الأمراض التي نهشت جسد المجتمع العربي

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/07 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/07 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
المجتمع الميت، هو الذي يتساوون في داخله الجهلاء والمتعلمون، يتقاسمون الأفكار المتخلفة والدنيئة

كل مجتمع في هذا الكون مارس عادات وتقاليد أثْرت حياته وأسلوب معيشته فيما بينه ومع الآخرين… فكوَّنوا حضارات حملت ثقافات وتقاليد معينة ترجمت معاني ومفاهيم عن الحياة، وعلاقة الإنسان مع أخيه ومع البيئة التي عاش بها.

فبعضهم مارسوا أخلاقاً راقية مثل حُسن الجوار، وإكرام الضيف، والآداب العامة للمجتمع، وكيف يعيشون في سلام ووئام فيما بينهم، وعملوا قوانين وسياسات لمحافظة القرار المجتمعي فيما بينهم، إضافة إلى توطيد نظرات وأفكار قدمت تصوراً عن الفروق الواضحة بين الإنسان الطيب وبين الإنسان القذر أو بالأحرى الإنسان الذي لا يقدم أية ولاء لعادات أو تقاليد أو أي نظام، حتى تكون تلك مقياساً وميزاناً لذلك المجتمع، وكيف يمكن لأفراده أن يعيشوا بناءً وتطبيقاً على تلك النظريات والقوانين.

وكما هو معروف، لا يمكن الحديث عن أي مجتمع كائناً من كان، دون التطرق إلى أخلاقياته، لأن ذلك هو المفتاح والركيزة الأساسية لتحديد قيمه، وتاريخه، مما يعني أن المجتمع الذي كان يجعل العدالة نظاماً وحكماً له، كان أقدر أن يجمع شمل أفراده، ويقوي أركان حكمه، بينما الذي كان يمارس الظلم وانتهاك الحقوق كانت حتماً نهايته كارثية، وتسجل تاريخه في صفحات سوداء.

هناك قيم عامة لو حافظ عليها المجتمع، لتركت صورةً براقة عن كيانه حاضراً وفائتاً، كالأمانة وحسن الجوار، والترابط المجتمعي والتكافل، والمحافظة على الأخلاق العامة والاحترام المتبادل بين فئاته، وما شابه ذلك.. وأما الفجور والمجون، والسرقة والاحتيال، والعداوة والأحقاد بين أفراده، وغياب الأمانة، والفساد في كل أركانه سيتخلص منه إلى الأبد.

اليوم، وفي مجتمعات نعيش بين ثناياها، تقدم صورة سيئة عن نظم الحياة وركائزها، وكيف يمكن أن تكون صورة الإنسان في أسوأ أحواله في كل جانب، الأخلاق والآداب وكل ما يتبعه من قيم إنسانية.

اليوم ينتهك الأعراض فلا أحد يقف إلى جانب الإنسان الضعيف، ويقدم المساعدة والأمان له، والكل منصب جل اهتمامه لكل ما يتعلق عن نفسه ومصالحه الشخصية.. أما الفساد فحدث ولا حرج، وقلما ترى من يقدم المسؤولية وحفظ الأمانة على الطمع والجشع، وصار الفساد مديحة ومكرمة  لا مذمة وسوء وجريمة لا تغتفر.

ومما لا يستطيع أن ينكره أي إنسان أن الظلم المسكوت عنه في المجتمع بوجود القدرة على إيقافه، سيرتد عقابه على المجتمع قاطبة، ولا يفرق الكبير من الصغير والجاني من البريء.. والكل سيدخل في الحساب والعقاب.

المجتمع الميت حي، هو الذي لا يقبل أخوه الإنسان أن يشاركه المسكن والمكان، ولا يطيقه، مدعياً أنه يقل منه إنسانية وهو دونه، وأنه من الشعب المختار، فتارة يجعل مقياس التفرقة بالنسل وتارة بالألوان والمظاهر والأشكال الجسدية، ولا وعظ ديني يهتدي إليه، ولا غير ذلك من نصائح العقلاء يستمع إليه.

المجتمع الميت، هو الذي يتساوون في داخله الجهلاء والمتعلمون، يتقاسمون الأفكار المتخلفة والدنيئة، ويؤثر بعضهم البعض، فلا يعرف الأول من الثاني والعكس، وسيبقون معاً، ويشتركون في الرذيلة وسوء الأخلاق والبذاءة معاً.

ومما يحزنني جداً، أن الرشوة والخداع والكذب أصبحت أموراً عادية في حياتنا اليومية، ولا ينأى عنها أحد إلا قلائل، وحتى هؤلاء يتعرضون لاعتداءات وإهانات فقط أنهم يحاولون أن يكونوا أحياء في مجتمع ميت. فموضوع تصحيح المخطئ، قد تغيب كثيراً في حياة مجتمعنا اليوم، فلو حاولت تصحيح أخطاء أحدهم، يتبادر إليك قائلاً: ما دخلك؟ وماذا يعنيك؟ فأنت لست مسؤولاً عن الآخرين، فقط اكتفِ بتربية نفسك ودع الآخرين يفعلون ما يريدون ما داموا على حالهم ولا يتعرضون لك.

المجتمع الذي لا يتوانى عن أي فعل، مهما كانت قذارته وخبثه، ولا يلقي بالاً لهول ما يقوم به أفراده، فهو مجتمع ميت، ولا روح فيه، ويتحول إلى أجساد متحركة لا تحمل قيماً ومبادئ أخلاقية، ويتبع تلك الصفة زوال الحضارة، وأية أسلوب ورونق حياة زاولها منذ الأزل، ثم يتحول إلى وحوش برية يأكل أفراده بعضهم البعض ولن يكون لهم حديث يذكر سوى سوء التاريخ ومزابله.

ولكن يوجد حل وعلاج لتلك الأمراض المتفشية التي نهشت جسد المجتمع، ألا وهو العلم والعلماء، وأهل الفكر والحكماء، عليهم أن يشدوا مآزرهم ويبذلوا جهودهم في إحياء هذا الشعب، ويضحوا بأجزاء لا بأس بها من حياتهم من أجلهم، ولو تضافرت تلك الجهود واتحدت سوف تؤتي أكلها يوماً، وسنحيا بين شعب حي حي من جديد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد الساعدي
مصمم جرافيك صومالي
محمد الساعدي من مواليد مقديشو، مقيم في مدينة بيدوا جناي بالصومال، خريج جامعة إفريقيا العالمية، ومؤسس دار بيدوا للكتاب ومنصة وعي. مصمم جرافيك، ومدون مقالات، ومحاضر بجامعة غناني في بيدوا
تحميل المزيد