كيف تصبح شخصية الطفل حين يكبر لو تعرض للعنف في بيت أبيه؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/25 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/25 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
فيديو لأب فلسطيني يضرب ويُعنف ابنته التي لم تكمل عامين

إذا كنتَ ممن يتابعون السوشيال ميديا بشدة -أو حتى قليلاً ما تتابع- فعلى الأرجح شاهدت ذلك الفيديو المنتشر عن الأب الذي يضرب ويعنّف ابنته الصغيرة التي لم تكمل العامين، ليعلّمها السير على قدميها الصغيرتين الضعيفتين بالغصب والقوة.

مسكينة تلك الصغيرة التي لا تقوى على الوقوف على قدميها بعد، ولا تستطيع حماية نفسها؛ فتذهب لأبيها مطمئنة إلى أنه سيقوم بحمايتها من أي أذى، لتُصاب بصدمة نفسية كبيرة جراء قيامه هو نفسه بأذيتها أشد أذى!

نعم أشد أذى..

فالأذى والضرر النفسي الواقع على الإنسان يكون في كثير من الأحيان أشد إيلاماً له من الأذى الجسدي. فكيف إذا اجتمع الأذى الجسدي والنفسي معاً في سلوك وحشي واحد؟!

ماذا يحدث عندما نسيء لأبنائنا؟

الإساءة للأبناء -والتي تشمل الإساءة النفسية وليست الجسدية فقط- ينتج عنها الكثير من المشاكل والاضطرابات النفسية والسلوكية، والتي يتطور بعضها لأمراض نفسية جسيمة.

فمثلاً، يفقد الطفل الشعور بالأمان، والذي يتمثل في اطمئنانه أنه يحيا داخل بيئة تحافظ على سلامته الجسدية، وسلامته العاطفية. يأمن عاقبة فعله، حتى عند ارتكابه بعض الأخطاء، ما بالنا بعدم ارتكاب خطأ بل هو سلوك طبيعي للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل.

كما يفقد الثقة بالآخرين، ذلك الاحتياج النفسي الأساسي لإقامة علاقات اجتماعية صحية طوال حياته. ونجده لاحقاً يدخل في العديد من العلاقات الاجتماعية المؤذية والضارة.

وبالتالي تصاب حياته الاجتماعية بالخلل.

أيضاً الصدمات النفسية التي تصيب الطفل نتيجة الإساءات الشديدة، تضعف الجهاز العصبي للطفل. ويصبح سهل الاستثارة لاحقاً، فنجده يصاب بالقلق والتوتر من أبسط الأشياء. حتى يمرض بأمراض الاكتئاب النفسي والقلق النفسي المزمن، ونوبات الهلع.

أما سلوكياً، فيتكوّن لدى الطفل رد فعل من اثنين: إما الخوف المرضي الذي يعيق حياته ويمنعه من التعلم واكتساب المهارات الحياتية، بل ويضعف مهارات التفكير وقدراته العقلية. ويصبح شخصية مترددة، منساقة، تابعة لأي ذي سلطة.

أو يأخذ الطفل ردة فعل الهروب (flight)، بأن تظهر عليه مرة بعد مرة علامات اللامبالاة والانسحاب. والتي تكون في حقيقتها دفن الطفل لمشاعره واحتياجاته النفسية بنفسه، ظناً منه أنه هكذا يتجنب ألم عدم إشباعها. فتظهر لنا شخصية غير سوية نفسياً واجتماعياً، لا تهتم بنجاحها في الحياة ولا نجاح علاقاتها، ولا تقدم على عمل أي شيء مفيد وهام.

هذا بالإضافة لضعف الثقة بالنفس -وتدني تقدير الذات- وسلوكيات التخريب، والكذب، والعند، والتمرد، وإيذاء النفس والآخرين انتقاماً من الأذى النفسي الذي مرّوا به.

هل وجدت من قبل شاباً أو فتاة في منتصف العشرينات، مازالا يحبوان على الأرض للتنقل من مكان لآخر؟!

