لماذا لا تتوقف الجماهير الإيطالية عن تقليد القردة؟! الرئيس الروسي يخبرك

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/11 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/11 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش

"مرحباً روميلو، نكتب لك نيابة عن كورفا نور، نعم هؤلاء الذين رحبوا بقدومك إلى ميلان. نشعر بالأسف إذا ظننت أن ما حدث في كالياري كان عنصرياً. يجب أن تفهم أن إيطاليا ليست مثل الكثير من الدول الأوروبية الشمالية التي تعتبر العنصرية بها مشكلة حقيقية. في إيطاليا هناك طرق لمساعدة فرقنا وإثارة أعصاب خصومنا، ليست لأجل العنصرية بل لإرباكهم.

لوكاكو مع رابطة إنتر ميلان فور وصوله ميلانو

نحن مجموعة متعددة الأعراق ودائماً ما رحبنا باللاعبين من كل مكان. ولكن على كل حال، نحن دائماً ما استخدمنا تلك الطريقة ضد لاعبي الفرق الأخرى في الماضي وربما سنستخدمها في المستقبل. نحن لسنا عنصريين ولا جماهير كالياري أيضاً. رجاء اعتبر هذا السلوك من الجماهير الإيطالية كنوع من أنواع الاحترام وتأكيد لحقيقة خوفهم منك ومن الأهداف التي قد تسجلها وليس لأنهم يكرهونك أو لأنهم عنصريون".

عفواً.. لا يمكنك فعل أي شيء من أجل فريقك

كنتم مع مقتطفات من النصف الأول لنص الرسالة الوقحة والغبية التي تلقاها روميلو لوكاكو، مهاجم إنتر ميلان، من رابطة الألتراس الداعمة لفريقه عقب تعرضه للعنصرية من جماهير الخصم، بدأوها بالترحيب واختتموها بالترحيب، فيما زخر ما بين المقدمة والخاتمة بأسوأ أنواع الماكيافيلية. الغاية دائماً ما تبرر الوسيلة، أليس كذلك؟

يقولون: "يمكننا ممارسة العنصرية ولكن طالما أنها لمساعدة فريقنا فهذا لا يجعلنا عنصريين". ألا يعني هذا أن بإمكانكم القتل ولكن طالما أنه لأجل الفريق فهو لا يجعلكم قتلة؟

"القتل مثال متطرف للغاية، نحن لا نقتل أحداً بتقليد أصوات القرود"، ليس هذا ما أبحث عنه، ولكن ببساطة لا يمكن إجراء نقاش على أرضية باطلة، القتل يجعلكم قتلة، والعنصرية تجعلكم عنصريين.

كان هذا النصف الأول، ولكن المشكلة الحقيقية تبرز في النصف الثاني، اختصاراً نفس الأشخاص الذين برروا العنصرية بكونها "طريقة لمساعدة الفريق"، هم أنفسهم من تناولوا مفهوم ما أطلقوا عليه "العنصرية الحقيقية" التي يعرفها كل جماهير الكرة الإيطالية على حد تعبيرهم، معتبرين أن إعلان العنصرية كمشكلة يجب التغلب عليها في إيطاليا لا يساعد سوى في قمع جميع جماهير كرة القدم، ولا يسهم سوى في خلق مشكلة ليست موجودة في حقيقة الأمر.

جمهور كالياري يصدر أصوات القردة بينما يسدد لوكاكو ضربة الجزاء

"الحرب ضد العنصرية الحقيقية تبدأ في المدارس وليس الملاعب.. الجماهير هم الجماهير ويتصرفون في الملعب بطرق مختلفة عما يفعلوه في حياتهم الحقيقية، نضمن لك أن أي شيء يقوله أو يفعله الجماهير ضد خصم ينتمي لعرق مختلف هو ليس ما سيقولونه لشخص يقابلونه في حياتهم".

