شهد الأسبوع المنقضي حدثاً مميزاً وحزيناً لكرة القدم الجزائرية، تمثل في الاعتزال الدولي للاعب كرة القدم رفيق حليش، بعد 10 سنوات من العطاء مع منتخب محاربي الصحراء، وبعد العديد من المحطات البارزة، على غرار المشاركة في نهائيات مونديالي جنوب إفريقيا 2010، والبرازيل 2014 والتتويج بكأس أمم إفريقيا 2019، في شهر يوليو/تموز الماضي بمصر.
وقد تركت مصر ذكرى سعيدة للمدافع الجزائري الملقب بـ "قلب الأسد "بعدما كانت في بداية مشواره الدولي بمثابة "كابوس" بسبب الفتنة التي حدثت بين شعبي الدولتين العربيتين الشقيقتين، في عام 2009 خلال تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2010، حيث كان حليش أحد أبطال تلك المرحلة التي انتهت بتأهل منتخب الجزائر إلى نهائيات المونديال بعد مواجهة فاصلة بمدينة أم درمان السودانية.
اعتزال حليش الدولي جاء خلال المباراة الودية التي جرت يوم 9 سبتمبر/أيلول الماضي بملعب "05 جويلية 1962" الأولمبي بالجزائر العاصمة، بين منتخب الخضر ومنتخب بنين وانتهت بفوز زملاء القائد رياض محرز بهدف نظيف وسط حضور جماهيري كبير بلغ عدده نحو 50 ألف متفرج جاؤوا ليحتفلوا مع لاعبي منتخبهم الوطني بالتتويج باللقب القاري الذي حققوه بمصر، وتوديع حليش.
ومن دون شك أنه كان من بين تلك الجماهير الغفيرة عدد لا بأس به من المناصرين الجزائريين الذين كانوا متواجدين بمصر خلال دورة كأس أمم إفريقيا 2019 الأخيرة والذين لاحظوا تشجيع عدد كبير من المصريين لمنتخب الخضر خلال مبارياته مع المنتخبات الإفريقية، خاصة في اللقاء النهائي بالقاهرة أمام منتخب السنغال، بخلاف ما ألمح إليه مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي.. ولكن تلك قصة أخرى سنصل إليها في نهاية المقال بعد الحديث عن رفيق حليش ومشواره الدولي.
على خطى ماجر العظيم
وُلد رفيق حليش يوم 2 سبتمبر/أيلول 1986 بالجزائر العاصمة، حيث نشأ بحي باش جراح الشعبي، وانضم لمدرسة نادي حسين داي في عمر الـ14 سنة، وهو النادي الذي شهد تكوين وتألق أسطورة الكرة الجزائرية رابح ماجر قبل احترافه بأوروبا عام 1983.
وبعد عامين فقط ضمن الفريق الأول لنصر حسين داي، لفت حليش أنظار كشافي نادي بنفيكا البرتغالي الذي تعاقد معه في يناير/كانون الثاني 2008، ثم أعاره في نفس الشهر لنادي ناسيونال ماديرا البرتغالي، بقصد التعود تدريجياً على عالم الاحتراف الأوروبي.
وبعد نصف موسم تميّز بتعرّضه لإصابات متعددة، نجح حليش في فرض نفسه ضمن التشكيلة الأساسية لناسيونال في الموسمين التاليين (2008-2009) و(2009-2010)، ثم انتقل لنادي فولهام الإنجليزي في سبتمبر/أيلول 2010، ليعود بعدها في صيف 2012 إلى الدوري البرتغالي عبر بوابة نادي أكاديميكا الذي دافع عن ألوانه حتى 2014 عندما رحل إلى نادي قطر القطري، ليعود مرة أخرى إلى البرتغال في موسم 2017 – 2018 ليلعب في صفوف نادي ايستوريل ثم لنادي موريرينسي منذ أغسطس/آب 2018 والذي تعاقد معه حتى يونيو 2020.
إصابة تافهة غيّرت المصير
وعلى الرغم من معاناته من إصابات عديدة خلال موسمه الأول بالبرتغال فإن حليش استفاد كثيراً من بدايته الاحترافية بأوروبا، حيث استدعاه المدرب رابح سعدان للمنتخب الأول الجزائري بمناسبة المباراة التي جمعت "الخضر" مع منتخب السنغال يوم 31 مايو/أيار 2008، لحساب تصفيات مونديال جنوب إفريقيا 2010، قبل أن يشركه أساسياً لأول مرة خلال لقاء رواندا – الجزائر، يوم 23 مارس/آذار 2009، في تصفيات المونديال.
ولعب القدر دوره الكبير في ضمان حليش لمنصب أساسي في تشكيلة المنتخب الجزائري، حيث كان سعدان يعتمد على طريقته الشهيرة (3-5-2) أي بثلاثة لاعبين في وسط الدفاع، وهم مجيد بوقرة وعنتر يحيى وسمير زاوي، ولكن وقبل يومٍ واحد فقط عن مواجهة رواندا في كيغالي، تعرض زاوي، المدافع السابق لنادي أولمبي الشلف الجزائري، لإصابة "تافهة"، حيث سقطت زجاجة عطر على قدمه أثناء تواجده في حمام الفندق، ما جعله يغيب عن المباراة ويترك مكانه لرفيق حليش، الذي كان يبلغ حينها من العمر 22 سنة ونصف.