هل رأى أحدكم أحد الأبناء في مرحلة المراهقة، مازال يرتدي الحفاضة بدلاً من دخول الحمام؟!

هل تزوج رجل امرأةً ليجدها لا تستطيع أن تأكل بنفسها، وتطلب منه يطعمها في فمها لقمة لقمة؟!

بالطبع لا..

ونفس الشيء ينطبق على السلوكيات والمهارات..

إذاً لم هذا التعجل على تعليم الأبناء ما لا يطيقون!

كلنا هذا الأب

نعم كلنا شجبنا واعترضنا على السلوك الوحشي الصادر عن ذلك الأب، بل وقام العديد بشتمه وسبه على صفحات التواصل الاجتماعي، والمطالبة بمحاسبته قانونياً.

وهذا أمر مفروغ منه، يجب أن تتم محاسبته.. وبسرعة.

ولكن..

هل الأذى النفسي للطفل ينتج عن الضرب فقط؟!

حسناً إذا كان الهدف فعلاً صالح أبنائنا والحفاظ على صحتهم النفسية، فدعونا نوسّع الدائرة لنتعلم ونستفِد جميعاً.

الضرب يسبب للطفل أذى جسدياً وأذى نفسياً.

الأذى الجسدي معروف، لذا لنتحدث عن الأذى النفسي والذي يمكن تلخيصه في تلك الحالة في (الخوف).

إن كل ممارسة في التربية ينتج عنها تخويف للطفل، فهي تسبب له أذى نفسياً بالغاً، وتوقع به بعض أو كل الأضرار التي ذكرناها بالأعلى.

والممارسات التي قد لا ننتبه لضررها ويستخدمها الكثير، مثل:

  • التهديد بالضرب
  • التهديد بالحرمان من مميزات
  • التخويف بنظرة العين (التبريق)
  • التخويف بنبرة الصوت
  • الصراخ
  • الدفع
  • الخصام (خوف عاطفي من فقد حب الأم/ الأب)
  • وأي أسلوب آخر ينطوي على نوع من أنواع التخويف للطفل (سواء تخويف جسدي/ عاطفي/ نفسي).

العديد من الآباء يستخدم تلك الأساليب بدافع تعليم الطفل السلوك الحسن وتربيته بشكل أفضل. تماماً مثلما فعل ذلك الأب عندما عذّب ابنته، بدافع تعليمها السير على قدميها.

قد يكون الهدف محموداً طيباً، إنما الطريقة التي يتبعها البعض للوصول لذلك الهدف، تحطم هي نفسها هذا الهدف.

نحن لا نكتب هذا لنلوم ولا نشعر بالذنب. ولكن ببساطة لنعترف جميعاً بأخطائنا في حق تلك الكائنات الرقيقة الصغيرة التي ائتمننا الله عليها لنعدها للخروج للحياة، شخصيات قوية سوية واثقة بأنفسها ومهاراتها وقدراتها.

حسنا إذا توقفنا تماماً عن كل ذلك، فماذا نفعل؟!

سؤال جيد. دعونا نستعرض بعض البدائل السليمة لتعليم الأطفال السلوكيات الحسنة..

  • العلاقات العاطفية القوية مع الأم والأب.

 يقول (ألفرد أدلر) أحد أشهر علماء النفس "we do better when we feel better"

وكذلك الأطفال؛ يؤدون ويتصرفون بشكل جيد، عندما يشعرون مشاعر جيدة.

فكلما شعر الطفل بأنه محبوب ومقبول داخل أسرته، أدى هذا لتحسن سلوكياته بشكل تدريجي.

  • عقد الاتفاقات.

وذلك عن طريق عمل جلسة نقاش ودية بين الأهل والطفل لمناقشة مشكلة ما. ويبدأ الأهل بالاستماع للطفل بعناية والسماح له بالتعبير عن كل ما يرغب به تجاه هذه المشكلة التي يواجهونها معه. ثم بعد ذلك يبدأ الأب والأم في التعبير عن أهمية حل تلك المشكلة وما تعكسه على حياتهم من آثار سلبية.

