ما الذي خسرناه بسبب زيادة أعداد المشاهير على السوشيال ميديا؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/25 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/25 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
أصبحنا نعاني من هوس نشر الحياة الخاصة على الملأ، والصور الشخصية والمواقف الحياتية لكسب مزيد من التعليقات

في البداية لست أنا الشخص الذي يحب الحديث عن نفسه كثيراً، ولكن خصَّصت هذا المقال، أو تلك الفضفضة بمعنى أصح، حول لعنة الشهرة التي لم يلتفت إليها الكثيرون من رواد السوشيال ميديا في الآونة الأخيرة، حيث بات همّ العديد من الشباب وشغلهم الشاغل هو كيف يصبحون حديث مواقع التواصل، ويجمعون أكبر عدد من الإعجابات (Likes)، والتعليقات (comments)، والمشاركات (shares).

نعم الشهرة، وفكرة آلاف المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، فلاحظت أنني من القِّلة القليلة التي لا ترغب في الشهرة، ولا تحب الأضواء، حتى وصل الأمر إلى عدم الرغبة القوية في التفاعل مع أصدقائي على حساباتي الشخصية على مواقع التواصل، ومن ثم عدم الرغبة في نشر صور شخصية أو مواقف حياتية تحدث لي.

في الحقيقة، ومع أن مجال عملي الصحافة، يعني اللباقة في الكلام، يعني الظهور على الفضائيات، وما أكثر برامج التوك شو الآن التي تريد وترغب في ملء الهواء، فنكون نحن الصحفيات والصحفيين في المقام الأول، وبالتبعية هناك الكثيرون في المجالات الأخرى، التي تتيح لهم الفرصة كضيوف يدلون بدلوهم في موضوع ما، أو ربما للحديث عن حالات ومواقف شخصية تدعم وتقوّي وتكون مصدر قوة لحالات مشابهة لها. 

فكَّرت في مواقفي التي رفضت فيها أن أكون شخصاً يظهر أمام الكاميرات، فعملي في مجال الصحافة أتاح لي الفرصة لأكون أمام الكاميرا، وفي حقيقة الأمر، في بداية عملي فكرت فعلياً وأجريتُ اختبار كاميرا (test camera)، لكن مع مرور الوقت، ومع تصاعُد الأحداث في الوطن العربي أيقنتُ لعنة الشهرة، أو حتى الظهور عبر وسائل الإعلام الخاصة.

ومع أول عرض قُدم لي لأن أكون ضيفة في أحد البرامج، رفضتُ، وأيقنتُ أنني كارهة للأضواء، سواء على الفضائيات أو حتى على حساباتي الشخصية على   مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتعجَّب البعض أن معظمها للأصدقاء فقط، وأخرى private.

ولا أهتمّ بتحديث صوري الشخصية من وقت لآخر، ولا أُحبّذ مزيداً من المتابعين، ولا يسرني ويشغل تفكيري كيفية زيادة عدد الإعجابات والتعليقات ثم المشاركات.

 ليس اختلافاً عن الآخرين في زمن أصبحت فيه الغالبية العظمى من الشباب وروّاد السوشيال ميديا يفكرون في كيفية الشهرة، كل حسب مجال عمله؛ بل أصبحت مهنة لدى الكثيرين تحت اسم influencer أي مؤثر.

تخيّلوا معي عندما تصبح وظيفة إنسان هي التأثير في الآخرين، كيف يجب أن يكون هذا الشخص.. أسلوبه، طريقة كلامه، ماذا يقدم في الأساس؟ المشكلة هنا تكمن في مقومات معظم مَن يمتهن هذه المهنة، وذكرت "معظم" لعدم التعميم، وهي للأسف وفقاً لما هو واضح أمامنا مقومات بسيطة، وأعتقد أنها تتوافر لدينا جميعاً، منها "كيفية جذب عدد أكبر من المشاهدين بأي وسيلة، بغضِّ النظر عن محتوى ما يقدمه، لديه رغبة قوية في الشهرة والظهور ونيل اهتمام الجميع، وهي الدافع والمحرك كي يمتهن أي شاب مهنة المؤثر influencer".

ورغم أن فكرة التأثير في الناس ليست بالهينة، ففكرة أنه يتابعك آلاف الأشخاص فمن المفترض أن تكون قدوة ومثلاً أعلى، من باب التأثير الإيجابي، واكتساب مزيد من الحسنات وفقاً لذلك، ومساعدة الناس وتقديم خدماتك وخبراتك لهم، وتتجنب أن يتأثر بك أي شخص تأثيراً سلبياً، أو أن يقلدك في تصرفات أو ألفاظ غير مستحبّة، وبالتأكيد هناك من الـinfluencers من يراعي ذلك، فالسوشيال ميديا سلاح ذو حدين في النهاية، وبكل تأكيد، وأصبحت لا غنى عنها أيضاً في تلك الحقبة الزمنية التي نعيش فيها الآن.

