ما زالت ذاكرة مشجعي برشلونة تحتفظ بمشاهد احتفالات الفريق الكاتالوني بالتتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا عام 2015 تحت قيادة لويس إنريكي على الملعب الأولمبي ببرلين.
هناك قاد إنريكي فريقه نحو منصة التتويج، وهتف نشيد البارسا مع جماهير الفريق الحاضرة في الملعب، ثم أخذ أحد الأعلام التي تحمل ألوان الفريق وألوان علم كاتالونيا، وذهب ليحتفل مع طفلته الصغيرة أمام عشرات الالآف. ربما كانت هذه واحدة من أفضل لحظات إنريكي على وجه الأرض. في تلك اللحظة نفض لويس همومه التي حملها على كاهله طوال الموسم، وجلس بوجه باسم وقلب حنون ورأس مرتاح ليلعب مع طفلته الصغيرة بكأس البطولة، وكأنها هديتها التي انتظر طويلاً ليراها تحتفل بها وهي سعيدة.
دوام الحال من المحال
بعد أقل من 4 سنوات، كان لويس إنريكي يستعد
لإدارة مباراة أخرى، لكن هذه المرة على رأس الإدارة الفنية للمنتخب الإسباني الذي
يستعد لمواجهة خارج أرضه أمام منتخب مالطا في تصفيات كأس الأمم الأوروبية. هذه
مباراة لا تشغل بال الإسبان كثيراً، فالتساؤل الحقيقي عن المباراة هو: هل سيسجل
الفريق ستة أهداف أم خمسة فقط؟
وبينما يقضي إنريكي ولاعبوه أوقاتهم استعداداً للمباراة، تلقى المدرب اتصالاً من
الوطن يطلب منه العودة في أسرع وقت.
يصل لويس إنريكي إلى برشلونة ليتلقى الخبر الصادم، ابنته الصغيرة تشانا مصابة
بسرطان العظام. حينها قرر إنريكي أن (العائلة أولاً، دائماً وأبداً).
قضى المدرب الشهور الخمسة الأخيرة بجوار ابنته، التي لم يستطع أن يتركها من أجل أي
شيء حتى كرة القدم. فأعلن رحيله عن تدريب المنتخب الإسباني لكن دون إبداء أي
أسباب. لكن هذه المرة لم تنتقده وسائل الإعلام ولكنه وجد كل الدعم من الجميع. حتى
صحف إسبانيا التي لا تترك أي شيء دون التحقيق فيه لم تفصح عن أسباب رحيل المدرب،
الذي فضّل أن يُبقي خبر مرض ابنته طيّ الكتمان، فاحترم الجميع قراره.
يوم الخميس الماضي رحلت تشانا عن الدنيا. لتأخذ معها قطعة من قلب إنريكي، والذي
سرق جزءاً منه عندما اعتزل كرة القدم ليواجه لويس إنريكي المصير الأسوأ، وهو فقدان
ابنته، التي أعلن خبر وفاتها في بيان من العائلة، موجهاً الشكر لكل مَن وقف معهم
في تلك المحنة، ليتحد عالم كرة القدم من أجل دعم لويس إنريكي وعائلته.
الهروب من الواقع إلى كرة القدم
دائماً ما كانت كرة القدم ملاذاً لأصحابها من الأزمات الكبرى التي تختبرهم بها الحياة، داخل ملعب كرة القدم ينسى الجميع كل شيء ويركزون فقط على ما تجود به لعبتهم المفضلة.
في عام 1992 انقلبت حياة جاري لينيكر، مهاجم توتنهام والمنتخب الإنجليزي، رأساً على عقب حين استقبل وزوجته طفلهم الأول "جورج".. كانت تلك اللحظة فارقة في حياة لينيكر وزوجته وأصبح الطفل الجديد محور حياة الأسرة ومصدر بهجتها وسعادتها.
لكن تلك السعادة تحولت إلى صدمة كبيرة حين أبلغهم الأطباء بأن تلك العلامة الصغيرة في وجهه هي علامة على إصابته بسرطان الدم.
"سرطان الدم.. كانت كلمة مدمرة لي ولزوجتي حين سمعناها، فجأة تحول الطفل الصغير مصدر البهجة الأول إلى طفل مريض يحتاج إلى نقل دم وعلاج كيماوي في أسرع وقت. كنت محطماً لرؤية طفلي بهذا الحال"، هكذا استعاد جاري لينيكر اللحظات التي قضاها في المستشفى مع طفله الصغير.
في تلك الأيام كان جاري لينيكر أكثر انخراطاً في كرة القدم من قبل، حيث كان يهرب إليها من الأزمة التي اجتاحت حياته.
هذه الأزمة مرّ بها أيضاً دافيد سيلفا، نجم مانشستر سيتي، الذي مرّ طفله ماتيو بعدد من الأزمات الصحية منذ ولادته. هذه الأزمة التي جعلت سيلفا يغيب عن عدد كبير من مباريات الفريق، ووجد في تلك الفترة كل الدعم من النادي، وكان حراً في اختياره سواء البقاء مع الفريق أو مع الأسرة، لكنه كان يحاول أن يمارس كرة القدم مع زملائه حتى ينسى ما يمر به طفله الصغير وأسرته.
لكن حظ لينيكر وسيلفا كان أفضل من حظ إنريكي، حيث نجا طفلاهما من الأزمة الصحية التي مرّا بها.
الأيام القادمة لن تكون سهلة على لويس إنريكي.. سيقضي أياماً يفكر في طفلته الصغيرة ولحظاتهما معاً منذ ولادتها حتى رحيلها في عمر الـ9 سنوات، سيحاول كل مَن حوله إخراجه من الحزن والألم الذي أصابه.. وسيبقى جمهور كرة القدم متأهب للحظة التي يقرر فيها لويس إنريكي أن يعود مرة أخرى إلى كرة القدم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.