مؤمن زكريا: نشوة النصر التي يعقبها الندم

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/20 الساعة 15:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/25 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

ما زال ذلك المشهد محفوراً في ذاكرتي منذ الطفولة.. فاز الأهلي على الزمالك في إحدى المباريات ليقرر رجل بسيط من فرط سعادته أن يتبرع بحماره الأبيض لكي يرسم فوقه خطين باللون الأحمر ثم يسير الجميع حول الحمار باعتبار هذا الكائن اللطيف هو رمز السخرية من الزمالك المهزوم.

دار المشهد في إطار كوميدي في بداية الأمر ثم قرر البعض أن يضرب الحمار باعتباره حماراً أولاً ولأنه زملكاوي أيضاً.

لم يدافع عن الحمار سوى صاحبه بالطبع رغم أنه نفس الرجل الذي قرر أن يخاطر بوسيلة رزقه في لحظة انتشاء بالنصر. انتهى المشهد نهاية تختلف عن بدايته تماماً، دخل الرجل في مشاحنات مع الجميع دفاعاً عن الحمار الذي أصيب في معركة لا يعلم عنها شيئاً ثم انتهى الحال بالرجل نادماً وحيداً يلعن النصر ونشوته.

هذا المشهد يتكرر كثيراً في العديد من الأحياء الشعبية في مصر عقب كل مباراة الديربي. كلب ضال يتم غصبه على ارتداء قميص أحمر ويتم ركله بالساعات بعد هزيمة الأهلي والعكس أيضاً إذا خسر الزمالك. هذا النشاط اللاإنساني الذي يبرر تحت اسم نشوة النصر والانتماء للكيان هو الوجه الأكثر قبحاً لكرة القدم. وكالعادة لا يفيق أحد من تلك النشوة المزيفة إلا على شعور الندم على تلك الأفعال والتفكير كيف وصلنا لهذا الحد من اللاإنسانية والوحشية.

لا يختلف ذلك كثيراً عما حدث الأسابيع الماضية مع لاعب الأهلي مؤمن زكريا. مؤمن زكريا الذي كان للأسف حلقة أساسية في مسلسل الشحن الجماهيري بين قطبي الكرة المصرية خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد انتقاله من الزمالك للأهلي في منتصف الموسم. مما أدى لتعرضه لطوفان عارم من السباب الزملكاوي خاصة مع احتفالاته المثيرة بينما على الجانب الآخر تحول إلى "مؤ الحراق" في عيون الأهلاوية قبل أن يتعرض لتقليل وهجوم كبير من جماهير الأهلي أنفسهم عندما تباطأ في عملية تجديد عقده.

لكن أخيراً ظهر مؤمن زكريا ليوضح للجميع أنه يتعرض لمحنة عصيبة من خلال إصابة أو مرض ما جزء منه نفسي في المقام الأول على حد تعبيره، ليبدأ الجميع في إظهار الدعم والحب والولاء والندم.

دعنا إذاً نحلل مشهد مؤمن قبل أن تبدأ بعد ساعات مباراة جديدة بين الأهلي والزمالك وينسى الجميع مؤمن زكريا ولا يبقى سوى الشحن المعتاد.

مؤمن العالمي الذي تحول لمؤمن الذي يجب أن يدفع الثمن

خلال موسم ونصف وهي فترة إعارة مؤمن زكريا لفريق الزمالك كان مؤمن في نظر جماهير الزمالك لاعباً عالمياً. لمَ لا وهو اللاعب الأبرز في الفريق والقادر على إسعاد الجماهير؟! وهي وظيفة مؤمن بالمناسبة طالما يرتدي قميص الزمالك. ما أن ارتدى مؤمن قميص الأهلي حتى تحول إلى لاعب فاشل لا يتعدى كونه لاعباً قرر الرحيل للأهلي من أجل الأموال.

