يثور التساؤل بين الفينة والأخرى بخصوص مصطلح "ولاية الفقيه"، المعمول به في إيران، وتطبيقاته في الواقع العملي في الوقت الراهن في المجالات كافة، وما يشمل السياسية منها، خصوصاً في ظل الاتهامات من بعض دول المنطقة لإيران بالتدخل في شؤونها.
بادئ ذي بدء، لا بد لنا من تعريف هذا المصطلح قبل الحديث عن نجاعته في الواقع العملي، وتأثيراته على أدوات الحكم، والسياسة الداخلية، والاقتصاد، والسياسة الخارجية.
وفي الواقع العملي، تعتمد السلطات الدستورية والتشريعية والتنفيذية، وحتى القضائية، في ممارسة أعمالها بشكل أساسي على نظام ولاية الفقيه، الذي يمنحها سلطة تقديرية واسعة في إدارة شؤون الدولة، ومرونة أكبر في مواجهة خصوم الداخل والخارج.
وتتكون مؤسسات الحكم الأكثر فاعلية في إيران بشكل أساسي من الحكومة، والحرس الثوري، والمرشد الأعلى الذي تم اختياره قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً، والذي كان رئيساً للجمهورية قبل ذلك.
وذلك يقودنا للحديث عن تأثر السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية بمفهوم ولاية الفقيه، حيث إنه ما من شك أن السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية تؤسَّس على مفهوم عقائدي ابتداءً، ما يمكن القول معه بامتداد تأثير نظام ولاية الفقيه خارج حدود الجمهورية الإسلامية أيضاً.
ففي الداخل الإيراني تعد طاعة الفقيه واجبةً، كونه الأقدر على خدمة مصالح الأمة، ومواجهة التحديات التي تواجهها. ويصطدم ذلك بصعوبات عملية أحياناً، منها مثلاً ظهور الداعين إلى تطبيقات أكثر انفتاحاً "ليبرالية" لأحكام الشريعة الإسلامية، في ظل التطورات التكنولوجية والعلمية الهائلة في الحقول كافة، أو ظهور الأصوات المنادية بمنح حريات أكبر للمرأة، ما يُسهم في التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لها بشكل أكثر فاعلية داخل المجتمع. وتقوم السلطات المحافظة في إيران على الدوام بالتأكيد على أن المطالبين بذلك إنما يهدفون إلى نشر ما يُعرف في الداخل الإيراني "الإسلام الأمريكي"، أي تطبيق الشريعة الإسلامية على الطريقة الأمريكية الليبرالية، ما يسهل عليهم مواجهة أية محاولات للحدِّ من سلطاتهم ونفوذهم وسياساتهم المحافظة، وعزل أولئك الداعين إلى تطبيقات أكثر ليبرالية لأحكام الشريعة الإسلامية.
أما على مستوى السياسة الخارجية، فلا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أنه ومن خلال متابعة بعض وسائل الإعلام الغربية، فإنَّه يلاحظ أن هناك تمييزاً وتمايزاً من قبل بعض صناع القرار في الغرب بين الحكومة الإصلاحية من جهة، وبين الحرس الثوري والمرشد الأعلى من جهة أخرى. فبينما تحاول الحكومة أن تتبع سياسات أكثر انفتاحاً على الغرب والشرق معاً، يحاول كل من الحرس الثوري والمرشد الأعلى الإبقاء على ذات السياسات التي تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة متى اقتضت الضرورة ذلك، إما حمايةً لمصالح الدولة الإيرانية الاستراتيجية كما حصل عند التدخل في سوريا واليمن والعراق، أو حمايةً للشيعة في بعض الدول العربية كما حدث في بعض دول الخليج العربي، وإن بشكل غير مباشر، رغم أن ذلك قد تكون له أبعاد سياسية أيضاً، هدفها تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصاً بعدما فرضت إيران نفسها كقوة إقليمية فاعلة كنتيجة لبرنامجها النووي، الذي وظّفته لخدمة أغراضها في تعزيز نفسها كقوة إقليمية، ونجحت في ذلك إلى حدٍّ كبير، رغم كونها أبعد ما تكون عن إنتاج السلاح النووي، كما أشار لذلك بكل وضوح المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، أثناء لقاء تلفزيوني بعد انتهاء عمله في الوكالة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.