ثم يبدأون جميعاً في وضع الحلول سوياً. حلول يوافق عليها الجميع.

الطفل عندما يشعر أنه شخص مقدّر يتم الاستماع لآرائه وإشراكه في اتخاذ القرارات، يكون أكثر ميلاً للالتزام بتلك القرارات واتباعها.

  • السماح للطفل باختبار عواقب سلوكه.

فالكثير من أخطاء الأطفال لا يسبب نتائج كارثية، ومع ذلك يتعامل الأهل معه على أنه نهاية الكون.

فمثلاً الطفل الذي لم يلتزم بأداء واجبه المدرسي في المنزل، قد يسمح له الأب والأم بالذهاب للمدرسة اليوم التالي، واختبار نتيجة سلوكه بنفسه مع المُدرسة.

ومهم جداً في هذا الأسلوب أن يتجنب الأهل تقطيم الطفل وتأنيبه. يكفيه فقط ما يختبره من نتائج.

هذه بعض الأمثلة فقط لأساليب تربوية صحية، تساعد على بناء شخصية الطفل، وتعليمه المهارات المختلفة، كما أنها تعمل على حل العديد من المشكلات التي يواجهها الآباء مع أبنائهم.

ومجتمعاتنا الآن مليئة بالكورسات والكتب التربوية التي نستطيع اللجوء إليها للتعلم أكثر عن كيفية التعامل الصحي مع أبنائنا.

وماذا لو كنت أعلم كل هذا ولكني لا أستطيع السيطرة على سلوكي وقت الغضب؟

فلنعترف أن المجتمعات العربية قد أصابها التشوّه في كثير من نواحي الحياة على مدى عقود ماضية. وبالتالي توارثنا عبر الأجيال، الكثير من الأفكار والسلوكيات الضارة المؤذية.

ونشأنا على مستوى متدنٍّ جداً من الوعي النفسي والسلوكي اللازم للتعامل مع أبنائنا -بل ومع أنفسنا أيضاً- بشكل صحي. ولا عيب أبدا في أننا كنا نخطئ، ونريد الآن أن نصلح أخطاءنا وأن نتحمل مسؤوليتها.

الغضب شعور طبيعي يمر به أي إنسان، ويحتاج فقط لتعلم مهارات إدارته والتعامل معه بشكل سليم حتى لا يؤذينا ولا يؤذي من حولنا.

يمكن أن يتم تعلم واكتساب (مهارات إدارة الغضب) من خلال قراءة كتب التنمية الذاتية، وعلم النفس السلوكي.

ويمكن أيضاً تعلمها بالاشتراك في بعض الكورسات وورش العمل المتخصصة في هذا المجال.

وأخيراً إن لم تصلح الحلول السابقة، فعلينا بكل شجاعة اللجوء لأخصائي نفسي سلوكي لتعليمنا.

ونشير هنا إلى أن الأخصائي أو المعالج السلوكي والنفسي، ليسوا فقط لعلاج الحالات المرضية.. بل من وظائفهم أيضاً تعليم الأشخاص السلوكيات الصحية لعيش حياة آمنة هادئة منتجة. ويتم هذا التعليم بشكل فردي (من خلال الجلسات الفردية)، أو بشكل جماعي (من خلال الجلسات الجماعية).

والخدمات الأون لاين متاحة في جميع الدول العربية.

نحن شعوب شجاعة محبة عطوفة، نحتاج فقط لاكتساب بعض المهارات وتعلم بعض السلوكيات التي تساعدنا على عيش حياة أفضل لنا ولأبنائنا.

حتى لا نكتشف يوماً ما أننا "بدافع تعليمهم" قد هدمنا شخصياتهم وأمرضنا نفسياتهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
يسرا القارح
مدربة صحة نفسية ومدربة أسرية
مدربة صحة نفسية ومدربة أسرية
تحميل المزيد