لم تنسَ جماهير الزمالك ما فعله مؤمن، بمجرد ابتعاده عن الملاعب قررت جماهير الزمالك أن هذا هو الثمن الذي يجب أن يدفعه مؤمن. وكأن الإصابة هي عقاب الرب، لم تتفهم جماهير الزمالك أن مؤمن زكريا لاعب محترف تكفل له قوانين كرة القدم أن يلعب في الفريق الذي يفضله طبقاً للعقود واللوائح. يؤكد البعض أن هذا حق مؤمن، لكن من حق الجماهير أن تكرهه أيضاً.

حسناً لكن هل من حق جماهير الزمالك أن تتمنى لمؤمن أن تنتهي مسيرته مع الكرة؟ هل من حق جماهير الزمالك أن تبعث لمؤمن برسائل الكراهية والوعيد والتهديد؟ تلقَّى مؤمن كراهية جماهير الزمالك في فترة لا يملك فيها الملعب لكي يرد على كل ذلك؟

مؤمن الذي تحول لـ "مؤ الحراق"

مؤمن زكريا يحتفل بهدفه في مرمى الزمالك

مؤمن هو ابن "عين شمس" الحي الشعبي المميز الذي شهد بدايات زكريا الذي بدأ ركل الكرة في الشارع بالقدر الذي جعله يفهم كيف يفكر المشجعون. لعب مؤمن في قطاع الناشئين في النادي الأهلي ثم رحل قبل أن يمثل الفريق الأول كي يبرز اسمه مرة أخرى مع أندية الإنتاج الحربي ثم المصري ثم يتألق بشكل لافت مع نادي إنبي مما دفع الزمالك لانتدابه. لكن لم يستطِع الزمالك أن يصل لاتفاق مع إنبي يقضي بانتقاله النهائي للقلعة البيضاء. ويصل الطرفان إلى حل وسط يقضي بانتقال مؤمن إلى الزمالك بنظام الإعارة.

في الملعب، يجيد مؤمن اللعب كجناح كما أن معدلاته التهديفية جيدة للغاية. كما أنه يتميز بالارتداد الدفاعي ومساندة الظهير. مواصفات كتلك لم يكن من المنطقي ألا تصبح صراعاً بين قطبي الكرة المصرية. وهنا ظهر الحبيب الأول لمؤمن وهو النادي الأهلي ولم يتردد مؤمن في العودة للنادي الأهلي عندما طلبه.

هنا -وهنا تحديداً- دعنا نحلل المشهد

لم يكن أمام مؤمن زكريا سوى مصير من اثنين؛ الأول هو ألا يتحمل هذا الضغط الهائل الذي ألقي عليه من الجانبين. جانب جماهير الزمالك التي أصبحت تندد بفعلته الغبراء ليلاً نهاراً وعلى الجانب الآخر جماهير الأهلي التي ألقت بكل رهاناتها على هذا الرجل الذي أتى من صفوف الغريم ليذيقهم طعم الهزيمة.

والحقيقة أن مؤمن زكريا -كما أشرنا سابقاً- لاعب شوارع بشكل أو آخر وكان يعلم تماماً مصيره إذا لم يكن على قدر ظن الجماهير. تألق مؤمن منذ اللحظة الأولى أمام الزمالك تحديداً ثم كرر ذلك في كل مرة سنحت له الفرصة أمام الزمالك خصيصاً. أصبح مشهد مؤمن وهو يركض سادّاً أذنَيه عن حديث الجميع مستخدماً كلتا يديه هو المشهد الاحتفالي الأبرز لجماهير الأهلي ضد نادي الزمالك.

تحول مؤمن زكريا في غضون أيام إلى (مؤ الحراق)، وهو اللقب الذي فضَّله مؤمن نفسه آنذاك مؤكداً للجميع أنه يحترم الجميع، لكنه ينتمي للأهلي منذ الطفولة. امتلك مؤمن المخزون الكروي اللازم لكي يتحمل الضغط الجماهيري ولا يتحول لواحد من العديدين الذين فقدوا مهاراتهم الأساسية بعد نهاية صراع القطبين حولهم. لكن مؤمن لم يمتلك الثقافة اللازمة للتعامل مع الجماهير والتأكيد عليهم أن كرة القدم لا تستحق كل هذه العصبية والشحناء من الجميع.

