الدنيا دار كدر طافحة بالابتلاءات والأسقام، كما أنها مطبوعة على المحن والمشاق التي يتبين بها المخلص من غيره والصادق من الكاذب، والنفس البشرية لا تزكو إلا بالتمحيص، والبلايا من أفضل ما يمكن أن يظهر حقيقة الإنسان وطبيعة معدنه، ولا مفر من تجرع الألم في هذه الحياة وركوب أخطارها التي تعد أمر لا بد منه، وإن طمع الإنسان في التخلص بشكل نهائي من المحنة والألم فلا قدرة له على ذلك، والمرء يظل متقلبا في زمانه بين ما يتمتع به من نعم من دون ما أن يفلت من استقبال نوائب الدهر وشدائده. وما السرطان الذي سيقتصر حديثي حول المصابين به إلا ابتلاء يصيب المرء على عكس ما تحبه النفس وخلافا لأمانيها الدنيوية، وليس هناك أحد مفروغ من تجرع مرارة ما أبتلي به، فالمؤمن مصاب ليهذب لا ليعذب، ولا يأمَن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولا ييأس مما يُظن أنه شرا فلربما يأتيه من ذلك خير كثير، وقد يحتاج هذا كله لرسائل بليغة من شخص محب لكي يتم إدراكه حق الإدراك.
ومما لا شك فيه أن رسائل المحب للمبتلى الذي يكن له محبة خالصة لها أثر كبير على نفس المحبوب حينما تضم أرقى المشاعر والقيم الإنسانية التي خلقها الله لنا وخلقنا لها خصوصا حينما يعبر عنها بطرق نبيلة، فتصير بذلك هذه الرسائل رفيعة الشأن عالية المنزلة تحظى باهتمام من ترسل إليه وتأثر فيه تأثيرا عظيما يجعله ممن يحارب اليأس ببسالة، ويؤمن إيمانا قويا بقضاء ربه بنفس مطمئنة وقلب راض، فلا يستسلم لروح الخنوع والاستكانة والانهزامية أبدا، ويدرك من تلك الرسائل أهمية تقدير الحياة مهما كانت الظروف، فالقدرة على العيش بمثابة الفوز الأكبر في الدنيا لأنها تتيح لنا إمكانية الزيادة من أجورنا التي ستنفعنا في دار البقاء. والهدف مما سأقوله هو إرسال رسائل إيجابية لكل مصاب وبالخصوص المصابين بالسرطان، لعلني ألامس شيئا في نفوسهم وأمنحهم بعضا من الأمل وأطرد غيوم اليأس عن سماء حياتهم، وكلي أمل في التمكن من محو شيء من لحظات الانهزام التي تحول أيام المصاب بالسرطان إلى حلكة معتمة لا بصيص لخيوط النور فيها بعد فقدان لذة السعادة وسحب عنفوان الحياة ودفئها، ولربما تكون هذه الرسائل من حيث لا أدري سببا في إعادة إحياء الأحلام الموءودة والأماني المدفونة جراء الاستسلام لشدة البلاء بإنقاذها من الإحباط الذي يصيب الروح والعقل معا، فيفقد الإنسان الأمل في إمكانية تغير الأحوال والأوضاع والأمور من حوله.
والانهزام والعجز التام أمام السرطان إنما يسكن في نفوس اليائسين القانطين من رحمة الله، ولا يجتمع في قلب المؤمن يأس من ابتلاء الله، ولعل فقدان الأمل ما يجعل المريض هدفا سهلا لسهام الشياطين، ليقع في مكائدهم فهُم يتحينون دائما فرصة وجود الإنسان في حالة يأس مدقع ليخضعوا عقله ويضلوه عن سواء السبيل بوساوسهم، أما المؤمن إذا انتابته كارثة من كوارث الزمن ووقعت به المصيبة يواجهها بنظرة تفاؤلية يملؤها الرضا بقضاء الله والهمة العالية، لأن أمله في الله لا يزول، والسر من عدم يأس المؤمن يكمن في أمله الموصول بخالقه، ومن استطاع أن يكون كذلك فقد فاز وأفلح وطرد اليأس من قاموس حياته. وما منعك ربك من العافية يا عزيزي المبتلى بالسرطان إلا ليمنحك الأجر الجزيل ويعطيك تمام الصحة ولو بعد حين فآمِن بشفائك، فما امتحنك إلا ليصطفيك، فتشاغل بما هو أنفع لك؛ سل المولى الكريم وداوم طرق بابه، بل وتلذذ بطول المناجاة وتكرار الوقوف متذللا عند بابه، فإن الذي يطرق باب رب الأرباب لا يعود خاوي الوفاض، لا تقل قد دعوت وألححت ولم أجد أثرا، ستلمح لا محالة زوال ما ابتليت به، فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة.
ولا تنسى أن تغني نفسك عما سواه؛ فلتكن كل آمالك في مولاك لتيأس مما في أيدي الناس، وإياك من القنوط الذي هو باب شر كبير، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء، فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، والدهر لا يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر وما من شدة إلا ستزول، وما دام هناك رب فلا تستسلم وإن اشتد سقمك وعضل داؤه، فتضرع إليه بإلحاح ليحصل شفاؤك. إلى فارس المستشفيات والمصحات الطبية المريض بالسرطان الذي اشتدت عليه الآلام وثقلت كمية معاناته وزادت المتاعب المادية والنفسية التي خلفها سقمه، واجه مصابك بكل أمل وعزم على الرغم من العوائق التي تقف في طريق شفائك، وإياك والخضوع له بالتشاؤم في مواجهته، فبتفاؤلك ستقوي نفسك وستلهم الكثيرين ممن حولك، وليس بالأمر الهين أن تستطيع التكيف مع الأنين الذي بداخلك لكن مع الله كل عسير يسير، بالرغم من أن المرض ينهش من جسدك والأوجاع تعتصر في بدنك، لكنك بإرادتك ستتجاوز ذلك كتحد منك لا استعراضا للقوة أمام مصابك، فأنت بحاجة إلى الإيمان بوجود فرصة للشفاء لتنتصر في معركتك الطويلة مع السرطان الذي يهاجم جسمك وتسرح وتمرح خلاياه القاتلة دون حسيب أو رقيب.
