الحرب العالمية الثالثة.. هل بدأت الإرهاصات؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/01 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/01 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
ستبقى الولايات المتحدة هى الفائز الأول، وتبقى دول المنطقة هي الخاسر الأكبر.

الحرب العالمية الأولى التي بدأت رسمياً في العام 1914، بدأت فعلياً مع مؤتمر برلين 1885، والذي كان مقدمة للتنافس الاستعماري الواسع بين القوى الأوروبية الراغبة في تمديد نفوذها الإمبراطوري، وتحديداً بريطانيا وفرنسا، وألمانيا بعد وحدتها 1876.

أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد أعلنت عن دخول الحرب رسمياً في السادس من أبريل/نيسان 1917، أي بعد مرور نحو ثلاثة أعوام من بدايتها، وانتهت الحرب في 1918، وكانت الولايات المتحدة هي المنتصر الأكبر، لأن أراضيها لم تتعرض لأي اعتداء، وكانت أوروبا مسرح العمليات الرئيسي، ولذلك كان التدمير كبيراً في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وفي النمسا والمجر، وكذلك الدولة العثمانية التي تم إعلان سقوطها رسمياً بعد نهاية الحرب.

أما الحرب العالمية الثانية، التي بدأت رسمياً في الأول من سبتمبر/أيلول من العام 1939، فقد كانت بدايتها الفعلية عام 1919، مع شروط صلح فرساي المذلة لألمانيا، والتي كانت الدافع الأكبر للألمان للاستعداد للثأر والانتقام، من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، الذي تشَّكل رسمياً في العام 1922، بل ومن الولايات المتحدة ذاتها، لو أتيحت لها الفرصة لذلك.

بينما لم تدخل الولايات المتحدة الحرب رسمياً إلا في ديسمبر/كانون الأول من العام 1941، أي بعد بداية الحرب بعامين وثلاثة أشهر تقريباً، وخرجت الولايات المتحدة الفائز الأكبر كذلك من هذه الحرب، بعد تدمير ألمانيا وتقسيمها إلى دولتين، وتدمير إيطاليا، وتدمير فرنسا بعد احتلالها من الألمان، ونهاية إمبراطوريتها الاستعمارية، وكذلك تدمير بريطانيا، وتفكك أركان إمبراطوريتها عبر المحيطات، وإحراق اليابان بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وظلت الأراضي الأمريكية بعيداً عن نيران المعارك، وأصبحت الولايات المتحدة على قمة نظام عالمي ثنائي القطبية في مواجهة الاتحاد السوفيتي، الذي دخلت معه في حرب باردة انتهت بتفكيكه رسمياً في يناير/كانون الثاني 1991، وإعلان قيام نظام عالمي أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية.

ومنذ العام 1991 خاضت الولايات المتحدة عدة معارك عسكرية، في العراق 1991، وأفغانستان 2001، ثم العراق 2003، ثم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام 2014، بجانب عدد من صور التدخل العسكري المحدود وغير المباشر في العديد من دول العالم.

ومع كل أزمة عاصفة في إقليم الشرق الأوسط، يبرز السؤال الكبير هل هي مقدمات الحرب العالمية الثالثة؟ وأصبح هذا السؤال يتردد من 1991، وحتى اليوم، زاد من أهمية هذا السؤال، خلال العام 2019، ذلك التصعيد المتبادل من حين إلى آخر بين الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، ومعها السعودية وبعض الداعمين لها، من ناحية، وإيران وحلفائها الإقليميين والدوليين من ناحية ثانية.

ولكن القراءة الدقيقة لتطورات الأوضاع في منطقة الخليج، رغم تعدد الأزمات وتفاقمها، سواء تداعيات حرب اليمن التي بدأت في العام 2015، وارتداداتها شديدة الخطورة على الداخل السعودي، من ناحية أولى، وأزمة حصار قطر، منذ العام 2017، وتداعياتها السلبية على منظومة مجلس التعاون الخليجي، من ناحية ثانية، ثم التدهور الحاد في ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني، وخاصة بعد وصول ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، منذ يناير/كانون الثاني 2017، وتحريك الأساطيل وعمليات إعادة الانتشار العسكري في منطقة الخليج، من ناحية ثالثة، بجانب التحولات الصراعية في الشرق الأوسط على خلفية الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية في تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، واليمن، ثم الجزائر والسودان، من ناحية رابعة.

إلا أن هذه الأبعاد وتلك الاعتبارات والتطورات، من وجهة نظري لن تقود لحرب عالمية ثالثة، بحجم الحربين العالميتين الأولى والثانية، من حيث مسرح العمليات وحجم الأضرار المادية والبشرية، ولكن إذا حدث عكس هذا التوقع ودفعت الولايات المتحدة في اتجاه المزيد من التصعيد، فإنها ستكون الفائز الأكبر، بل يمكن والوحيد من نشوب مثل هذه الحرب، وستخرج كل القوى الإقليمية والدولية خاسرة، ولكن بدرجات متفاوتة، وذلك لعدة اعتبارات أساسية، من بينها:

1ـ أن الولايات المتحدة ستظل بعيدة عن مسرح العمليات الأساسية للمواجهات العسكرية، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسيكون دورها الإدارة بالأزمات وتعظيم الاستفادة منها، وخاصة أن الاحتياطات النقدية للدول الخليجية في الولايات المتحدة تتجاوز التريليوني دولار، وستقوم بالسحب المباشر لتغطية نفقات الحرب، بجانب تصدير سلاح بمئات المليارات لدول المنطقة، لتأجيج الصراع، دون أن يكون لهذه الأسلحة دور حقيقي في المواجهات، أو حتى في تحقيق عنصر الردع في مواجهة إيران، وهو ما كشفت عنه هجمات الطائرات المسيرة التي طالب مناطق حيوية في المملكة العربية السعودية.