نعود إلى استكمال مقومات بعض مَن يمتهن مهنة الـinfluencer، أو في طريقه إليها، وهي "خفة الدم، العمق والدخول في صلب الموضوع، مع ذكر التفاصيل دون أي مراعاة لمشاعر أحد، مواضيع حسَّاسة، وأخرى خاصة جداً دون أي حياء، فيديوهات لايف كثيرة، فيديوهات ساخرة من عادات وتقاليد متأصلة، صور شخصية، مواقف حياتية، صور في الشغل، في النادي، في التجمعات العائلية، في الأعياد والمناسبات…"، حتى الحصول على آلاف الإعجابات والتعليقات والمشاهدات لتلك الفيديوهات التي يقدمها، والتي تهدف أولاً وأخيراً إلى "مزيد من الضحك، قلة القيمة، السخرية أو "التحفيل" على كل شيء…" حتى يتفاعل معها الكثيرون للأسف، فيصبح محور اهتمام وكالات الدعاية والإعلان، ومن ثم يطلّ علينا في العديد من البرامج والمسلسلات، ومنهم من طلوا بالفعل.

وبمجرد أن أصبح هذا الـinfluencer مشهوراً، أي فاق حدود السوشيال ميديا وأصبح نجم فضائيات، بالطبع يخطر على بال من يتابعه أن يصبح مثله، متسائلاً: الموضوع ليس صعباً.. كل ما في الموضوع "باقة نت محترمة مع شوية لباقة في الكلام و24 ساعة على النت، ما بين لايف لحياته الشخصية مواقف لأولاده صور خاصة في مراحل عمره المختلفة… وغيرها"، والأمثلة أمامنا كثيرة في واقعنا الحالي مئات من الشباب الـinfluencer وآلاف الشباب في طريقهم لذلك.

المشكلة أيضاً من وجهة نظري، وقد يراها البعض ليست مشكلة، وهي فرحة الآباء والأمهات بأولادهم بمجرد أنه أصبح مشهوراً، أو ظهر على شاشة التلفزيون، وإعجابهم وانبهارهم أيضاً بالفنانين والمشاهير الذين يطلون بالبرامج والمسلسلات، وبالتالي يصل لهؤلاء الأبناء رسائل غير مباشرة، وبعضها مباشرة لاستكمال مشوارهم، هذا بغض النظر عمّا يقدمونه، وكيف وصل لهذه الشهرة، ما دام يجني من وراء ذلك المال الوفير.

للأسف لم يخطر ببالنا أو لم يتطرق أولئك الذين يسعون للشهرة إلى فكرة الاستغلال، فربما العائد المادي قادر على أن يجعلك غافلاً عما سيحدث لك، نعم سيتم استغلال مَن له تأثير على شريحة كبيرة من الشباب والجمهور في العديد من الأمور.. في السياسة مثلاً، في تأييد شخصيات بعينها، وأيضاً في الترويج لمنتجات قد تكون غير صحية، أو غير إخلاقية، أو من إنتاج شركات معادية للإسلام مثلاً، وأيضاً قد تُجبر على الموافقة على تصرفات بعيدة كل البعد عن مبادئك وأخلاقك وما تربيت عليه… 

في النهاية هذا المشهور للأسف، أو influencer، قد يجبر على فعل أشياء كان في غنى عنها، وإن امتنع عنها وأظهر موقفه الذي يؤمن به ورأيه الذي يقتنع به، إما سيتعرّض لحملة تشويه ويصبح منبوذاً من تلك الجماعات التي ساعدته على استكمال مسيرته وطريقه للشهرة وأمّنت له حياته ومستقبله مادياً، أو أن يختار الموقف المسالم، وهو الرضوخ لأوامر وتعليمات أولياء أمره ونعمته.

ناهيك عن أنَّ هذا المشهور من الممكن أن يصبح قدوة ومثلاً أعلى للكثيرين من متابعيه، نعم "لا تزر وازرة وزر أخرى"، أي لا يُحاسب أحد بذنب غيره، وهذا يوم القيامة، يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

سيذكرني من يخالفني في الرأي أيضاً فكرة "البرواز" أيضاً، والتي من المؤسف أننا نضعها لبعض المشاهير والنجوم الذين نتابعهم، لأنهم في النهاية بشر، وأقول لهم نعم تماماً، فلقد حان وقت كسر البراويز لكل شخصية صمَّمنا لها "بروازاً" واتخدناها في يوم من الأيام قدوةً ومثلاً أعلى، ثم تفاجأنا بشخصية أخرى وبمواقف مخزية، أصابت البعض باليأس والإحباط.. لذلك أنا ضد صناعة البراويز، ومع نشر ثقافة "اكسر البرواز" الذي صنعته لهذا المشهور.

 لكن ما أحاول إيصاله في هذا المقال، أو بالأصح ما أحاول توثيقه، هي تلك الحقبة الزمنية التي نعيش فيها، ونقل وجهة نظري الشخصية، التي بالتأكيد لا تعجب الكثيرين، حيث فكرة هوس مواقع التواصل الاجتماعي، هوس الشهرة التي أصبحت سهلة ومتاحة أمام الجميع، فأنت في منزلك جالس على "الكنبة"، من السهل أن تصبح influencer، أو مشهوراً، ونجم فضائيات، وبالتبعية ستجني تلك الأموال.

