لماذا نتهم الحصار ونتغاضى عن الانقسام؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/06 الساعة 15:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/06 الساعة 15:33 بتوقيت غرينتش
القضية الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات تعيش حالة من التشرذم والضياع

في ظل انسداد الأفق أمام أي مصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس، وأمام غياب أي بريق أمل حتى ولو ضئيل في إنهاء حالة الانقسام المزمنة على الساحة الفلسطينية، نتساءل: أين الشعب الفلسطيني؟ بمختلف مكوناته وأطيافه، أكان في الضفة الغربية وغزة أم بمخيمات الشتات واللجوء في الداخل أو الخارج؟ وكيف لهذا الشعب الصبر على ما لا يطيق أيوب نفسه الصبر عليه؟ وإنْ كان للشعب الفلسطيني رؤية! فما هي رؤيته لإنهاء حالة الانقسام المستعصية؟

القضية الفلسطينية منذ بروزها على الساحة العربية والدولية تميزت بقيادتها التي سعت لتوحيد جهود الشعب الفلسطيني أمام جميع المؤامرات التي تُحاك ضده لتصفية قضيته وسلبه وطنه، بدءاً بمفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي تذوّق مرارة المنافي وتنقل بين عدد من البلدان مطارداً، مروراً بأحمد الشقيري الذي لعب دور أساسياً في رؤية منظمة التحرير الفلسطينية النور، انتهاءً بياسر عرفات اختلفنا أو اتفقنا معه، فقد كان بحق زعيماً لكل الفلسطينيين دون استثناء، وقاد الشعب الفلسطيني في أحلك ظروفه سواداً في الربع الأخير من القرن المنصرم.

وحينما نُلقي نظرة سريعة على الواقع الفلسطيني الآن، سنجد أن القضية الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004 تعيش حالة من التشرذم والضياع وعدم وضوح الرؤية، إضافة لغياب ركن أساسي تميزت بها القضية الفلسطينية في مراحلها السابقة وهي الزعامة والقيادة الجامعة لمختلف أطياف الشعب الفلسطيني.

وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تتقدم القضية الفلسطينية مقدار أنملة أو حتى مجرد التفكير بفك أو رفع الحصار عن قطاع غزة قبل إنهاء حالة الانقسام بين قطبي القضية الفلسطينية فتح وحماس، فالحصار على قطاع غزة تشكل وتطور وتضخم بعد الأحداث الدامية التي وقعت بين حركتي فتح وحماس في صيف عام 2007، والمطالبة بفكّ الحصار عن قطاع غزة ليس له أي معنى بوجود حالة الانقسام؛ لأن الحصار الحقيقي الذي يؤلم ويعذب الشعب الفلسطيني ويزيد من معاناته أينما كان هو الانقسام نفسه وتعثر المصالحة بين حركتي فتح وحماس.

وإن وضعنا زمناً افتراضياً لإنهاء حالة الانقسام سنجد أنّ أي عمر أو زمن افتراضي نفترضه لإنهاء حالة الانقسام قد مرت عليه سنوات عديدة، وبطبيعة الحال لا يمكن العودة للوراء لإصلاح شيء لا يمكن إصلاحه، فهذا مخالف لقوانين الطبيعة المتعارف عليها.


ونتيجة طبيعية لحالة الانسداد على الساحة الفلسطينية لا يبدو غريباً أن تتقاطر المبادرات والصفقات التي تعود للأطراف الإقليمية والدولية من كل حدب وصوب بهدف تصفية القضية الفلسطينية، كان آخرها ما اصطلح عليه (صفقة القرن)، وفي الطرف الآخر سنجد أن الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني كما يحلو للبعض تسميته شامخ غير مكترث بما يدور حوله من مؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية، مكتفٍ بالرفض تارة والإدانة تارة وإبداء انزعاجه تارة أخرى بشكل غير مباشرة حتى لا يخسر ما يخيل لأطرافه أنهم أصدقاء.

وفي المقابل لا يمكن الطعن بالتاريخ النضالي لكل من حركتي فتح وحماس وبمبادئهما وشعاراتهما التي انطلقوا لأجلها، فكلا الحركتين تميزتا بصدق نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقدمتا الغالي والرخيص لأجل فلسطين ولأجل نيل الشعب الفلسطيني حقوقه، إلا أن الواقع اليوم مختلف، فحركة فتح بوجودها ووضعها القائم تضر القضية الفلسطينية أكثر مما تفيدها، وتشكل عثرة أمام آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني، وما ينطبق على حركة فتح ينطبق على حركة حماس، فحركة حماس وصلت لطريق مسدود، ولا يمكنها أن تقدم للشعب الفلسطيني أكثر من السعي والعمل لتخفيف الحصار عن قطاع غزة المحاصر.


وأمام هذا الواقع المرير لا يمكن للشعب فلسطيني الصبر على ما لا يطيق أيوب نفسه الصبر عليه، ولا يمكن كذلك رهن مستقبل قضية الفلسطينية التي ناضل لأجلها الشعب الفلسطيني سبعون عاماً على تفاهمات تبدو بعيدة المنال بين حركتي فتح وحماس، وعليه على الشعب فلسطيني أن يتخطى خلافات الحركتين، ويسعى لبناء كيان أو حركة أو تنظيم فلسطيني يمثل كل الفلسطينيين في الداخل والخارج دون استثناء، يعمل على توحيد جهود وطاقات وآمال الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه التي لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن وتحرير وطنه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هيثم الجرو
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
تحميل المزيد