قلب أكبر من قلب أمك.. ‎أن تكونَ لك جدة‎

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/09 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/09 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
علمني رحيلك أنه ليس من المهم كم من الناس حولك في الحياة، بل الأهم من يتذكرك بعد موتك ويدعو لك

علَّمني رحيلك أن الأحبة لا يعوَّضون، حتى لو خانتهم صحتهم وذاكرتهم. عند رحيلك استشعرت مدى مكانتك الحقيقية في قلبي وعقلي.

أن تكون لك جدة يعني قلبَ أُم يحبك أكبر من قلب أمك، يعني أن يكون لك حضن يحتويك كلما انزعجت من توبيخات أمك، يعني أن كل حب عطف وحنان تعطيك إياه أمك تمتلك ضعفه.

تلك الزيارات اليومية لبيت جدتي التي اعتدت عليها منذ الصغر، جلوسها في بهو المنزل على الأريكة وهي متربعة وتقطع النعناع من أجل تحضير الشاي، الأمثال القديمة التي كلما نطقتها بلكنتها البدوية هممنا بالضحك وبدأنا في ترديدها..

حبها لإكرام الضيف لدرجة أننا أصبحنا كلما دخل ضيف عليها بدأنا التهامس الممزوج بالضحك لتنبئنا بجملتها المعتادة "جيبي الصينية"  بمعنى أحضري الشاي والفطائر.

شخصيتها القوية وكلامها الموزون وهيبتها وسط العائلة والأقارب التي جعلت الكل يحترمها، كانت بمثابة سند حقيقي للجميع.

علمني رحيلك أنه ليس من المهم كم من الناس حولك في الحياة، بل الأهم من يتذكرك بعد موتك ويدعو لك، ومن يلقنك الشهادة أثناء احتضارك.

وجود أبنائك وأحفادك وكل من يحبونك حولك طيلة الأسبوع الذي فقدت فيه وعيك، وتلاوتهم للقرآن وتهليلهم وتسبيحهم المستمر..  جدي الذي جلس بجانبك ورضي عنك وطلب الله أن يرضى عنك والدموع تتقاطر من لحيته، دعاؤه لك بعد وفاتك في كل لحظة والحزن الذي لا يفارقه كأنه أصبح يتيماً، وعيناه اللتان كلما تأملتهما وجدتهما حزينتين.

أتذكر جيداً أيامك الأخيرة وأنت غائبة عن الوعي، أمي التي سكن الحزن قلبها، وأصبح الأرق رفيقها والبكاء ونيسها الوحيد في الليل، كنت أحضنها وأنا أردد: يا أمي صبراً فهذه هي الحياة، في النهاية كلنا سنرحل، يجب أن تكثري من الحمد على أنها عاشت معكم كل هذا الزمن وأنها وجدت أبناء بارين بها..  كنت أقول كلماتي هذه لأنني لم أستشعر معنى الفقد الحقيقي بعد فأنا لم أفقد عزيزاً من قبل، وكل مَن أحبهم بجانبي، لكن لحظة وفاة جدتي لم أعِ ما حصل لي بالضبط.

وسط التهليلات التي كنا نرددها على مسامعها فجأة سألنا زوج خالتي: أين بطاقتها الشخصية؟

أكتب هذه الكلمات وعقلي مازال لم يصدق ما حصل، لم أتقبل سؤاله وأجهشت بالبكاء.

فجأة دخل ابن خالي الذي يصغرني بخمس سنوات إلى الغرفة التي كنا نحاوط فيها جدتي، اقتحمها وهو يصرخ "مي" وكأن أحداً يريد اختطافها منه. لم أعِ ما حصل فسألت بكل سذاجة أمي التي كانت تبدو وكأنها استسلمت لقضاء الله: ما بهم؟ لماذا علت أصواتهم أكثر بطريقة عشوائية؟

أجابتني والكلمات تثقل لسانها: لقد ماتت.

كل ما أتذكره بعدها أنني وجدت نفسي أمسك بقدم "مي لاله" وابنة خالتي تمسك بقدمها الأخرى.

لا أذكر كيف أبعدوني عنها أو متى حملوها إلى غرفتها الخاصة، كان كل شيء مثل الكابوس، شيء لم يخطر على بالي أنني سأعيشه يوماً..  مرت سنتان على رحيلها لكنها لم تغِب عن مخيلتي ولو لحظة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شيماء شاشدي
طالبة مغربية
شيماء شاشدي، مدونة مغربية، ناشطة جمعوية، حاصلة على دبلوم في ترميم الأسنان من كلية طب الأسنان، وطالبة في كلية القانون الفرنسي. مدونة على موقع مدونات الجزيرة، وموقع هاف بوست عربي سابقاً وعربي بوست حالياً. أمتلك مدونة خاصة بي أكتب فيها عن يومياتي وآرائي، وبصدد كتابة أول رواية لي. أكتب عن المجتمع وللمجتمع.
تحميل المزيد