توثيق تلك الفترة التي أصبح الشباب فيها مهووساً بجمع اللايكات والتعليقات والمشاركات، هوس الحياة الخاصة التي أصبحت على الملأ، والصور الشخصية والمواقف الحياتية الخاصة جداً لكسب مزيد من التعليقات، وبناء مزيد من العلاقات وبعض الصداقات الافتراضية، أو اكتساب خبرات ووجهات نظر مختلفة في موضوعات مختلفة بحسب تبريرهم، هوس بناء علاقات كثيرة في مجالات مختلفة، سواء علاقات حية من لحم ودم أو علاقات إلكترونية، غير واضعين في الاعتبار مساوئ تلك العلاقات، وكيف يمكن أن تجني لنا مزيداً من الذنوب، مع أنها في الأصل كانت من الممكن أن تكون النية خير وكان الهدف نبيلاً.

ناهيك عن أنه كلما تقرَّب هذا المشهور لمتابعيه، بنشر صوره الشخصية، أو إعلانه عن مواقف بعينها حدثت له، بهدف كسر حاجز المسافة بينه وبين متابعيه عبر حساباته الشخصية؛ كبر حاجز المسافة بينه وبين أقرب المقربين إليه.

لاحظتها في الكثيرين، فبينما هو يحاول بناء علاقات ربما وهمية أو افتراضية لجذب عدد أكبر من متابعيه، يحدث شرخاً كبيراً في تلك العلاقات الرئيسية والحيوية في حياته، والتي تم بناؤها منذ الولادة، يقل الكلام بالتبعية، تقل المشاركة في علاقات يربطها دم ولحم، ومنها يحدث الانعزال والتفكك، ومن ثم التوحد مع تلك العلاقات التي تتم على السوشيال ميديا، فتتفكّك الأسرة، ومن ثم المجتمع، ويسهل التأثير على كل فرد على حدة، فيؤمن هذا المنعزل أسرياً بأفكار وعادات بعيدة كل البعد عمّا تربّى عليه في غياب كامل وتام للرقابة الأسرية، حيث دور الأب الهام والمحوري في تلك الجزئية، لكن للأسف الكثيرون من الآباء عندما يجد ابنه أو بنته منهمكاً ليل نهار على الإنترنت، يتركهما وشأنهما مبرراً ذلك بأن كل هذا الجيل أصبح كذلك.

ومن هنا، أعتقد أنه أصبح من السهل انهيار القيم والمبادئ والأخلاق، أصبح من السهل التأثير والسيطرة على أفكارك وما تؤمن به، أصبحنا في النهاية نعيش واقعاً مؤلماً متهالكاً، وخرساً أسرياً، وتفككاً مجتمعياً، وانهيار عادات كانت تميزنا عن غيرنا كأمة وشعوب عربية متمسكة بدينها وبعاداتها وتقاليدها.

وستبقى هذه الأسئلة عالقة في ذهني، ولم أجد لها إجابات مقنعة وهي: ماذا لو لم تكن السوشيال ميديا في حياتنا؟ وماذا عن حياتنا السابقة البسيطة؟ هل هذا هو التطور والتقدم الذي يجب أن نواكبه، أم أن مواقع التواصل أظهرتنا على طبيعتنا "أظهرت الجانب المظلم في حياتنا، كشفت لنا حقيقة الأمور، حيث الميل إلى الصمت والتفكك وحب العزلة والانفصال عن الواقع، وحب الشهرة، وكسب مزيد من الأموال دون تعب أو تقديم شيء مفيد ونافع للناس، وحب الظهور والصيت على حساب أقرب المقربين إليك، والذين تجمعك بهم علاقة دم وقرابة من الدرجة الأولى، والذين ربما خذلوك ولم يقدروك فذهبت لتجد التقدير والإشادة من إناس آخرون على تلك المواقع"، هل العيب فينا، حيث الاستعداد المذهل للاستغناء عن أشياء مهمة وعلاقات حقيقية في حياتنا، بأشياء أخرى غير ملموسة وصداقات وهمية، كانت أهم من لحم ودم، نقضي معهم العديد من الساعات على الإنترنت ونترك من يجاورنا بالساعات، صامتين بلا أي حديث، أم في مواقع التواصل والإنترنت، هذا البحر الواسع من المعلومات والصداقات، وكل ما يخطر على بالك، والذي يأكل منك الوقت أكلاً. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء الشنواني
مدونة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع
أنا كاتبة وصحفية مهتمة بقضايا المرأة، أكتب عن دورها العظيم والمؤثر، ليس فقط داخل أسرتها التي هي الأساس، ولكن داخل المجتمع ككل، أحب تحليل ورصد تأثير الأعمال الدرامية على المشاهدين، أنقد تارة، وأمدح تارة أخرى ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون، لا أفضل السوشيال ميديا، حيث الحياة الخاصة التي أصبحت على الملأ، أؤمن بأهمية التربية عن الرعاية ودور الوالدين العظيم معاً وقدرتهما على تكوين شخصيات سوية لأطفالهما.
تحميل المزيد