لماذا تُهيمن المؤسسة العسكرية على الحكم في أغلب الدول العربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/17 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/17 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
طبيعة المؤسسة العسكرية كمؤسسة سلطوية، لا تعترف بمفاهيم التعددية وتداول السلطة

لماذا يعاني العالم العربي من غياب الديمقراطية؟  ولماذا تحدث الانتكاسات دائماً في الدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً؟ في الحقيقة يصعب إيجاد أجوبة دقيقة لهذا الإشكال، لأن عوامل معقدة ومتشابكة متعددة، تاريخية وثقافية واجتماعية واقتصادية، تشكل عرقلة مستمرة لمسيرة الديمقراطية  في الدول العربية.

لكن يمكن الجزم بأن أهم ضمانتين أساسيتين، تشكلان عامل استقرار وحماية للأنظمة الديمقراطية، لا تقومان فعلاً بالدور المنوط بهما، ويتعلق الأمر بالمؤسستين القضائية والعسكرية، وقد تنامت ظاهرة تدخُّل العسكر في الحياة السياسية بالسنوات الأخيرة؛ وهو ما يدفعنا  إلى دراسة العوامل المؤدية إلى تنامي هذه الظاهرة، والوقوف على أسباب تدخل المؤسسة  العسكرية في السياسة.

إن إلقاء نظرة سريعة على الخريطة السياسية في الوطن العربي ستمكّن من ملاحظة أن المؤسسة العسكرية هي التي تتحكم في دواليب الحكم، خصوصاً داخل الأنظمة الجمهورية إما بطريقة مباشرة وإما غير معلنة، من خلال الضغط والتأثير الذي تمارسه على النظام الحاكم، وهذا يعطي بعض التفسير للصعوبات التي ما فتئت تواجهها عملية التحول الديمقراطي، فطبيعة المؤسسة العسكرية كمؤسسة سلطوية، لا تعترف بمفاهيم التعددية وتداول السلطة وبحق المخالفين في الوجود القانوني، ولذلك فبقاؤها في مراكز التأثير يشكل خطراً على الحريات المدنية والسياسية. وأي محاولة من أجل دمقرطة الأنظمة السياسية سيكون مآلها الفشل إذا لم يتم تحييد المؤسسة العسكرية وإبعادها  نهائياً عن الشأن السياسي،  ولا يخفى على الجميع الدور الذي أدَّته المؤسسة العسكرية في النظام السياسي المصري والجزائري والسوداني السوري… ولعل ما حدث في هذه الدول من فظاعات دليل واضح على أن تدخُّل هذه المؤسسة في الحياة السياسية لن ينتج عنه إلا الخراب.

وباعتبار أن الجيش ليس طبقة واحدة، بل إن أفراده ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة ومتناقضة المصالح، فإن غياب الانسجام داخل هذه المؤسسة قد ينتج عنه في حالة بعض تدخلات الجيش صراعات داخلية، إذا كان التدخل لفائدة فئة معينة ضد أخرى.

غير أن الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية يفترض عدة  شروط، من أهمها كفاءة المؤسسات السياسية للدولة في أداء الوظائف المنوطة بها، فباستقراء سريع للتاريخ السياسي العربي في فترة ما بعد الاستقلال، نجد أن الحكومات التي تسلمت السلطة بعد رحيل المستعمر لم تكن قادرة على قيادة البلاد ومواجهة المشاكل والأزمات التي خلَّفها الاستعمار، ومن جهة أخرى فإنه نتيجة للهيمنة الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الدول الاستعمارية، التي كانت تتدخل بشتى الوسائل لإحباط المنجزات القومية، للإبقاء على علاقات الهيمنة والتبعية، كل هذه العوامل كانت تدفع المؤسسة العسكرية إلى التدخل في شؤون الحكم، لإنقاذ البلاد من الأزمات التي كانت تعجز الحكومات عن مواجهتها.


وليس هذا فحسب، بل إن الصراع مع إسرائيل ظل يشكل ذريعة دائمة ومستمرة للمؤسسة العسكرية وللأنظمة التي تحتمي بها، لرفض أي إصلاح سياسي، باعتبار أن الديمقراطية هي قضية ثانوية، وأنه "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، مع أن إسرائيل استطاعت أن تحقق كل انتصاراتها وهيمنتها على المنطقة بواسطة أنظمة ديمقراطية. وثمة سبب أخير لهيمنة المؤسسة العسكرية في بعض الدول العربية، يتجلى في ضعف وعجز المجتمع المدني ومؤسساته والذي يكاد لا يكون له وجود يُذكر في بعض الدول الأكثر استبداداً، فالأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية وغيرها فشلت في تأطير الشعوب العربية ودفعها نحو المشاركة السياسية الفاعلة، وهذا الفراغ الذي تركته المؤسسات هو الذي فسح المجال لهيمنة الجيش والأجهزة الأمنية على كل المجالات، التي أغرقها في الفساد، وحوَّلها إلى شركات للاستثمار، رهنها للاستعمار ومخططاته، فضلاً عن أنه تخلى عن القضايا الوطنية والعادلة للشعوب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عدنان حليم
طالب قانون ومحرر في ويكيبيديا العربية
تحميل المزيد