2ـ إن الولايات المتحدة لن تتضرر كثيراً من ارتفاع أسعار النفط، لأنها نجحت خلال السنوات العشرين الماضية في تعظيم احتياطاتها النفطية، بجانب أنها أصبحت القوة الأولى في العالم في إنتاج النفط الصخري، وكذلك فرضت هيمنتها على نفط قزوين وغرب إفريقيا وتوسعت في إنتاج النفط من ألاسكا.

3ـ إن أوروبا والصين ستكون أكثر الدول دول العالم تضرراً من استهداف قطاع النفط في منطقة الخليج التي يخرج منها يومياً أكثر من 30 مليون برميل، وفق إحصاءات يوليو/تموز 2019 (السعودية 12.2 مليون، إيران 4.7 مليون، العراق 4.6 مليون، الإمارات 3.94 مليون، الكويت 3.04 مليون، قطر 1.87 مليون، سلطنة عمان 1.02 مليون، البحرين 0.3 مليون)، هذا بجانب إنتاج ضخم من الغاز الطبيعي يتجاوز الـ 500 مليار متر3، من دول المنطقة، وهو ما يعني أزمات اقتصادية هائلة إن لم تكن تدميرية، ليس فقط للدول المصدرة للنفط والغاز، ولكن أيضاً للدول المستوردة وفي مقدمتها أوروبا والصين والهند واليابان، بينما ستكون الأضرار شديدة المحدودية للولايات المتحدة الأميركية.

4ـ روسيا ستحقق طفرات هائلة في عائداتها من النفط والغاز، أمام الارتفاع الهائل المتوقع في أسعارهما، باعتبارها ثاني أكبر دولة في العالم إنتاجاً للنفط وأكبر دولة في العالم إنتاجاً للغاز الطبيعي، والمصدر الأول للغاز للدول الأوروبية وتركيا.

5ـ حال حدوث حرب مباشرة وشاملة في المنطقة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون أكبر المتضررين ليس فقط من زاوية صادرات النفط والغاز، واحتياطاتهما وتدمير بنيتهما التحتية، وهما المصدران الأول لاقتصاديات هذه الدول، ولكن من زاوية تدمير بعض الدول بالكامل، وفتح الباب واسعاً أمام تفكيك دولة بحجم المملكة العربية السعودية، إلى عدة دويلات، في ظل الاختلالات الاستراتيجية العميقة بين إيران من جانب ودول مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر.

6ـ إذا كانت دول المنطقة ما زالت تعاني حتى يوم من أزمة غزو الكويت التي مر عليها نحو 30 عاماً، ومن الغزو الأمريكي للعراق الذي مر عليه نحو 16 عاماً، وكانت حروباً محدودة، مقارنة في حال نشوب مواجهة مفتوحة في المنطقة، فإن دول المنطقة، ستظل تعاني من تداعياتها الكارثية لعدة عقود قادمة، هذا إن خرجت هذه الدول بحدودها القائمة وسيادتها على هذه الحدود.

7ـ المواجهة مع إيران ليست مع دولة فقط، ولكن مع حلف إقليمي تقوده إيران وتهيمن عليه هيمنة شبه كاملة، يقوم على عدة دول (إيران، العراق، سوريا)، وعدة جماعات (حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن) وعشرات الميليشيات سواء الناشطة أو الكامنة في معظم دول المنطقة، وبالتالي يمكنها استهداف العديد من المصالح في عدد واسع من المناطق والأقاليم.

8ـ المواجهة الشاملة لن تكون كذلك في صالح إيران بأي حال من الأحوال، لأنها تعاني حتى اليوم من تداعيات حربها مع العراق (1980 ـ 1988) ومن حصارها اقتصادياً على خلفية برنامجها النووي، ومن اختلالات تكوينها العرقي الداخلي، ومن محيطها الجغرافي شديد الصراعية في تفاعلاته الإيرانية، ولذلك لن تقف حدود الأضرار عند قطاع النفط والغاز وغيرهما من قطاعات اقتصادية، أو عند البنية التحتية لبرنامجها النووي، ولكنها يمكن أن تمتد لبنية النظام واستقراره السياسي والأمني والاجتماعي.

ختاماً

إن الاستراتيجية الأمريكية، منذ انخراطها في النظام الدولي عام 1917، وحتى اليوم تقوم في المكون الأكبر منها على الإدارة بالأزمات والتدمير الذاتي للقدرات، ليس فقط في مواجهة المنافسين أو الأعداء المحتملين، ولكن أيضاً وفي بعض الحالات في التعامل مع بعض حلفائها الاستراتيجيين، حتى تضمن استمرار همينتها عليهم وتبعيتهم لها.

ورغم الخبرات التاريخية المتعددة، والدروس المستفادة الواسعة منها، إلا أن معظم النظم السياسية التي تعاقبت على دول المنطقة خلال المائة عام الماضية، ومعظم النظم القائمة الآن، لم تستفد من تلك الخبرات ولم تتعلم من هذه الدروس، ورهنت إرادتها وسيادتها بل وبقائها للولايات المتحدة وتوجهاتها، وبالتالي سواء قامت حرب عالمية أو إقليمية أو حتى استمرت حالة التصعيد والتوتر الراهنة، ستبقى الولايات المتحدة هى الفائز الأول، وتبقى دول المنطقة هي الخاسر الأكبر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عصام عبدالشافي
رئيس أكاديمية العلاقات الدولية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية ورئيس أكاديمية العلاقات الدولية
تحميل المزيد