أكد مؤمن مراراً أنه يحترم نادي الزمالك، لكن كان يجب آنذاك أن يهتم الجميع بضرورة توضيح أن اللاعب من حقه اختيار النادي الذي يلعب فيه، ومن حقه أن يبحث عن وضع مادي أفضل، ومن وظيفته أن يحرز الأهداف للفريق الذي يرتدي قميصه دون أن يكون "حراق" أو رمز الفوز المهين.

مؤمن الحراق الذي تحول لمؤمن العشوائي

بدأ مستوى مؤمن في الاهتزاز قليلاً بعد عدة مواسم؛ نظراً لتعرضه للإصابة ثم ظهرت أخبار تؤكد أنه يتباطأ في تجديد عقده، هنا ظهرت بعض جماهير الأهلي لتؤكد أن مؤمن ليس باللاعب العبقري فهو لاعب عشوائي خسارته ليست بالمأساة. كما أنه لا يستحق تلك الملايين التي يطلبها. إنه يلعب في كيان اسمه الأهلي ويجب عليه أن يقدر ذلك. والحقيقة أن هذا الرجل هو ذاته مؤمن الحراق عند ذكره في إطار مباريات الزمالك.

لم يتلقَّ مؤمن الدعم الكافي من جماهير الأهلي باعتباره أحد أهم لاعبي الفترة الأخيرة على الإطلاق.

مؤمن المصاب حبيب الجميع

مؤمن زكريا في أول ظهور له بعد مرضه

ظهر مؤمن أخيراً يوضح للجميع أنه مصاب إصابة ما يرجع سببها بشكل كبير لسبب نفسي. ثم ظهرت تقارير تبدو أكثر واقعية لتؤكد أنه مصاب بمرض خطير له علاقة بالأعصاب ربما يعيقه عن لعب كرة القدم مرة أخرى وربما سيضع حياته في خطر. لن نحاول تفسير إصابة مؤمن الحقيقة دعماً لمؤمن واحتراماً لرغبته لكن دعنا نتحدث عن ردة الفعل.

هنا ظهر الجميع ليؤكد أن مؤمن لاعب كبير يستحق الدعم. ندم الجميع على كل كلمة صدرت في حق الرجل دون وجه حق. الزمالكاوي الذي تمنى لمؤمن أن يتوقف عن لعب الكرة أو الأهلاوي الذي أكد أن الرجل انتهى ولا يستحق ما يطلبه.

ماذا تساوي كرة القدم في أعين هؤلاء الآن؟ هناك لاعب كرة قدم يخبر الجميع أنه تأثر بحديث الجميع حوله. هذا يعني ببساطة أنك برسالتك الكارهة على السوشيال ميديا والتي لا تلقي لها بالاً قد تكون أثرت بالسلب في رجل يتعرض لمحنة كبيرة. تلك المحنة التي قد يتعرض أي شخص للمرور بها دون سابق إنذار.

حسناً، دعنا نكون أكثر جرأة في السؤال: ماذا تساوي كرة القدم وألقابها في أعين مؤمن زكريا نفسه الآن؟

لا شيء بالطبع، لا شيء فقط يندم الجميع كالعادة ويلعنون ما قيل منهم تحت مبرر الانتماء ونشوة النصر.

أرجوك قبل أن تبدأ مباراة السوبر لا تنسَ مؤمن زكريا، لا، دعني أكون أكثر دقة بعد أن تنتهي مباراة السوبر أرجوك لا تنسَ مؤمن زكريا ولا تطلق على أحدهم الحراق الجديد لكي لا نندم مجدداً بعد قليل من الوقت. ماذا؟ كهربا سينضم للأهلي في يناير؟

مرحباً بالحراق الجديد إذاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود عصام
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.