تعتبر العلاقات بين المملكة المغربية ودولة قطر من بين العلاقات العربية التاريخية، إذ يعود تاريخها إلى سنة 1972، وقد عزز البلدان علاقاتهما خلال سنوات طوال، عبر التوقيع على أكثر من 55 من البروتوكولات والاتفاقيات والشراكات ومذكرات التفاهم التي تطور العلاقة بين البلدين، ولطالما كانت هذه العلاقة جيدة ويمكن وصفها بالوطيدة.
وتشهد العلاقات الثنائية التي تجمع المملكة المغربية بدولة قطر تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وتعززت هاته العلاقات أكثر بعد الخامس من يونيو/حزيران من سنة 2017، بعد إعلان المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية وبلدان عربية أخرى، عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، وهو الأمر الذي خلَّف ردود فعل عربية ودولية واسعة.
المملكة المغربية كانت من الدول العربية التي عبَّرت عن موقفها تجاه هذه الأزمة، من خلال بلاغ لوزارة الخارجية والتعاون الدولي، أكدت فيه أن المغرب يحرص على عدم الانزلاق وراء التصريحات واتخاد المواقف المتسرعة التي لا تقوم سوى بتأجيج الاختلاف وتعميق الخلافات، كما أن تفضيل المغرب التزام الحياد البنّاء لا يضعه في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة.
وأقدمت المملكة المغربية بعدها على إرسال مواد غذائية إلى دولة قطر، وإن كان هذا الفعل لا علاقة له بالجوانب السياسية للأزمة القائمة بين دولة قطر وبعض الدول العربية الأخرى، إلا أنه لم يلقَ ترحيباً من الرياض بل أزعجها، وقد خاب ظن المملكة العربية السعودية في هذه المسألة بعدما كانت تعول على المملكة المغربية أن تحدو حدوها وتقطع جميع علاقتها التي تربطها بدولة قطر.
موقف المغرب المحايد من الأزمة فرض تنافراً في العلاقات التي تجمع بين المملكتين، المغربية والسعودية، في حين كانت هذه الأزمة مناسبة لتوطيد العلاقات التي تربط الرباط بالدوحة، وقد تبين هذا التقارب جلياً في زيارة عاهل المملكة المغربية لدولة قطر ولقائه بأمير البلاد في عز الأزمة الخليجية، وتوقيع 11 اتفاقية شراكة وتعاون وتفاهم جديدة، خلال انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المغربية-القطرية بالعاصمة المغربية الرباط، تحت إشراف السيد رئيس الحكومة المغربية والسيد رئيس الوزراء القطري، ومن شأن هذه الاتفاقيات ضخ دماء جديدة في شرايين العلاقات التي تجمع بين البلدين، وتعزيزها نحو الأفضل والأحسن.
من جهتها، وكبادرة لإعلان حسن النية، أعلنت دولة قطر عبر وكالتها للأنباء (قنا)، أن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، قد أصدر مرسوماً أميرياً يقضي فيه بتعيين السيد فهد إبراهيم الحمد المانع سفيراً لقطر "فوق العادة ومفوضاً" لدى المملكة المغربية، وهو القرار الذي يعني الشيء الكثير ويحمل دلالات سياسية ودبلوماسية ذات أهمية كبيرة جداً، ويأتي هذا القرار بعد زيارة قام بها وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي للعاصمة القطرية الدوحة، التقى فيها أمير دولة قطر، ونقل خلالها رسالة من الملك محمد السادس.
تجدر الإشارة إلى أن "السفير المفوض فوق العادة" مرتبة دبلوماسية هي الأعلى في مراتب السفراء؛ تُمنح عادة لشخص مكلف مهام خاصة لبلده لدى بلدان أخرى أو منظمات دولية، لا يُكلف إياها إلا شخص يحظى بالثقة والحظوة لدى رئيس الدولة، حيث يتم اختياره بعناية بالغة وفق مستواه الأكاديمي وشخصيته المرموقة في البلاد، وتمكّنه غالباً من إمكانات استثنائية لأداء مهمته، من بينها إبرام اتفاقيات باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها.
إن الموقف المغربي تجاه ما وقع بين قطر وبعض الدول الخليجية والعربية، جعل الدوحة تبعث بإشارات واضحة إلى الرباط، مفادها أن قطر ترغب في تعزيز الروابط بينها وبين المملكة المغربية، والتأسيس لعلاقات استراتيجية وثيقة ووطيدة، والصعود بمستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، وتأكيد المكانة الرفيعة التي تحظى بها الرباط والدوحة، وهو ما تم التعبير عنه بتعيين سفير مفوض فوق العادة بمرتبة وزير في المملكة المغربية، ويأتي هذا التعيين في ظل التقارب إلى حد التطابق في وجهات النظر حول عديد من الأمور، خصوصاً في الأمور ذات الاهتمام المشترك وكذا السياسة الخارجية للبلدين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.