هل السيسي من قتل مرسي أم الجهة المضادة التي تدعم محمد علي؟ ما الذي يحدث وراء الكواليس؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/19 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/19 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
محمد علي ومحمد مرسي وعبدالفتاح السيسي

تشهد مصر الآن مرحلة قلقة ومضطربة، ربما تكون مخاضا لولادة عسرة.. حالة يختلط فيها الغضب بالحذر، والترقب بالتربص، والآلام بالآمال.. آلام خلّفها انقلاب غاشم وحاكم جهول جائر أوصد باب الحريات وأغلق شبابيك العدالة ومزق أشلاء الوطن ومصّ دماء المصريين، حتى بات الأكل من مقالب القمامة مشهدا مألوفا وأدخل الحزن على كل بيت.

فهذه أمٌ ثكلت بابنها أو زوجة فقدت زوجها، أو طفل فقد أباه. فما بين قتيل ومعتقل وسجين لا تكاد تحصي هذه الآلاف، ولا تعرف عددها على سبيل اليقين.. وفعل ما تعالت نفس أبي جهل عن فعله، فحبس النساء واعتقل البنات وسامهم سوء العذاب، وأما من نجا من ذلك من المصريين، فقد أعياه الفقر وأجهده المرض وأضناه الخوف على حاضر أولاده ومستقبلهم، ومع كل هذه الآلام تحدوهم الآمال في التغيير، خاصة أنهم رأوا كثيرا من مصارع الطغاة؛ ليس في العصور الغابرة بل في الأيام الحاضرة.

وفي هذه الأيام زاد الأمل في التغيير حتى اقترب من درجة اليقين، وخرج محمد علي من قلب النظام، فهو ابنه المدلل لسنوات طوال وحامل الكثير من الأسرار والمتعامل معه بالأخذ والعطاء، ليفشي الأسرار ويهتك عنهم الأستار.

وذهب الكثيرون في التحليل والتأويل لموقف الرجل:

هل فعل ما فعل من تلقاء نفسه أم وراءه جهة ما؟ ولماذا خرج في هذا التوقيت ولم يخرج من قبل؟ وهل هي صحوة ضمير أم تصفية حسابات؟ وهل يثأر لنفسه أم يريد مصلحة الوطن، أم الاثنين معا؟ أم هو صراع أجنحة وقد ركب أحد هذه الأجنحة وطار به إلى إسبانيا ليدير معركة هؤلاء من هناك؟ وهل هذا بعلمه والتنسيق معه أم يتم استخدامه؟ وإن صح ذلك، وكانت عندهم القدرة، فهل هم الذين قتلوا الرئيس مرسي حتى إذا ما أزاحوا السيسي لا يكون مرسي عائقا بأي درجة لهم في التمكن من سُدة الحكم بدلا عن السيسي؟ أم أن السيسي هو الذي قتله ليرتاح من هذا الصداع ويتفرغ للقضاء على باقي خصومه، ومنهم هذا الجناح؟ وهل إزاحة السيسي مصلحة حتى لو حل محله غيره من العسكر؟ وهل سيستجيب الشعب لتلك النداءات بالخروج إلى الشوارع؟

وأرى تلخيص الأمر في هذه النقاط:

1- سواء خرج محمد علي من تلقاء نفسه أو مدفوعا من غيره، فقد قام بفضح النظام وتعريته وضرب الثقة فيه (والتي حاول بناءها كذبا لسنوات) في مقتل، ولم يعد بمقدوره بأي حال العودة لما قبل ذلك مهما حاول ترميم الصورة.

2- هناك فريق ينسب نفسه للثورة أو مناهضة السيسي لا يفتأ في التشكيك في محمد علي، باعتبار أن جهة ما وراءه، وسؤالي: وما يضركم في هذا إذا قاموا بفعل ما لم تستطيعوا وأزاحوا هذا الطاغية؟ أَوَليس في التغيير رحمة والتقاطا للأنفاس، وتحقيقا لبعض المطالب، وفرصة لإعادة النظر في كثير من الوسائل التي لم تحقق الأهداف؟

3- أما هل هناك حقّا صراع أجنحة؟.. فلا شك أن ما قام به السيسي على مدار سنوات، من التخلص من مسانديه في انقلابه وطغيانه، ومنهم الكثيرون من المجلس العسكري والقيادات العليا والوسيطة وكذا خصومه من دولة مبارك ورجال الأعمال الذين أضرهم إسناد الأعمال للجيش دونهم، جعل له أجنحة مناهضة وليس جناحا واحدا.

4- أما عن عموم الناس في مصر، فلا يخفى على عاقل ما يعانونه من إفقار متعمد والتضييق عليهم، ورفع الدعم عن الفقراء والمساكين، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وانهيار منظومة الصحة والتعليم، وتدمير الزراعة وضياع مياه النيل، والغياب الكامل لمنظومة العدالة الاجتماعية وتآكل الطبقة المتوسطة، حتى أضحت الصورة في الغالب ما بين سكان القصور وسكان العِشش والقبور، وهو ما يؤكد حالة الغضب المكتوم التي تبحث عن متنفس، وليس أمام الناس إلا الاستجابة لنداءات الثورة.

5- وإذا كان الجناح (إن صح هذا) الداعم لمحمد علي هو الذي تخلص من الرئيس مرسي ليخلو له الجو إذا ما أزاح السيسي، أو كان السيسي نفسه هو الذي فعلها، فالنتيجة واحدة، وعلى المعارضة في الخارج، والتي لم تُبلور رؤية واضحة حتى هذه اللحظة ولم تستطع تثوير الشارع من جديد، بل أزعم أن قيادات فصيل كبير منها هي التي اتخذت قرار تبريد الثورة، وفقدت كل أوراق الضغط بسبب ضيق الأفق والصدر وسوء التقدير والتدبير.. عليها أن تدرك أن أوراق اللعبة تغيرت، وأن مزاج الشعوب (كما بدا من التجربة التونسية) لم يعد يقبل أن تكون وقودا لمعارك سياسية وخصومات أيديولوجية مهما دفع أصحابها الأثمان الباهظة لأجلهم، بل يبحثون عمن يعبر عنهم ببساطة وتلقائية ويلمس حاجاتهم الأساسية.

6- وبالطبع لا يغفل دور الجميع وما قدمه من تضحيات، وربما يكون ما يحدث الآن تتويجا لجهود مضت، وإثباتا للإخلاص وإنكارا للذات، وعلى الجميع في الخارج التعاطي الإيجابي مع هذه الدعوات، والتحرك أمام جميع القنصليات المصرية في الخارج وأمام المنظمات الدولية. وأما عن القادم فيتم التعامل معه وفق مقتضى الحال بمرونة لا تعني التنازل عن الثوابت، وعدالة تعرف معنى المراحل الانتقالية ومنهج العدالة الانتقالية، وعلى الجميع أن يترفع عن أي مطالب ويعيد بناء نفسه على أسس صحيحة، وأن يستفيد من أخطاء الماضي وأن يكون همنا جميعا:

أ- استنقاذ مصر من هذه العصابة الجاثمة على صدرها.

ب- إطلاق الحريات العامة.

جـ- إطلاق سراح جميع المعتقلين والمحكومين ظلما الذين يموتون موتا بطيئا أو سريعا كل يوم، ولا يقل أهلوهم وذووهم عنهم عذابات بسبب أوضاعهم.

د- إعادة رأب الصدع وترميم الشروخ المجتمعية.

هـ- بناء منظومة عدالة اجتماعية.

و- إعادة بناء مؤسسات الدولة المصرية.

وللحديث بقية..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل راشد
كاتب رأي
كاتب رأي