أجّل النجم الصاعد لنادي أيندهوفن الهولندي لكرة القدم، محمد إحتارين، الفصل في مستقبله الدولي، حيث لا يزال متردداً بين تمثيل منتخب بلده الأصلي المغرب، ومنتخب بلد مولده ونشأته هولندا، ليعيد بذلك فتح باب النقاش والجدل حول الصراع الدائم بين البلدين للظفر بخدمات اللاعبين مزدوجي الجنسية.
وعلى الرغم من أن إحتارين يبلغ من العمر 17 سنة فقط، إلّا أنه يعتبر قطعة أساسية في تشكيلة نادي "بي إس في أيندهوفن" الهولندي، منذ بداية الموسم الجاري، حيث كان حاسماً في 8 مناسبات خلال مشاركته في 9 مباريات رسمية، بتسجيله لـ3 أهداف وصناعته لخمسة أهداف أخرى.
ويعتبر إحتارين حالياً لاعباً دولياً رفقة منتخب هولندا للشباب (أقل من 19 عاماً) لكنه لا يزال متردداً في حسم موقفه حول المنتخب الأول الذي سيلعب له مستقبلاً، بحكم أنّ قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تسمح للاعبين بتغيير جنسيتهم الرياضية بشرط عدم خوض أي لقاء رسمي مع المنتخب الأول للبلد الذي شاركوا معه من قبل ضمن منتخبات فئاته الشابة.
وأكد إحتارين أنّه سيأخذ كامل وقته لحسم الأمر، خاصة في ظل عدم رغبته في الفترة الحالية بالانشغال بالمباريات الدولية وتفضيله قضاء أكبر وقت ممكن رفقة والده المريض.
وأوضح إحتارين في تصريح صحفي، نقلته صحيفة "ليكيب" الرياضية الفرنسية، الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 2019: "لم أختر بعد، أريد الاستفادة من فترات التوقف الدولي لقضاء بعض الوقت مع والدي المريض، فمادامت صحته ليست جيدة فإني سأبقى إلى جانبه".
ولد محمد أمين إحتارين، يوم 12 فبراير/شباط 2002، بمدينة أوتريخت الهولندية من والدين مغربيين، هاجرا إلى هولندا في سنوات ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولهما إلى مدينة الحسيمة في جبال الريف بشمال المغرب.
ونشأ محمد أمين بحي "كانالينياند" بمدينة أوتريخت، الذي يضم جزءاً كبيراً من الجالية المغربية، والذي عاش فيه الكثير من اللاعبين المعروفين، أبرزهم الهولندي ذو الأصول المغربية، إبراهيم أفيلاي، النجم السابق لنادي برشلونة الإسباني.
بدأ إحتارين ممارسة كرة القدم ضمن مدرسة نادي "هوتين"، في عام 2009، قبل أن يخطف أنظار كشافي نادي أيندهوفن الذي ضمه لأكاديميته في سنة 2010، حيث واصل تكوينه إلى غاية شهر يناير/كانون الثاني من سنة 2019. حينها استدعاه المدرب مارك فان بومل إلى الفريق الأول، ومن ثم قدم له النادي عقداً احترافياً يمتد إلى غاية يونيو/حزيران 2022.
ويحمل إحتارين القميص البرتقالي منذ عام 2017، حيث بدأ مشواره مع منتخب هولندا لأقل من 15 عاماً، ومن ثم تدرج مع كل منتخبات الفئات العمرية لبلد مولده لكنه رفض تلبية دعوة المنتخب الأولمبي في شهر أغسطس/آب الماضي. مثلما رفض أيضاً، قبل أيام قليلة، دعوة المدرب الجديد لمنتخب المغرب الأول، البوسني وحيد خاليلوزيتش، ليؤكد بذلك من خلال هذا الرفض المزدوج أنه لم يفصل بعد في الاختيار النهائي لألوان أحد البلدين اللذين يحمل جنسيتهما المزدوجة.
