لم يُعرف في تاريخ العرب حتى وهم يعبدون الأوثان جريمة شرف، لكنها شكل آخر من وأد البنات، وهي ليست تقليداً إسلامياً فلم يطبق حد الزنا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة واحدة، وبناءً على طلب مرتكبتها، ويطبق على الرجل والمرأة، الأولى في الدين الإسلامي الستر، يوجد الكثير من المصادر التي تورد الأدلة والنصوص القرآنية لتأكيد براءة الدين الإسلامي من جرائم الشرف لست هنا بصدد ذكرها، فمن أين جئتم بجرائم الشرف، ولم تكن في الجاهلية حتى؟!
إن معظم جرائم الشرف ليست للجرم نفسه، بقدر ما هي عصبية وضغينة وحقد دفين ضد الأنثى، عقلية تربوية تقدس الذكر ولا أقول رجلاً، فما من رجل حُر يرضى لنفسه هكذا جرم، ستسألون بأي ذنب قتلت، المرأة التي تغذي فكر الذكر وتلفت نظره لضرورة قتل عاره تشاركه الجريمة، التي تربي ذكراً يعطي لنفسه صفة الهيمنة وتقرير مصير فتاة بناءً على أهوائه، تشاركه ذنبه، المرأة التي تحقد وتدفن الغيرة في نفسها لقريبتها فتثير كلاماً مستفزاً ومهيجاً لغضب الرجال وقهرهم هذه مَن عليكم بقتلها، لا الضحية، الأب الذي يتفاخر ببطولات أبنائه الذكور النسائية، وكأن نساء العالمين جوارٍ خُلقن لنيل رضا ذكوره، يهتاج كالثور إذا علم أن ابنته ترغب في أحدهم، هذا مَن يُسجن ويحاسب ويعاقب على سوء تربيته.
إننا بحاجة إلى إعادة تأهيل وتربية مجتمعاتنا البعيدة في القرى والضواحي والأحياء الشعبية وحتى القريبة أيضاً، فوأد البنات أصبحت له أشكال متحضرة أخرى.
نريد تفعيل الطب النفسي، نحن أكثر المجتمعات نعاني من جهل ورجعية تنسب للدين أحياناً وكثيراً للعادات والتقاليد البائدة، كم عدد المختصين النفسيين في مجتمعاتنا؟ لا تكاد تتعدى النسب شيئاً يُذكر، أين الدورات التربوية والتثقيفية في القرى والضواحي والأحياء الشعبية؟ إلى متى سيظل الجهل التربوي خيمة تتوارث؟!
هل تدرس بناتنا في المدارس علماً يحفظ نفسها وعقلها؟ إن جرائم الشرف حصيلة سوء تربوي ونفسي وتعليمي على مستوى المجتمع بأكمله، فبالرغم من تعديل قوانين جرائم الشرف في الكثير من الدول العربية فإنها لا تزال غير رادعة وعادة ما تخفف العقوبات، تموت المرأة ليسجن الرجل عدداً من السنوات ثم يعود لحياته كبطل غسل عاره، لو أن الرجل عرف أنه سيقتل لقتله أخته أو بنته هل كان سيقتلها؟ لو تم تفعيل مراكز حماية الأسرة وقامت بدورها الصحيح وكانت مأوى للمعنفات والمضطهدات يضمن لهن السلامة وإعادة خرطهن بشكل فاعل ومستقل، في المجتمع هل كانت المرأة ستقع ضحية جريمة شرف؟
لماذا لا تدرس البنات في المدارس حقوقها وواجباتها، وتتعلم الدفاع عن كرامتها كأنثى، لماذا لا يكون هناك مناهج تعلمها كيفية التعبير عن نفسها، متى ولمن تلجأ إذا تعرضت لغدر أو تعنيف أو هضم لحقوقها، إذا كنا كمجتمعات عربية جادين في وضع حد لجرائم الشرف، فعلينا البحث عن الأسباب والسعي لوضع حلول لها، ما زلنا ندعي الفضيلة ونحن في قاع السلم.
أخطأت ابنتك وأختك أو غُدر بها، ليس مبرراً لقتلها، فأنت قتلتها أصلاً عندما جعلتها تثق برجل غيرك، قتلتها حين أخفت عنك جرحها وكتمت ألمها خوفاً منك، كم مرة سألت نفسك ماذا يجول بخاطرها؟ كم مرة حادثتها؟ وكم مرة سألت عن قلبها؟ أحبتك أولاً وأحبت أخاها فيك، فكنتما من كسرتما قلبها، وإذا حظها السيئ يسوق لها رجلاً من طينتكم، فتكافئ نفسك وتحقق رغبتك الدفينة بوأدها، أما زارتك في الليل صرخاتها، أكلام الناس أغلى من صراخها؟! هل ارتحت من حنانها الذي أثقل كاهلك؟ أما تشتاق ضحكاتها، وكأس شاي تصنعه لك عقب عشائك؟ هل سأل عنك ابنك القاتل في مرضك؟ إنها كانت تحفظ مواعيد دوائك وتخاف عليك من النوم لعله يخطفك منها، وتقتلها!
الشر أقرب للنفس من الخير، ولكن ما نراه ليس شراً، إنه همجية وتوحش حيوانات كاسرة لا مكان لها بين الناس، وستسألون بأي ذنب قتلت، إذا كنت قادراً على التغيير في فكر أحدهم لا تتردد، إذا كنت محامياً خُذ بحق دمها من قاتلها، إذا كنت تعمل في منظمة تحمي النساء فأعطها كل ما تحتاجه لتحيي نفساً جنى عليها أهلها، لكل معلم ومعلمة علموهم أن يكونوا رجالاً ونساءً يعرفون حقوقهم ويدافعون عنها، من أجل دمها، إلى كل من سمع صراخها، كم امرأة مرّت في حياتك تصرخ مستغيثة برجولتك، فلا تلقي عليها قذارتك، احمها وكن لها عوناً فمن أحيا نفساً كأنما أحيا الناس جميعاً.
لأجل صرخاتها لا تدعوا
قاتليها يعيشون بسلام.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.