وقد استغل حليش الفرصة ليؤكد قدراته الكبيرة خلال تلك المباراة ليكسب بعدها ثقة "الشيخ" سعدان الذي بات يعتمد عليه ضمن التشكيلة الأساسية في اللقاءات اللاحقة، على غرار المواجهة الثلاثية أمام مصر لحساب تصفيات مونديال جنوب إفريقيا، والتي تسببت في فتنة كبيرة بين الشعبين الشقيقين.
وعلى الرغم من العلاقات الطيبة التي تربط الدولتين العربيتين مصر والجزائر وشعبيهما، فإن المواجهات الكروية بين منتخبي البلدين كانت دائماً ما تتسم بالندية الكبيرة والحساسية المبالغ فيها داخل وخارج الميدان.
ونجحت مصر في إقصاء الجزائر من التأهل إلى الدورة النهائية لأولمبياد لوس أنجلوس 1984 ثم من نهائيات مونديال 1990، بعد إجراء مباراتي الإياب بالقاهرة وسط أجواء مشحونة.
وكاد منتخب "الفراعنة" أن يكرر نفس الإنجاز خلال تصفيات مونديال 2010، بحيث جرى الدور التصفوي الأخير على شكل مجموعة ضمت الجزائر ومصر ورواندا وزامبيا، وفازت الجزائر على مصر في البليدة (3-1) يوم 7 يونيو/حزيران 2009، وانتصرت مصر على الجزائر في القاهرة (2-0) يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، ما جعل كلا المنتخبين يتصدران المجموعة بنفس عدد النقاط وفارق الأهداف ويلجان لمباراة الفصل لحسم تأشيرة التأهل.
وقد سبقت مباراة القاهرة حرب نفسية وإعلامية غير مسبوقة من الطرفين وتعرضت حافلة بعثة المنتخب الجزائري للرشق بالحجارة، عند وصولها إلى مصر، حيث كان حليش أحد ضحاياها، ما زاد من درجة شحن جماهير المنتخبين خلال مباراة الفصل والحسم التي جرت يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني بمدينة أم درمان السودانية وانتهت دون مناوشات كبيرة وبفوز وتأهل الجزائر بهدف نظيف، ما جعل الجزائريين يطلقون على تلك المباراة اسم "ملحمة أم درمان"، وعلى ذلك الجيل من اللاعبين اسم "جيل أم درمان".
ذكرى سيئة وأخرى سعيدة في مصر
10 سنوات مرّت إذاً عن تعرض حليش للرشق بالحجارة في القاهرة، التي غادرها وهو يحمل عنها ذكرى سيئة، ولكنه عاد إليها في يونيو/حزيران الماضي، وبقي فيها شهراً كاملاً، وعاش فيها حلاوة التتويج بكأس أمم إفريقيا لأول مرة في مشواره الرياضي ولثاني مرة في تاريخ الجزائر.
ويكون حليش قد لاحظ تغير سلوك الجماهير المصرية تجاه منتخب بلده ولاحظ تشجيع المصريين لمنتخب محاربي الصحراء خلال البطولة الإفريقية، بخلاف مدربه جمال بلماضي، الذي قال خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب نهاية المباراة النهائية أمام السينغال، رداً على سؤال أحد الزملاء المصريين: "لم أرَ ذلك وأعتقد أني سأذهب إلى طبيب العيون مباشرة بعد عودتي إلى باريس".
وفي محاولة لتلطيف الأجواء بعد تصريحات بلماضي، قال حليش في تصريحات صحفية: "مصر دائماً صاحبة فأل خير علينا، ففي 2009 صعدنا للمونديال من بوابة مصر، والآن حصدنا كأس الأمم الإفريقية بعد غياب طويل، على أرض مصر أيضاً".
وقد أغضب تصريح بلماضي الجماهير المصرية، مثلما أغضبهم أيضاً عدم مصافحة قائد منتخب الجزائر رياض محرز رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير الرياضة المصري أشرف صبحي.
لكن غضب المصريين تجاه بلماضي ومحرز لم يتحول إلى حقد، كما لم ينسق سياسيو وشعبا البلدين وراء محاولات بعض الأطراف لإثارة الفتنة من جديد، خاصة بعد توضيح محرز حقيقة ما حدث.
وقال رياض محرز في تصريح لمجلة "أونز مونديال" الفرنسية، في شهر أغسطس/آب الماضي: "لم أقصد عدم مصافحته ولم أعرف أنه رئيس الحكومة المصري، لم أكمل المصافحة لأنه تمت المناداة عليّ لاستلام الكأس".
وقام أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري، بالتوضيح أكثر، لما قال في تصريحات للصحافة المصرية إن رياض محرز قام بالسلام على جميع الموجودين على المنصة أثناء استلام الميدالية الذهبية الخاصة به.
وأضاف: "بعد ذلك صعد محرز مرة أخرى لاستلام الكأس بصفته كابتن الفريق، وبطبيعة الحال لم يكرر السلام على الجميع وحمل الكأس سريعاً للاحتفال به".
الاعتزال الدولي إذاً لآخر المتبقين من جيل أم درمان كان مناسبة لتذكر صفحة بارزة من تاريخ الكرة الجزائرية، ومناسبة أيضاً للإشارة إلى أنّ نظرة أغلبية الشعبين المصري والجزائري لبعضهما البعض لم تعد كما كانت من قبل وأن تفكيرهم قد تغير نحو الأفضل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.