كان الصف الأول الثانوي بمدرستي الثانوية العسكرية كئيباً لمراهق مثلي لا يهتم إلا بتجميع أنواع قيمة مستوردة من الأسلحة البيضاء، وقراءة مذكرات جاك بيتون أو الجاسوس المصري رأفت الهجان في سلسلة صحفية من جريدة الأهرام، كانت قد نُشرت في أوائل التسعينيات وجمعها أبي وأحتفظ بها بمكتبة المنزل.
"كئيباً"، لأنني كنت أخاف الفيزياء، لا أكرهها؛ فلم تكن لي سابقة تعارف بها قبلاً في الصفوف الإعدادية السابقة للصف الأول الثانوي، أو ربما تعرفت عليها عبر دروس العلوم، ولم أفهم أن هذه فيزياء.
كتاب برتقالي اللون، مطبوعة عليه رسومات لا أذكر منها غير كواكب وذرات زرقاء، في النصف الأول من العام لم أفتح الكتاب ولم أهتم؛ فقط من الخوف من صعوبة المادة التي لم أفهم أياً من دروسها على الإطلاق، ولم أستوعبه بتاتاً داخل دروس الفصل في المدرسة.
أكرر.. لم أفهم قَط ولم يستوعب عقلي ما هذا؟! ما الذي سأستفيده من هذه القوانين؟! هل سأحصل على وظيفة بعد أعوام من تخرجي بفضل هذه القوانين؟!
هل ستفيدني هذه القوانين والدروس الفيزيائية المعقدة في عملي؟! سألت ابن عمي المتفوق في الرياضيات والفيزياء والأكبر مني سناً بخمس سنوات.
لم يجبني، لم أجرؤ على أن أسأل مدرس الفيزياء في المدرسة.
دخلت امتحان النصف الأول في الفيزياء، كتبت شيئاً مما حفظت بصعوبة بالغة من الكتاب البرتقالي الضخم، ووقت أن حصلت على النتيجة بعد إجازة منتصف العام كانت صادمة.. رَسِبتُ للمرة الأولى في حياتي في مادة؛ ألا وهي الفيزياء، وحصلت على درجة واحدة ونصف الدرجة من المجموع النهائي! نعم هذا تماماً، بالأرقام 1.5 درجة!
عِراك مع أمي، خِصام مع أبي، ودرس خصوصي لدى صديق أبي مدرس الكيمياء؛ كي أتجاوز خيبة النصف الأول بنجاح في النصف الثاني.
مرَّت شهور عدة ودخلت الامتحان، هددت صديقي الذي أصبح طبيب أسنان الآن كي يساعدني في حل الامتحان وقد فعل، سيضحك الآن بشراهة على هلعي وتهديدي له في لجنة الامتحان إن صادفه هذا المقال.
ثلاثة عشر عاماً مرت الآن على رسوبي في الفيزياء، لكنني الآن وَلِعٌ بتلك القوانين؛ من اهتمامي بعلوم الفضاء التي أعكف على قراءتها منذ فترة.
جرعات من لدن نيوتن، كثير من أينشتاين وقليل من ماكس بلانك، النسبية الخاصة فالنسبية العامة وميكانيكا الكم.
وَلِجتُ إلى عالم الفيزياء عبر اهتمامي بالثقوب السوداء وكيف تتكسر قوانين الفيزياء هناك، فكرة أنه لا زمن لا وقت داخل ثقب أسود عبرت بي إلى عالَم الفيزياء.
"تاريخ موجز للزمن" للمبتدئين كتاب البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ رائع فيزيائياً، يحكي بسلاسة بداية الزمن ونظرية الثقوب السوداء وانهيار القوانين في كثير من ربوع الكون، دفع بي إلى الأمام في هذا العلم.
تعلمت أننا على مقياس كارداشيف العالِم الروسي حضارة من النوع صفر، وأن هناك4 أنواع للحضارات تقاس حسب إمكاناتها في استخدام الطاقة.
وهذه الأيام في طريقي لشراء تلسكوب مكبر؛ كي أضعه في منزلي وأتابع حركة النجوم والكواكب وأدوّن ما يحدث.
إن الله لا يلعب النرد
إن الله لا يلعب النرد هي خلاصة اعتراض أينشتاين على ميكانيكا كم هايزنبرغ القائمة على الاحتمالات لدراسة حركة الذرات والإلكترونات واحتمالاتها الكونية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.