لماذا لا يتأثر ميسي ورونالدو بإهدار الفرص؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/06 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/06 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش

 ماذا لو حكى لك ثلاثة أشخاص نفس المشهد؟ من المؤكد أنك ستتفاجأ بكمّ التفاصيل المختلفة في رواية كل شخص، تبقى النتيجة واحدة، لكن التفاصيل حتماً ستكون مختلفة. تختلف رواية وتفسير كل شخص لمشهد أو واقعة ما بموقعه من الحدث، وهنا يكمن السر.

إذا كنت من مغرمي فن السينما فربما تكون قد توقفت قليلاً أمام فيلم Vantage Point. يدور الفيلم ببساطة حول مشهد افتراضي تم فيه اغتيال رئيس الولايات المتحدة في مدينة سلامنكا الإسبانية. مشهد وحيد لكن يبرع الفيلم في تناول هذا المشهد طبقاً لعدد من وجهات النظر بالاستعانة بكم غير قليل من "الفلاش باك" لتتكون الصورة الكاملة مرة بعد أخرى أمام المشاهد. 

الآن، دعنا نطبق هذه التقنية المميزة على أحد مشاهد كرة القدم لمحاولة فهم ماذا يدور في الكواليس.

 ربما تكمن متعة كرة القدم في ذلك المشهد. فها هو الأدرينالين يندفع في عروقي، أقف ببطء على قدمي، في مشهد تم تصويره بنظام الحركة البطيئة، ثم أسحب لا إرادياً نفَساً عميقاً يتناسب مع احتفالي بهدف على وشك التسجيل ثم ماذا! لقد أضاع المهاجم الهدف. بعد أن صرخت بكل قوتي في وجه العدم ثم سببت المهاجم بكل ما أحفظه من قاموس السباب واللعن، أستطيع الآن أن أرى إعادة المشهد بشكل أكثر هدوءاً.

هذا المهاجم يستحق كل السباب الذي تلقاه من الجماهير. لقد اكتفى فقط بأن يتمتم ببعض الكلمات، إنه حتى لم يندم بعد ضياع هذا الهدف المؤكد. لو كنت مكانه لرحلت عن أرض الملعب فوراً أو لكنت أدميت أصابعي ندماً على ما حدث. لكن كيف يشعر رجل يتقاضى الملايين بما نشعر نحن به الجماهير. لقد أفسدت الأموال كرة القدم.

كان هذا هو وصف المشهد من وجهة نظر المشجع المتيم بفريقه ولكن ماذا يدور في عقل هذا المهاجم الذي أضاع لتوِّه فرصة مؤكده للتسجيل؟ هذا تحديداً هو محور الحديث، فيمَ يفكر اللاعبون؟ بماذا يتمتم أحدهم بعد أن يضيع هدفاً مؤكداً أمام مرمى خالٍ؟

حيل نفسية يتعلمها اللاعبون

"هناك دائماً أوقات يفقد فيها اللاعبون الثقة، سواء كان ذلك لفترة قصيرة أو ممتدة لفترة طويلة من عدم اللعب بشكل جيد. يمكنني مساعدة اللاعبين على اللعب بثقة كما يمكنني أيضاً مساعدة اللاعبين على التنافس بأفضل ما يمكن عندما لا يكونون واثقين بأنفسهم".

كان ذلك جزءاً من نص حديث عالم النفس الرياضي دان إبراهامز الذي عمل لأكثر من 10 سنوات في نادي كوينز بارك رينجرز، كما عمل مع فريق بورنموث، ويعمل حالياً في فريق اتحاد الركبي الوطني في إنجلترا.

الأمر ببساطة أن اللاعب لديه محوران أساسيان للتحكم في نفسه وأعصابه في أوقات الضغط؛ المحور الأول هو المحادثة الذاتية، والمحور الثاني هو لغة الجسد.

لذا يتم التركيز مع اللاعبين بشكل أساسي حول استخدام تلك المحاور على أرض الملعب لمساعدتهم على إدارة أنفسهم بشكل جيد وعدم الخروج ذهنياً من المباراة.

هنا يمكننا أن نرى مشهد إهدار المهاجم فرصة ذهبية للتسجيل من وجهة نظر مخالفة تماماً. إذا قرر اللاعب أن يطلق لنفسه عنان التعبير سيتأثر بعد ذلك حتماً خلال الوقت المتبقي للمباراة.

ولذا وطبقاً لعلم النفس الرياضي، يبدأ اللاعب في استخدام جهاز التحكم رقم واحد، وهو التحدث مع نفسه للحفاظ على نفسه إيجابياً وتنشيطاً، ثم ينتقل سريعاً اللاعب للخطوة التالية وهي التحكم في لغة جسده حتى لا يبدو أمام أفراد فريقه قبل الخصم شخصاً يائساً لا يعتمد عليه.

أوبامبيانج لاعب أرسنال

ربما يفسر هذا تلك التمتمة التي يقوم بها أعظم لاعبي العالم بعد إهدار فرص هامة وخطيرة وفي أوقات شديدة الحرج. هنا قد وصلنا لتفسير منطقي للمشهد الأساسي الذي بدأنا فيه. إذا كنت مهتماً بالفعل بمسألة الحيل تلك، إذن دعنا نتعمق أكثر.

نحو المزيد من الحيل

الحديث هنا لعالم النفس الرياضي برادلي بوش، الذي يؤكد أن مفتاح أداء النخبة هو التحكم أو تحسين أداء الـ (Prefrontal Cortex) التي يمكن وصفها ببساطة على أنها القشرة المخية التي تغطي القسم الأمامي من الفص الجبهي في المخ.