هذا لطف كبير منكم للأمانة، لأنكم كجماهير إنتر لن تقلدوا أصوات القرود إن جمعتكم الصدفة بكاليدو كوليبالي، ما يحدث داخل الملعب يبقى داخل الملعب، لأن كوليبالي بالتأكيد كان يتفهم من تلقاء نفسه أنها "الأشياء التي فعلتموها لأجل الحب"، هو مثلكم، كما تركتم عنصريتكم داخل المدرج الشمالي، ترك هو ألمه وحزنه داخل الملعب قبل خروجه، أليست تلك هي فرضيتكم المغرقة في التفاؤل؟ أو بالأحرى التدليس؟

تغريدة لوكاكو بعد تعرضه للعنصرية

بكلمات أخرى.. هذا البيان كان طريقة رائعة لقول: "نحن نفعل تلك الأشياء أيضاً، لا تنتظر منَّا التضامن معك، هل ترضى أن نوصف بالمنافقين"؟

ماذا يخبرنا أندروود عن العنصرية في إيطاليا؟

أندروود: كل ما أنجزناه سيذهب هباء بسبب محتج ذو فم كبير حول قانون أنت على الأرجح لا تؤمن به.

بيتروف: أنت محق أنا لا أؤمن به، اثنان من وزرائي مثليان، ابن شقيق زوجتي السابقة مثليّ أيضاً وهو الذي أعتبره كابن لي. شخصياً أنا لا أبالي…. لا أريد لصفقتنا الفشل، لكن هناك أكثر من الصفقة للتفكير بشأنه، أحتاج لإظهار القوة.

أندروود: لا أحد سيرى ذلك كضعف، بالعكس ستنال التحية على إطلاق سراحه..

بيتروف: مِمَّن؟ الغرب؟ أنت لا تفهم روسيا سيدي الرئيس، إذا لم يحب الناس عملك سيصوتون ضدك لإخراجك من المكتب، وإذا لم يحب الناس عملي سيقلبون التماثيل وستسفك الدماء وتعم الفوضى. هل قانون تجريم المثلية وحشي؟ نعم، بالتأكيد، ولكن الدين والتقاليد لأغلبية شعبي بمثابة أمر متغلغل حتى العظام، هذا القانون تم تمريره لأجلهم، يجب أن أمثل شعبي مثلما تفعل أنت. وإذا لم يكن هناك عواقب لفعل "كوريجان" سيشعرون بالخيانة.

أندروود: لن يكون هناك ثورة لأنك أطلقت سراح رجل واحد..

بيتروف: الثورات تتسلل إليك خطوة صغيرة تلو الأخرى، أنا لا أجازف حتى مع أصغر الخطوات.

–  مسلسل House Of Cards – الحلقة السادسة – الموسم الثالث.

دار هذا الحوار على هامش مفاوضات بين رئيس الولايات المتحدة فرانك أندروود ونظيره الروسي فيكتور بيتروف بشأن إطلاق سراح مواطن أمريكي احتج ضد القوانين المناهضة للمثلية في موسكو كجزء من صفقة ثنائية. وكي نصل حقاً إلى ما نريده سنضطر لاجتياز بعض الأشياء الهامشية، مثل محاولات المسلسل لإظهار الولايات المتحدة باعتبارها راعي السلام في الشرق الأوسط وأن روسيا الشريرة هي من لا تبالي به، ما نريده هنا هو مضمون كلمات فيكتور بيتروف..

وعلى ذكر بيتروف، لا هذا ليس فلاديمير بوتين، لا تجعل المظاهر تخدعك: التشابه بين الحرف الأول في كل من "فيكتور" و "فلاديمير"، أو "بيتروف" و "بوتين" كان من قبيل الصدفة، أغلب الأسماء الروسية تبدأ بهذين الحرفين. خلفية بيتروف التي ترجع للاستخبارات الروسية KGB هي نفس خلفية بوتين؛ لأنها على الأرجح ضمن شروط الترشح. زواج فلاديمير انتهى بالطلاق مثل زواج فيكتور، هذه أمور عائلية تحدث في أي منزل حتى لو كان المنزل الرئاسي، وحرصاً تاماً من أسرة المسلسل على نفي تلك الشبهات، وقع اختيارهم على ممثل لا يشبهه إطلاقاً.


