انتشار المبادرات الشبابية وورشات التدريب التي تعمل على صقل المواهب وتنمية الطموح لدى الفئات العمرية الفتيّة، ظاهرة تدعم وتؤهل الشباب لمستقبل أفضل، تطور مهاراتهم وقدراتهم على التواصل والتعبير عن أنفسهم، وإبعادهم عن الانحراف والشوارع والفراغ، كما تشكل بعضها مصادر دخل لمؤسسيها، وتحفز الابتكار والإبداع لدى مَن يملكون أفكاراً مطورة لبنية المجتمع وثقافته، ولكن على الصعيد الآخر، وبالنظر لواقع اقتصاد الدولة، هل يوجد تواؤم بين الأعداد التي تتخرج من هذه المبادرات والورشات، ممتلئة بالفكر والحماس وآلية سوق العمل في القطاعين الخاص والعام؟ هل تدعم الشباب للوصول إلى طموحهم والمواقع الريادية التي أَشبعوا أنفسهم بمهاراتها من خلال تلك الورشات والانضمام إلى تلك المبادرات؟
أم أننا نملأ وقت الشباب، غير مكترثين بما قد يصيبهم من الإجهاد والصدمة حين يتقدمون لسوق العمل ويجدون الواسطة والمحسوبية هي المؤهل الوحيد الذي يُكتب على ورقة قبولك كموظف، هؤلاء الشباب يكتبون سيرة ذاتية تعج بالورشات والمبادرات والنشاطات، وبعد سنة أو سنتين يُدرك أنها ليست ذات معنى، حتى أصحاب العمل أنفسهم غير مبالين بأهميتها.
إذا كنا نريد أن ننهض بالشباب علينا النهوض بسوق العمل وأصحابه، وتغيير آلية قبول الموظفين، عندما تخرجت في الجامعة، كنت حريصة على المشاركة في الدورات التي تغذِّي علمي وشخصيتي، وأحدثت الجامعة وقتها يوماً وظيفياً كمبادرة من أصحاب العمل في السوق لتوظيف الخريجين الجدد، حصلت على وظيفة بعد التخرج بيوم واحد، وفوجئت بواقع عمل لا يرتقي لما كنت أطمح إليه.
وأجريت بعد ذلك عدة مقابلات عمل، لم يكن يقرأ حتى اسم الدورة أو الورشة على السيرة الذاتية، عملت لخمس سنوات بين ما تشكل عندي من طموح، وبين واقع العمل، ووجدت فجوة بحجم فضاء، ظننت حينها أن طبيعة التخصص قد لا ترفدها تلك الدورات والورش التدريبية، لكنني عشت نفس التجربة مع صديقاتي من تخصصات جامعية أخرى، تُشارك في الورشة التدريبية، تعيش أجمل اللحظات، وتحلم بالكثير، وتخلق صداقات ومعارف رائعة، لا يدوم من كل هذا الوهج بعد انتهاء الورشة إلا القليل.
هل فكّرنا في الشباب والفتيات الذين يتخرجون في الجامعات مستهلكين سنوات عمرهم، يرفدونها بالورش التدريبية ظناً منهم أنهم يزيدون من فرصة حصولهم على وظيفة ترقى لما طمحوا إليه، وقد يبتكر أحدهم مبادرة مجتمعية لا تحظى بالقبول والانتشار، لأنه لا يملك معارف ولا واسطة تدعم مبادرته، ولا حتى تعطيه الوظيفة التي يحلم بها.
إن ما يعنيني هو وعي الشباب أنَّ هذه الدورات والورش والمبادرات ما هي إلا شيء لنفسك في مجتمعنا الذي غالباً لا يأبه، هي تقوي شخصيتك وتصقل تجربتك وتملأ وقتك بدلاً من آفات الفراغ، لكن لا تجعلها أداة لقتل شغفك حين تصدم بواقع العمل، ولا تحني رأسك مهزوماً عندما تجد جهدك ووقتك ذهب سدى أمام زميل أخذ منصباً أو وظيفة سعيت لأجلها، لأنه يعرف فلاناً.
يكفيك فخراً أن شاركت وأبدعت وملأت نفسك بالكثير من العلم والتجربة، لعل وعسى تجد فرصتك، ومن الممكن ذات يوم أن تصبح صاحب عمل، وتوظف من يستحق بعيداً عن المعارف، كما أتمنى أن يسعى أصحاب المبادرات الشبابية والورش التدريبية إلى توظيف المميَّزين والمجتهدين في مجالٍ يستحقونه.
لا بد أن نطوّر سوق العمل لتُثمرَ هذه الدورات والمبادرات، كما هو الهدف منها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.