أول تلك العوامل المؤثرة  في تلك القشرة هو الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك. ترتبط السلبية والنقد بهرمون الكورتيزول الذي يقلل من قدرة الفص الجبهي على العمل بفاعلية. بينما تعمل اللغة الإيجابية والمنشطة على إصدار الدوبامين وهو الهرمون المرتبط باليقين والثقة. ولذا فالحيلة الأولى التي يتم تعليمها للاعب كرة القدم أثناء التمرين هي محاولة دحض أي أفكار سلبية عن طريق تحويلها لحديث إيجابي مع النفس.

الكثير من اللاعبين أيضاً يستخدمون كلمات تذكيرية حتى لا يقعوا فريسة للتوتر الزائد؛ لذا ليس من الغريب أبداً أن يضيع أحدهم هدفاً محققاً ثم يصرخ: ثلج!

الأمر ببساطة أن عامل الوقت مهم جداً؛ لأن ردود أفعالك تحتاج لأقل من ثانية لتخرج على السطح. ولذا فتلك الحيلة تبقيك هادئاً وتمكنك سريعاً من تفادي انفجارك المحتمل.

الدقيقة 1:33 رد فعل ميسي بعد إضاعة ضربة جزاء

هناك حيلة أخرى هامة للغاية، وهي التركيز على الأهداف البسيطة التي تؤدي بالضرورة لخلق فرص أكبر. يفسر السيد برادلي تلك الحيلة بأن هناك جزءاً من عقلك يسمى نظام التنشيط الشبكي الذي يلفت انتباهك نحو الأشياء التي تراها مهمة. لهذا السبب عندما تريد امتلاك هاتف معين تبدأ في رؤيته في كل مكان. لذا إذا فكر المهاجم بانتظام في التسديد في الركن السفلي من الشبكة على سبيل المثال، فسوف يبدأ غريزياً في رؤيته بشكل متكرر حتى عبر غابة من أقدام المدافعين.

مشاهد أخرى قد تجد تفسيرها هنا

يستغرب العديد من متابعي الكرة وعشاق التحليل كيف أن اللاعبين أنفسهم قد لا يكونون مهتمين أو بالوعي الكافي للأجزاء التحليلية والفلسفة التكتيكية. والحقيقة أن إحدى النصائح التي توجه للاعبين هي ضرورة تجنب اجتماعات الفريق الطويلة والدورات التكتيكية في الفترة التي تسبق المباراة مباشرة.

حيث يؤكد توم بيتس عالم النفس الرياضي في برينتفورد أن اللاعبين قد يتأثرون بشلل التحليل analysis paralysis عندما يجعل المدربون محادثات فريقهم معقدة للغاية قبل انطلاق المباراة.

هل تعتبر وجود أسر اللاعبين في مباريات الكؤوس والنهائيات فقط من أجل التقاط الصور التذكارية فيما بعد المباراة. الحقيقة لا، رؤية الأشخاص الأكثر أهمية في حياتك يساعدك على التركيز بشكل أكبر خاصة قبل مباراة كبيرة. ولذا فلا عجب أن المسئولين عن منتخب البرازيل قد قاموا من قبل بعملية تهريب للاعبي الفريق من الفندق ليقضي اللاعبون وقتاً مع أسرهم بعيداً عن أجواء المعسكر المغلق.

دعنا في النهاية نؤكد أن ما تعتبره أنت شغفك الأهم يعتبره لاعبو كرة القدم عملهم الأساسي. ولذا فإن اللاعب مطالب كل يوم بأن يتعامل مع تلك الضغوط. وهذا لا يعني أن اللاعبين روبوتات لا مشاعر لها لكن وببساطة يتم تدريبهم على التحكم في تلك المشاعر حتى لا يتدمر أحدهم تلقائياً في أيام معدودة.

يمكنك الآن أن تعيد التفكير في الكثير من المشاهد. لماذا ابتسم رونالدو بعد أن أضاع الفرصة الأخيرة للتعادل. بماذا تمتم ميسي بعد أن أضاع ركلة الجزاء تلك. لكن أرجوك دعني أعترف أن هناك استعداداً فطرياً لدى البعض للتحكم في الانفعالات الصادرة. ولذا فهناك لاعب واحد أعتقد أنه لم يتعلم أياً من تلك الحيل لأنه لم يعبس في وجه أحد قط بل إنه لا يأبه بكل ذلك. 

رونالدينيو

نعم ومن غيره، رونالدينيو جاوتشو. لكن أرجوك لا تقاس أمور كرة القدم طبقاً لرونالدينيو أبداً. رونالدينيو هو الاستثناء بل دعني أقول لك بشكل فلسفي يستحقه هذا البرازيلي، رونالدينيو هو كرة القدم ذاتها. ولكن هذا حديث آخر دعنا نؤجله لبعض الوقت.

 المصادر:

1. https://www.fourfourtwo.com/performance/training/5-ways-improve-mental-focus-football?fbclid=IwAR1sw76ZbzZ2DVtTWlPW4gJQhU7YFVmuDScGYUCvJL3Nq6OXh2RnwDvrA28

2. https://www.telegraph.co.uk/men/active/10568730/Mind-games-how-footballers-use-sports-psychology.html?fbclid=IwAR0NKoZb0kFRyLxD7BtqmfNbf9D0PVJOivB7TdXg-Rv1RbI-Nlj3sBaTTZ0

3. https://www.planetfootball.com/in-depth/tricks-sports-psychologist-uses-help-footballers-confidence/?fbclid=IwAR01RkmNQ9P27_Z66jy0oWnis5Ic_P5bKyhN54m2FWtabBUTw62259jB1cg

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود عصام
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.