الطب النبوي هو العلاج بالأعشاب الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة، وأول مَن كتب فيه ودوَّنه هو ابن القيم، الذي اعتمد فيه على الكثير من الأحاديث الضعيفة، وذكر رأيه الشخصي مدعماً برأي أطباء اليونان والرومان والعرب، فأين الطب النبوي؟ إن هذا تدليس على الناس، وتناسوا تماماً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" .
إن هذا فتح باباً للمشعوذين والدَّجَّالين لاستغلال قدسية الكلمة، والعبث بأوجاع الناس كمصدر دخل لهم، سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه لم يُبعث طبيباً، ولم يُوحَ إليه الطب، والأعشاب التي وردت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ذَكَرَها من باب العادة في قومه، فالعربُ وقتَها كانوا قبائل بدوية لا علم لهم بالطب، وما كان عندهم تناقلوه عن العجائز والشيوخ بالتجربة، لكنه لم يكن علماً ولا طباً إنما هو عادة متوارَثة في عصرهم.
عندما يلجأ الناس للطب النبوي متأملين علاجاً جذرياً لمرضهم، غالباً يكونون قد يئسوا من الطب والدواء، والغريق يتعلق بقشّة، لكن ما يجهلونه هو أن هذه الأعشاب تُستخدم بتركيزات قليلة، وبعضها يتعارض مع الكثير من الأدوية، ويزيد حدة بعض الأمراض المزمنة، وإذا تبادر إلى ذهنك أن العديد من الأدوية أصلها أعشاب أُجيبك: الدواء أصلاً هو مادة سامة، تُستخدم بجرعات محسوبة، اعتماداً على عوامل خاصة بالمريض، تُحدَّد من قبل الكادر الطبي المشرف على حالته، إذا كنت تريد اللجوء للأعشاب استشِر طبيبَك حتى لا تقع في مصيدة الدجل والتدليس.
في سنوات عملي كصيدلانية في صيدلية مجتمع لم تمر عليّ حالة واحدة عالَجَها الطب النبوي، بعض الدجالين يرفقون مع خلطة الأعشاب ورقة يكتبون فيها طلاسم لا أعرف ماهي، ويوهمون المريض أنهم يقرأون على الخلطة، وبعضهم يُخضعونهم لجلسات لا أعرف ماذا أسميها، ربما جلسات شعوذة، وغير ذلك من الطقوس الخاصة بهم.
ذات مرة أخبرني مريض أن جاره دلَّه على عشبة لعلاج الضغط، وسيشفى تماماً، ولن يعود لشراء الدواء مرة أخرى، بعد فترة جاء ابنه ليشتري له الدواء وقد ازداد وضعه سوءاً، وحذَّره الطبيب بأن عدم التزامه بالدواء يؤذي كُليتيه، اللتين أصبحتا متعبتين، عندها شعر والده بالإحراج، فلم يُخبر الطبيب عن العشبة التي استعملها بناءً على نصيحة جاره.
ومريضة أخرى كانت تشتري فيتامينات لزيادة الخصوبة، أخبرتها صديقتها عن شخص يعالج بالطب النبوي، وتعرف امرأة تناولت منه الأعشاب وحملت بعد شهر، ذهبت المسكينة، واستمرت مدة تأخذ هذه الخلطات، وبعد سنوات لم تستطع الإنجاب إلا من خلال طفل الأنابيب.
ما أريد قوله هو أنه لا توجد عشبة تحل محل الدواء، إن شركات الدواء تأخذ سنوات وسنوات من الدراسة والتجربة والبحث، وتدفع أموالاً طائلة لتنتج دواء، وبعد إنتاجه تكون هناك فترة اختبار لتقييم كفاءته، وكم من الأدوية تم سحبها من سوق الدواء لآثارها السلبية، أو عدم فاعليتها.
في كلية الصيدلة درسنا النباتات، في مواد من أصعب مواد كلية الصيدلة، ما بين أسماء النباتات وآثارها الطبية وآثارها الجانبية، وتعارُضها مع الأدوية، وتأثيرها على الأمراض المزمنة، وإذا أردت الاختصاص ستدرس أضعاف ما درسته في الجامعة، هل هذا العلم كله ألمّ به من يستند على حديث ضعيف أو موضوع، مدعياً أن فيه الشفاء.
البعض يشعر بتحسن على هذه الأعشاب، وأنه شفي تماماً، سأخبركم بشيء، عند اختبار الأدوية تكون هناك فئة من المرضى الذين يجرى عليهم الاختبار، يعطونهم بلاسيبو (حبة تشبه حبة الدواء، ولكنها لا تحتوي على مادة الدواء مادة مثل الطحين) دون علمهم، يتحسنون ويشعرون تماماً كأنهم أخذوا حبة دواء، هنا العامل النفسي، والوهم هو الذي جعلهم يشعرون بالتحسن، عندما تذهب لمن يدعي العلاج بالطب النبوي تكون مقتنعاً تماماً أنك ستشفى، وتصدق أنك شفيت، ولن يظهر شيء معك إلا فجأة أو عند الفحص الطبي، أستغرب التناقض في المجتمع، هل تقبل أن تذهب لعيادة طبيب ويعالجك شخص من مهنة أخرى؟!
في سنوات عملي الأولى كانت ملامحي طفولية، وعادة عندما أعطي الدواء لمريض يسألني بتوجس أنتِ صيدلانية ولا متدربة؟ هؤلاء أنفسهم يذهبون لدجّال يقرأ لهم على عشبة، يدّعي أنها مقدّسة، ويتناولونها برضى تام، وفي الصيدلية وعيادة الطبيب يرفضون أن يعالجهم شخص متدرب (ولهم الحق)، أو حتى من تخصص آخر، وذاك الدجال قد يكون عاطلاً عن كل شيء في الحياة، واحترف مهنة الأعشاب كمصدر رزق!!!
ضعوا نصب أعينكم حديثَ رسول الله صلوات الله عليه وسلامه في تأبير النخل، وهو حديث صحيح: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، فلو كان بيننا لتبرّأ من ذلك كله.
لا تجعلوا من ألمكم وخوفكم على مَن تحبون وسيلة للمشعوذين والدجالين، فمن وجعكم يصنعون قصوراً ورايات مجد، تتوج إذا لجأ لهم صاحب علم وفهم، وسيخبرونك في زيارتك أن فلاناً جاء عنده، وأعطاه هذه الخلطة وشفي تماماً، والشفاء بيد الله، والوسيلة هي علم الطب.
منذ الأزل والناس في مختلف العصور يعتقدون أن الشفاء في عشبة، وهذه العشبة سطّرت قصصاً خرافية تنتهي بالحزن أضعافاً، صدقوني… لم يكن الشفاء يوماً في عشبة من دجال يدّعي أنها مقدسة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.