الصداقة إحساس ومشاعر ومواقف، فإذا تمعنا في كلمة الصداقة فهي آتية من كلمة صدق حيث تعبر هذه الكلمة عن الأمانة والإخلاص والوفاء والحب، الصداقة رابطة مهمة ورغبة إنسانية تجتاحنا، عندما نفرح وننجح عندما نحزن ونشعر بالسوء نحتاج لأشخاص نساعدهم ويساعدونا لنشعر بذواتنا، ويقدرون منجزاتنا حيث تنمو الصداقة عبر الزمن وتنضج العلاقة حتى تتكون صداقة وتتعمق الروابط بينهم ونعتمد عليهم في إنجاز أعمالنا سوية حيث تتكون الصداقة من روابط متشابهة كالقيم، والمبادئ السامية، ونقاء القلب، والأمانة وحب الغير.
يقول عمر بن عبد العزيز:
إني لأمنح من يواصلني مني صفاء ليس بالمذق
وإذا أخ لي حال عن خلق داويت منه ذاك بالرفق
والمرء يصنع نفسه ومتى ما تبله ينزع إلى العرق
نحن في الحياة نواجه أنواعاً من الناس، فليس الجميع يمكن أن يكون صديقاً أو صديقة خاصة أننا بشر ونحمل في في دواخلنا غرائز الغيرة، الحقد، الحسد، التكبر، وحب المال، فكم من صداقات رأيتها بنيت على مصالح وانتهت بالفراق والكلمات البذيئة والجارحة، فالصداقة أخلاق حتى لو انتهت فلتنته نهاية خلقية مهما كانت المشكلة وهي أمانة وحتى أنها متعلقة بالشرف فصيانة أسرار الأشخاص وعدم إخراجها ويجب أن لا نجعلها نميمة نثرثر بها للناس، والصديق الحقيقي يخفي هذه المشاعر ولا يسمح لها بالسيطرة عليه.
قال عبدة بن الطبيب:
واعصوا الذي يبدي النميمة بينكم متنصحاً وهو السمام المنقع
يزجي عقاربه لتبعث بينكم حرباً كما بعث العروق الأخدع
حران لا يشفي غليل فؤاده عسل بماء في الإناء مشعشع
لا تأمنوا قوماً يشب صبيهم بين القوابل بالعداوة ينشع
من أبرز المشاكل التي تقف عرقلة أمام بعض الصداقات هي سوء الظن، والإحباط من مواقف تمنوا أن يكون سلوكهم فيها بجانبهم والدفاع عنهم لأن الصداقة بين صديقين أو أكثر عنوانها القيم والمبادئ السامية، وبذلك السلوك سيصاب الصديق بالخيبة وعدم الثقة.
وإن أبرز الصفات التي يجب أن يلتزم بها الصديق هي احترام خصوصيته وعدم التدخل في حياته الشخصية وعدم إحراجه بأسئلة تخص حياته العائلية إلا إذا قرر الصديق البوح بها، وعدم المبالغة بالصداقة أي يشارك أيام الأسبوع كلها مع أصدقائه ويروي له مشاكله المنزلية وعن ظلمه من قبل أهله وعدم وضع سيطرة أو حدوداً بينه وبين صديقه، نهاية هذه الصداقات الانهيار وانعدام الثقة لامحالة.
يشعر بعض الناس أن البشر ليسوا أصحاب ثقة لكثرة الخيبات والملل والانكسار من أشخاص كانوا أصدقاء لهم لكنهم فشلوا في هذه الصداقة لذا يلجأ الإنسان إلى مصادقة الحيوانات كالقطط والكلاب، والأرانب وأسماك الزينة، والأحصنة، فهم فيملؤون فراغ الصداقة بتربية هؤلاء الحيوانات بديلاً للصداقات التي خاب أملهم بها.
إضافة إلى كل هذا أصبحت صداقات الإنترنت والعالم الافتراضي موضة العصر عبر ما يسمى بالواتساب وفيسبوك وإنستغرام وتويتر وغيرها من البرامج الوهمية التي يتعرف بها الناس على صفحاتهم الشخصية أو عبر المجموعات التي تنشأ إذا أصبح الناس يفضلون هذه الصداقات أكثر من الصداقات الواقعية.
في النهاية لا يسعني القول إلا أن الصداقة كالأزهار من اعتنى بها وسقاها كما يجب ستزهر ويخرج منها رائحة فواحة تنعش نفس الإنسان، أما إذا لم تتم العناية بها جيداً وسقتها كثيراً أي أكثر من ما يجب ستذبل وتموت.
قال العتبي:
وصاحب لي أبنيه ويهدمني لا يستوي هادم يوماً وبناء
إذا رآني فعبد خاف معتبة وإن نأيت فثم الغمر والداء
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.