الطلبة ذوو المستوى الضعيف سيصبحون أساتذة فيما بعد.. المتفوقون يلجأون للاقتصاد والهندسة والإعلام والمؤسسات العمومية. كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان تشرحان كارثة التعليم في أجمل البلدان.
اليوم (الثلاثاء) أقرّت لجنة التعليم بمجلس النواب القانون الإطار للتربية والتعليم، بما فيه المادة 2 المثيرة للجدل والمتعلقة بتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية من الأولى ابتدائي. سياسياً، تأكد للمغاربة أن جوقة السياسيين والمتحزبين ما هي إلا دمى يتحكم بها عن بعد، بعد امتناع (موافقة ضمنية) أعضاء الاستقلال والعدالة والتنمية على التصويت، ما أتاح تمرير القانون والمادة 2 منه بكل سهولة.
لن نناقش مضمون القانون فقد أعطينا وصفة إصلاح التعليم السرية أول المقال (بلا صداع الراس). سنناقش نفاق وانتهازية وجبن الأحزاب السياسية. أياماً بعد تحذير عمر عزيمان المستشار الملكي من كون قوى تقاوم إصلاح التعليم، انحنى حزبان، واحد يصنف نفسه وطنياً والثاني (محافظاً) للأوامر، وساعدا في تمرير قانون لطالما عبّرا عن معارضتهما له.
الاستقلال عرّب تعليم الفقراء منذ الثمانينيات ودرس أبناؤه في بعثات فرنسا، فانقسم المجتمع صنفين: أسياد "مفرنسون" وعبيد "معربون". أسياد يحتكرون المعلومة التقنية والمالية والسياسية، وعبيد يملأون مقرات المصالح الحكومية (موظفين) همّهم الوحيد لقمة العيش والتنفس والتزاوج (نباتات بشرية).
لو أحصيت أبناء قيادات حزب العدالة والتنمية لن تجد مختصاً في اللغة العربية ولا مدرس اجتماعيات ولا ممرض.. من طيار إلى طبيب وأنت طالع. كيف درسوا تلك المواد العلمية والتقنية؟ هل بلغة الضاد؟
الموقف من إصلاح التعليم لا يمثل إشكالية تقنية بقدر كونه فضيحة فساد ونفاق وجبن وانتهازية النخب: تفعل ما تؤمر، تنزل قرارات السيطرة على القطيع بطابع ديمقراطي تشاركني فنكوشي، وتصد الصدمات الصاعدة للأعلى بداعي فشلها في تمثيل الشعب والحديث باسمه: الأحزاب مرة زوينة مرة خايبة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
أخيراً، وكخلاصة، لم تكن اللغة يوماً حاجزاً أمام التقدم العلمي والحضاري: فرنسية كانت أم عربية أم إنجليزية أم حتى يابانية أو صينية بحروفها الثلاثة آلاف. انظروا إلى نموذج اليابان بلغتها الأم، بل إلى نموذج سوريا (قبل الحرب)، حيث خيرة الأطباء أبناء مناهج علمية تدرس باللغة العربية الحقة.
المشكلة رغبة سياسية على أعلى مستوى في تفريخ جيل من اليد العاملة المتعلمة (على قد الحال)، هزيلة الأجر (لأن عدد المنضمين لمؤسسات التكوين يفوق الطلب بأضعاف)، قليلة الثقافة فلا تصدعهم سياسياً ولا تطلب القيادة: المثقف يطلب القيادة والريادة والمساواة والتقني (نقصد العقلية ولا نحطّ من المهنة) يطلب طرف الخبز ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه. مع العلم أن التقني يمكن أن يكون مثقفاً، لكن أكيد لا يُراد له ذلك في أجمل بلدان العالم.
طبقة اجتماعية بين الوسطى والفقيرة تنشأ بمعلومات تقنية بسيطة، ثقافة منعدمة، يتوجب عليها الكدح المضاعف لتدريس الأبناء في مدارس خاصة؛ لأن العمومية لم ولن توفر أطراً كفأة للتدريس بلغة موليير.. فيخصخص التعليم "غير بالفن".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.