يجمع كثيرون على أن حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى إجراء تغييرات داخلية على مستوى الحزب والوزراء والخطاب وسياسة التحالفات، من أجل مواجهة التطورات الداخلية المتعلقة ببروز أحزاب جديدة وبالتحديات التي فرضها فوز المعارضة ببلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة.
وقد سلطت عملية طلب إخراج أحمد داود أوغلو الرئيس السابق من حزب العدالة والتنمية الضوء على هذا الأمر، في الوقت الذي زادت فيه التكهنات عن سعي الأخير لإنشاء حزب جديد يستهدف قسماً من أنصار حزب العدالة والتنمية ومن المحافظين الأكراد. بالإضافة إلى المسار الآخر الذي يقال إن الرئيس السابق عبدالله غول ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان يمثلانه.
ولا خلاف على ضرورة التغيير بين مجموعة من أنصار ونخب الحزب، فقد ذكر الكاتب التركي عبدالقادر سلفي، المقرب من حزب العدالة والتنمية، أن خيارات التغيير تتعلق بمسارين؛ إما أن يتم تبني مسار تغيير جذري شامل، أو يتم الاكتفاء ببعض التغييرات في الحزب والحكومة، وفيما كان الحديث يدور عن تغييرات بسيطة قبل شهر، فإن عدداً منa الكتاب الأتراك أشاروا بناء على معلومات حصلوا عليها إلى أن احتمالات إجراء تغيير جذري باتت أكبر.
وقد ذكرت بعض الأوساط المقربة من حزب العدالة والتنمية أن هناك احتمالات لحدوث تغييرات وزارية تشمل حوالي 8 من الوزراء، منهم وزير المالية ووزير الداخلية خلال فترة قريبة.
يتعرض العدالة والتنمية لاحتمالات سحب العديد من أنصاره في حال أعلن كل من علي باباجان وأحمد داود أوغلو عن حزبيهما، وبما أن علي باباجان قد قدم استقالته، فقد انتظر الحزب من أحمد داود اوغلو القيام بهذا الأمر، لكن داود أوغلو الذي رفع من حدة انتقاده له خاصة بعد قرار إعادة انتخابات بلدية إسطنبول لم يقم بتقديم استقالته، مما دفع الحزب إلى إحالته للجنة تأديبية تمهيداً لإخراجه، في ظل سعيه لإنشاء حزب جديد. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية اعتمد في قراره على إخراج داود أوغلو و4 شخصيات أخرى من كوادر الحزب على النظام الداخلي الذي يعاقب بالطرد كل من يلجأ إلى الإعلام للتشهير بحق قيادات وأعضاء والشخصيات الاعتبارية للحزب، وتقديم معلومات زائفة غير حقيقية، والتقليل من هيبة وشأن القيادات الحزبية.
لقد أبرزت الانتخابات الأخيرة أن نسبة 1% هي نسبة فارقة جداَ في الانتخابات، وبالتالي فإن الصوت الواحد لا يستهان به، وبالتالي فإن عمليات تشكيل أحزاب جديدة من شخصيات من الحزب تشكل تهديداً للحزب في أي مواجهة انتخابية قادمة، وعليه ينبغي على الحزب أن يقلل تأثير هذه الانسحابات على صفوف الحزب أولاً. خاصة أن عدداً من شخصيات وكوادر الحزب قد انضموا في سعي كل من علي باباجان وأحمد داود أوغلو.
ثم عليه أن ينسجم مع التطلعات الشعبية التي تتوقع التجاوب مع بعض الانتقادات، من خلال التغيير لبعض الشخصيات وبعض السياسات، وربما تمت قراءة إعادة تقييم وجود اللاجئين السوريين غير المسجلين في إسطنبول في سياق هذه السياسات.
أما الأمر الثالث والأهم فهو قدرته على إحداث خلخلة في صفوف التحالف المضاد الذي ساهم في خسارته للبلديات، حيث يتكون التحالف بشكل رئيسي من 3 أحزاب هي حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطية بشكل غير مباشر، حيث أثبتت الانتخابات الأخيرة أن التحالف مع الحركة القومية لا يعد خياراً كافياً، ولذلك يتبقى أمام حزب العدالة السعي لإضعاف حزب الشعوب وقد يخدم أجندته هذه دور رؤساء بلديات حزب الشعوب وعلاقتهم بحزب العمال الكردستاني، حيث تمت إقالة 3 رؤساء بلدية منهم بهذه الذريعة. أما المساران الآخر هنا فيتمثلان بالتقارب مع الحزب الجيد أو شخصيات منه وشخصيات معارضة أخرى، وقد يأتي في هذا السياق تحسن العلاقة بين الرئيس أردوغان ورئيس نقابة المحامين متين فيزي أوغلو الذي كان يعتبر من المعارضين الأقوياء للرئيس أردوغان.
لا يعني أن حزب العدالة يحتاج إلى تغيير أن الوضع الحالي للحزب يسير للانهيار كما تصور بعض وسائل الإعلام، فالحزب مازال الحزب الأكثر تأييداً في تركيا، ويتوقع أن يكون لدى رئيس الحزب مناورات لتحسين الوضع، ولكنها تحتاج أن تكون مناورات عملية فعالة ومدروسة، حيث أثبتت الانتخابات البلدية الماضية أن بعض المناورات أتت بنتائج عكسية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.