وعلى الرغم من لعبه مع الفئات الشابة لهولندا، فبإمكان، محمد إحتارين تغيير جنسيته الرياضية والانضمام للمنتخب المغربي الأول، مثلما كان الشأن مع العديد من النجوم السابقين والحاليين لمنتخب "أسود الأطلس"، على غرار حكيم زياش، متوسط ميدان نادي أياكس أمستردام الهولندي، الذي قد يسير على نهجه محمد الأمين والذي تلخص قصته كل الجدل القائم حول الصراع الرياضي الهولندي المغربي والذي أجاب في أحد تصريحاته عن السبب الذي يجعل الكثير من اللاعبين الهولنديين من أصول مغربية يختارون في الأخير الدفاع عن ألوان منتخب آبائهم وأجدادهم.
كان زياش قد لعب لمختلف منتخبات الفئات الشابة لهولندا وكان قريباً جداً من الارتقاء إلى المنتخب الأول، في عهد المدير الفني لويس فان غال، الذي وضع اسمه ضمن قائمة موسعة بـ35 لاعباً تحسباً للمشاركة في نهائيات مونديال البرازيل 2014، قبل أن يعلن المدرب المخضرم القائمة الرسمية المكونة من 23 لاعباً خالية من اسم حكيم زياش. إلّا أن فان غال طلب من زياش الاستعداد للانضمام للمنتخب بعد نهاية البطولة العالمية.
لكن بعد نهاية مونديال 2014، حدث تغيير على رأس الجهاز الفني لمنتخب هولندا برحيل فان غال وقدوم غوس هيدينك. المدرب الجديد استدعى زياش للمشاركة في مباراة ودية أمام الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى رسمية أمام ليتوانيا برسم تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016، لكن النجم ذا الأصول المغربية اعتذر عن تلبية الدعوة "متحججاً" بإصابة تلقاها في الدوري الهولندي، ما منحه وقتاً إضافياً للتفكير جيداً قبل حسم مستقبله الدولي.
وواصل زياش رفضه لمنتخب هولندا في عام 2015، في عهد المدرب داني بليند، ولبى، بالمقابل، دعوة مدرب منتخب المغرب، بادو زاكي، حيث شارك مع أسود الأطلس في مباراة ودية أمام كوت ديفوار، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، في ثم أول مباراة رسمية يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني أمام غينيا الاستوائية لحساب تصفيات مونديال 2018.
وعن سبب اختياره المغرب بدل هولندا، فاجأ زياش الهولنديين بتصريح مثير، ألمح من خلاله لوجود العنصرية في البلد الأوروبي الذي عاش فيه، حيث قال: "لما كان عمري 16 عاماً كنت من بين أفضل اللاعبين، لكني كنت الوحيد الذي لم يكن يتلقى أي اتصال من أي نادٍ.. وطرحت على نفسي العديد من الأسئلة حول سبب ذلك الوضع ولم أجد إجابة سوى كوني مغربياً".
وأضاف قائلاً: "اختيار المنتخب لا يكون من خلال العقل بل من خلال القلب. وفي حالتي فإنّ قلبي مال دون أي تردد نحو المغرب، فلقد كنت دائماً أحس نفسي مغربياً على الرغم من أني ولدت هنا بهولندا. وأعتقد أنّ الكثير من الناس لن يفهموا هذا الشعور".
ويتمنى الجمهور المغربي أن يحذو محمد إحتارين حذو مواطنه زياش ويقرر الانضمام لمنتخب أسود الأطلس، خاصة بعد الضجة والجدل الكبيرين اللذين أحدثهما أسطورة الكرة الهولندية، رود غوليت عندما علّق، مؤخراً، حول تردد إحتارين في الاختيار بين منتخبي هولندا والمغرب، حيث قال في تصريح لإحدى القنوات التلفزيونية الهولندية: "في حال ما قرر محمد إحتارين اختيار الانضمام لمنتخب المغرب فإنّ ذلك سيدفع من دون شك اتحاد الكرة الهولندي للتفكير جيداً.. أنا أتفهم أنّ اختيار بلد الأصول يعتبر فخراً بالنسبة له لكن يجب على مسؤولي الاتحاد الهولندي التوقف عن تكوين اللاعبين لبلدان أخرى".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.