تبدو العلاقات المصرية الإيرانية في حالة قطيعة تامة أو شلل منذ الثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني، ولجوء الشاه الأخير محمد رضا بهلوي إلى مصر حيث استقبله الرئيس الراحل محمد أنور السادات استقبال الحكام بعد رفض غالبية الدول إيوائه، ولما مات نُظمت له جنازة عسكرية مهيبة ودفن بمسجد الرفاعي بالقاهرة.
هذه العلاقات بين البلدين الكبيرين في الإقليم علاقة تبدو غريبة وغير مفهومة في معظم الأحيان، لكنها لا تخلو من رسائل وإشارات بين الفترة والأخرى يمكن قراءة ما بين السطور من خلالها.
لم تشهد العلاقات المصرية – الإيرانية أي سلوك علني في العقود الثلاثة الأخيرة إلا مرتين، الأولى عند قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 عندما خطب مرشد الثورة الإيرانية آية الله خامنئي باللغة العربية يؤيد مطالب الشعب المصري ضد حسني مبارك ونظامه، والثانية عندما جاء الرئيس محمد مرسي إلى الحكم حيث زار طهران في اجتماع دولي، واستُقبل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في القاهرة. غير ذلك لم يكن هناك أي احتكاك مباشر بين ساسة البلدين أو أي مشتركات تجمعهم.
لكن مؤخراً شهدت العلاقات بوادر وإشارات ينبغي التوقف تجاهها. فرغم الدعوة الإيرانية الدائمة لمصر لأن تكون عنصراً قوياً في منطقة الشرق الأوسط وتدعم القضايا العربية والإسلامية ضد المشروع الصهيوأميركي، فإن عدة إشارات يتم إبرازها بين الفينة والأخرى، كلجوء مصر إلى البترول الإيراني (ثار هذا الحديث قبل العقوبات الأمريكية على طهران)، وحضور مساعد وزير الخارجية المصري لحفل البعثة الإيرانية في القاهرة في الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، ومؤخراً عدة أحداث متلاحقة هي عبارة عن رسائل من النظام المصري لنظيره الإيراني، كان أبرزها: تغيير الوكالة الرسمية المصرية للأنباء (أ ش أ) خبراً عن حكم محكمة الجنايات عن خلية متهمة بالتجسس لصالح الحرس الثوري الإيراني، فتم تغيير اسم إيران ووضع كلمة (دولة أجنبية) بدلاً منه، وبالتبعية قامت عدة صحف ومواقع إخبارية بتغيير الخبر. ثم تصريح مدير هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش بأن مصر لم تمنع سفينة إيرانية من عبور القناة، حيث قيل إنها كانت متجهة بشحنة نفط لسوريا، معتبراً أن تجارة النفط والسلاح مشروعة ولن يتم اتخاذ قرار بالمنع إلا إذا كانت الدولة في حالة عداء مع مصر أو تحمل حمولةً مخالفة. وأخيراً إقتحام الأمن المصري مقر قناة "الأحواز" الفضائية المعارضة لإيران والمطالبة بحق العرب في الإقليم الذي يحمل نفس الاسم.
إن هذه العلاقة الغريبة وغير المفهومة يجب أن تتغير فوراً لصالح الإقليم ومنطقة الشرق الأوسط. إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن ينزوي الدور المصري، وهي أكبر وأقوى الدول العربية، أو يخضع لصالح السعودية أو الإمارات بحيث أصبحت الصورة معكوسة، فالصغير يمارس دوراً شكلياً أكبر بمراحل من طاقته وقدرته الحقيقية، والكبير منكفئ على نفسه وتابع لمغامرات الصغار التي جلبت الويلات للمنطقة وشعوبها.
إن عدم انخراط مصر حتى الآن في أي مغامرة أقدمت عليها دول الخليج، باستثناء ليبيا، أمر جيد، لكن تبعية دورها وارتهانه لقطبي الخليج ووضعها في موقع البحرين هو أمر مهين ومرفوض. إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يتماهى النظام الحاكم في مصر مع مواقف السعودية والإمارات حتى وإن كانتا صاحبتا فضل عليه وسبب رئيس في صناعته وتثبيت أركانه.
وهنا تبقى المعضلة الأكبر وهي دور إسرائيل في المنطقة وقيادتها لدول ما يسمى محور (الاعتدال) وفرض نفوذها عليهم بالإضافة للهيمنة الأمريكية على المنطقة التي تأمر فتطاع ولا يستطيع أحد الخروج من تحت عباءتها.
على الدولة المصرية مراجعة المواقف الدولية، والتوجه الإقليمي العبثي لتصرفاتها وإن كان غير مؤثر، فليبيا الجارة تلقى فيها الحليف خليفة حفتر ضربة موجعة مع دعم تركي واضح قد يتحول لتدخل مباشر كما حدث في أزمة قطر ووقتها سيجد النظام المصري نفسه محاصراً بدلاً من أن يكون له حليف ودولة كاملة تستوعب ملايين العمال وتسهم بصورة أساسية في إعادة الإعمار.
وعلى النظام المصري أيضاً أن ينسحب من حصار قطر، إذ بعد أكثر من عامين تبدو قطر أكثر قوة واعتماداً على النفسن بينما كسر أنف رباعي الحصار وأصبح استمرار هذا الموقف نوعاً من العناد لا يليق بالشعب أو الدولة المصرية، التي لها حوالي 300 ألف عامل هناك يجدون صعوبة في السفر والعودة من هناك بسبب وقف خطوط الطيران.
لقد فشلت السعودية والإمارات في كل الملفات التي دخلتها عداءً للثورات العربية وربيع الشباب، فبعد إجهاض الحلم اليمني في العيش الكريم أصبح اليمن كابوساً يقض مضاجع الخليج وربما يتحول مستقبلاً لجحيم يغيّر شكل السياسة في شبه الجزيرة إلى الأبد، كما خسرت السعودية في سوريا وخرجت منها رغم أنها سلحت الآلاف وأغدقت عليهم وكانت سبباً في آلام الشعب السوري.
على الدولة المصرية أو الأجهزة القوية فيها أن تعيد ضبط البوصلة المصرية، وعلاقاتها مع الإقليم، فإذا كانت مصر لديها علاقات تجارية قوية مع تركيا رغم العداء القوي والخطاب السياسي والإعلامي العنيف بين النظامين فلماذا لا يكون لها تلك العلاقات مع دولة واقتصاد بحجم إيران؟! ولماذا لا يكون لها علاقات سياحية مع ملايين السياح الإيرانيين الذين قد يرفدون الاقتصاد المصري بملايين الدولارات، أو علمية حيث تبرز إيران كدولة صاعدة في مجالات عدة على رأسها العسكرية والطب وغيرها؟!
إن بقاء هذا الوضع المؤسف بين الدولتين طيلة 40 عاماً أصبح غير مبرر وغير مفهوم ويجب أن يتغير، ففي النهاية مصر دولة كبيرة يجب أن تعود وإيران أيضاً دولة كبيرة في الإقليم ولديها نفوذ والسير خلف الصغار في هذه القضايا لا يعود بالنفع على الشعوب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.