبدو أن فايلر أدرك قدرات الشحات وأعطاه الحرية التي كان يفتقدها، فبدأ في تقديم النسخة التي ظهر عليها مع العين الإماراتي، وعلى غرارها أتم الأهلي التعاقد معه.
جونيور أجايي يلعب دوراً هاماً في خطة فايلر، اللاعب الذي كان على مشارف الرحيل عن القلعة الحمراء بدأ في استعادة بريقه من جديد والسر يقبع في إجادة فايلر لتوظيف قدرات اللاعب في الاحتفاظ بالكرة تحت ضغط، مما يجعله يجيد لعب دور المهاجم "المحطة" الذي يتمكن من سحب أحد المدافعين معه لإتاحة المساحة لزملائه للتحرك بها، بالإضافة إلى استعادته حسه التهديفي بإحراز 4 أهداف في 4 مباريات.
اللامركزية والتدوير هما الحل
اللامركزية هي ضربة الأهلي القاضية التي لا يعرف الخصم متى ومن أين ستأتيه. لامركزية لاعبي الأهلي تسبب تشويشاً واضطراباً في دفاعات الخصم، إذ لا يستطيعون تحديد مكمن الخطورة بشكل واضح، ومن أين ستأتي الضربة القاضية، حتى يحاولوا منعها ليحموا مرماهم؛ إذ أصبح أي لاعب متحرك من الممكن أن يسجل.
أمام سياسة التدوير التي يتبعها فايلر يقف الجميع حائراً حول من سيشرك فايلر؟
أشرك السويسري في خمس مباريات 24 لاعباً بمقدار متفاوت من الدقائق، مما جعل الجميع يتساءل عن تشكيل الأهلي الأساسي؟
فايلر حسم تلك النقطة في المؤتمر الصحفي حيث صرح "الجهاز الفني يتعامل مع كل مباراة بشكل مستقل ومختلف، ولا يمكن الحديث عن ثبات تشكيل الفريق، مشيراً إلى أن لكل مباراة ظروفها، وهدف الجهاز الفني هو توفير بدائل جاهزة في كل مركز، خاصة أن الأهلي يخوض عدداً كبيراً من المباريات في فترة زمنية قصيرة".
الأهلي عانى بشكل متكرر من سقوط ركائزه الأساسية في منتصف الموسم وفي أوقات الحسم في فخ الإصابات والإجهاد البدني، ومع ابتعاد بدلائهم عن الصورة كان يجد الأهلي نفسه في مآزق صعبة، ولعل ذلك ما يسعى فايلر لتفاديه عن طريق أن يصبح اللاعب وبديله في حالة جاهزية ذهنية وفنية، خصوصاً أن أسلوب لعب فايلر يحتاج إلى مخزون بدني كبيرة، ففي منظومته لا يوجد لاعب غير مطالب بالضغط، والكل يؤدي واجبات دفاعية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.