(صورة: فيكتور بيتروف – فلاديمير بوتين)

كلها أمور شكلية في النهاية، ولكن التشابه الفعلي الحقيقي بينهما وبين أي قيادة أخرى حول العالم بديمقراطياته وديكتاتورياته، هو وجود بعض الثوابت المجتمعية غير القابلة للمساس، نحن لا نعرف ما إذا كان الرئيس بوتين نفسه يبالي بشأن هذا القانون أم لا، ولكن حتى إن كان مناهضاً له في داخله، مهما بلغ من منزلة الحاكم المطلق الذي يمكنه فعل كل ما يريده بمعنى الكلمة، سيجد نفسه يتوخى الحذر مراراً وتكراراً قبل أن يفكر في طرح المسألة للنقاش أصلاً، لأن العبث بالثوابت يتطلب الكثير من التمهيد لتغيير المناخ العام، بكلمات أخرى: الكثير من الضجيج بلا ضرورة إن فكرت بالأمر من منظور سدة الحكم..

هل يمكن سحب هذا الأمر بالضرورة على هذا التراخي الإيطالي في محاربة ظاهرة متغلغلة حتى عظام روابط الكورفا؟ لا يوجد شيء قاطع، ولكن حملات التوعية وتضامن المشاهير ليست الأشياء التي يمكن تسميتها بالإجراءات الفعلية لمحاربة ظاهرة ما.

حسناً سنمارس القليل من ادعاء البلاهة، هم لا يعتبروا تلك التصرفات "عنصرية" بل "طريقة لمساعدة الفريق"، ولكننا على الأقل نقر أنها طريقة كريهة منافية للأعراف والمبادئ التي تزعم مؤسسات الكرة العالمية أنها تحاول إرساءها، أليس كذلك؟ إذاً لا بد من إيقافها، والعلم والمنطق والتاريخ قد أجمعوا على التالي: لا سلوك يتوقف بلا رادع.

الأمثلة لا تنقطع، كما ذكرنا فقد فعلها جمهور إنتر نفسه ضد كوليبالي، بل أن جمهور كالياري المتورط في واقعة لوكاكو قد أتى بواقعة مشابهة في أبريل الماضي ضد مويسي كين مهاجم يوفنتوس آنذاك، وكما حصلت جماهير كالياري على تأييد جماهير الخصم إنتر، خرجت من واقعة كين بدعم شبه صريح من لاعب في يوفنتوس نفسه!

ليوناردو بونوتشي مدافع يوفي خرج علينا بحكمه عقب المباراة، والذي يتحمل بمقتضاه كين وجماهير كالياري المسئولية بنسبة 50% لكل منهما، لأن احتفالك عقب تسجيل الهدف أمام جماهير الخصم = تعرضك لهتافات عنصرية. حسناً بونوتشي نفسه سجل في شباك يوفي خلال الموسم الذي قضاه في ميلان واحتفل بكل ما لديه، هل تعرض للعنصرية؟ لا، لماذا؟ لأنه ليس أسود البشرة، كيف يمكن ممارسة العنصرية ضد الرجل الأبيض؟ سنبحث عن شيء آخر لنضايقه..

أرأيت؟ إنها ليست عنصرية حقيقية.. لا تستوجب الاهتمام ولا محاولة "قمع" الجماهير الإيطالية، كل ما عليك ألا تحزن يا صديقي ذو البشرة السمراء، الأمر ليس شخصياً وعليك التصالح معه، تماماً كما تتصالح روابط الأندية مع تكرارها ضد لاعبي بعضهم البعض، وكما يتصالح معها لاعب أبيض، ولا تقلق، الاتحاد الإيطالي سيثأر لك دائماً، فحين يتعلق الأمر بفرض الغرامات والإغلاق الجزئي للمدرجات هؤلاء الرجال هم الأفضل في المجال، ولكن إجراء رادع؟ حقاً؟ هل كنت تعتقد أنني أحاول إغراءك لمشاهدة المسلسل؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد أباظة
كاتب رياضي مهتم بكرة القدم العالمية وتاريخها
كاتب رياضي مهتم بكرة القدم العالمية وتاريخها