إلى الذي يذوق الأمرين من جرعات الدواء والكي، وصار معه حزن واكتئاب دائمين أفقداه شهية الحياة، فلتعلم أن السرطان ليس مرضا مميتا إلا بمشيئة الله وإن قال لك الأطباء لا أمل في علاجك ستموت قريبا، لأنك وصلت لمرحلة لا ينفع فيها دواء فهذا كلام باطل، ولكن تعاملك السلبي مع السرطان هو الذي قد يؤدي لموتك، وعليك أن تدرك جيدا أن أعظم سلاح يقاوم به السرطان هو ارتفاع معنوياتك ورباطة جأشك وقوة نفسيتك وزيادة إيمانياتك وتيقنك من الشفاء، فإياك أن تيأس ويتسلل الخوف والقنوط لقلبك، فإن ضعف النفس وتدهورها له أثر بالغ في استشراء مرضك وتمكنه من جسدك، فلا تحزن وتماسك واستشرف الأمل والشفاء في المستقبل، وحاول أن تستمتع بحياتك على حسب استطاعتك وزاول أعمالك وقت نشاطك، ولا تركن للكسل والفراغ فتهلكك الوساوس والهموم وتقضي عليك.
إلى كل من فارق نشوة الفرح والمتعة الدنيوية وفقد حلاوة العيش في هذه الحياة، واستوحش الأصحاب والأحباب حين جفوة لأنهم انقطعوا عن زيارته، فلم يعد لديه رجاء من الدنيا ويعيش حالة الاستعداد المسبق للرحيل إلى الآخرة، إليك أبعث رسائلي التي أدعوك فيها بأن تقاوم مرضك الفتاك بالدعاء، لأنه أقوى ما يمكنه أن يخفف البلاء ويرفعه بإذن الله، فأحسن ظنك بربك وعظم رجاءك فيه، وأيقن بأن الشافي من المرض هو الله وحده الذي عظمت قدرته وتناهى علمه وأحاط بكل شيء من مخلوقاته، وهو الممهد لأسباب الشفاء الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عنه شيء فتعلق برحمته وجوده ولطفه.
أبشر يا أيها البطل الحبيب بعظيم الأجر ورفعة الدرجات جزاء صبرك ورضاك بالبلاء، وحصولك على الأجر من غير حساب وإن فقدت شيئا من أعضائك وتشوهت خلقك، فكل ما ذهب عنك وتساقط منك سيكون جزاؤه عظيما في الآخرة يغبطك عليه أهل العافية في الدنيا، فبصبرك واحتسابك ستكتب في عداد الصابرين، فمرضك فتح عليك عبادة الصبر وبابا يوصلك إلى الجنة، وما أصابك من البلاء عادة الله مع صفوة خلقه، وما ابتلاك إلا ليمحصك ويعرف صدقك، فتيقن بأن الله أراد بك خيرا عظيما لا يدركه عقلك ولو كان الأمر في ظاهره شرا وسوءا بالنسبة لك.
ولتتفكر وتتأمل يا عزيزي المبتلى وأنت تعاني وتكابد تداعيات السرطان أن ما نزل بك من بلاء ما هو إلا قدرك الذي لا مهرب لك منه ولا رافع له غير الله، فإما أن تتذمر وتسخط فتكون محروما من نعيم الدنيا والآخرة، وإما أن تتحمل وتصبر فتفوز وتفلح، فكل ما حصل لك وما أنت فيه من محنة وبلاء هو خير لك قضاه الله عليك لحكمة بليغة، رغم ما حل بك من حزن وهم وبؤس وأهل الدنيا يفرحون ويمرحون، فإن الله سيقلب حزنك إلى سرور دائم وهمك إلى حبور مستمر في دار لا يحزن أهلها ولا يصيبهم غم. قوي نفسك بنفسك لا تنتظر أحدا من البشر لتستقوي به، فإن كنت دائما وحدك قويا بمدد المعين في مواجهة ما ينهك روحك، فكيف لا تكون كذلك مع الآلام التي تنخر جسدك؟! فلا يليق بك الاستسلام يا عزيزي المصاب بالسرطان، بالرغم من أنه في نظرك لم يعد هناك شيء يجدي نفعا في المراحل الأخيرة، ارفع من سقف آمالك، وارمي بمطلبك الوحيد عرض الحائط؛ فالأجل بيد الله مهما تمنيت دنوه ودعوت بقربه، ولا تنسى أن الدعاء يصارع القدر، فاستمر في رمي السهام فقد أوشكت أن تصيب رغم ضآلة الاحتمالات الممكنة لشفائك، فلا تقطع الأمل في حدوث شيء استثنائي يقلب حياتك في ظرف أضيق من رمشة عين.
لعل الرسائل التي قمت بإرسالها ستعين الكثير من المصابين بالسرطان لكبح جماح اليأس وسلوك طريق الأمل وحسن الظن بالله الذي يجدي نفعا في تسهيل عملية التغلب على المرض الخبيث، وسيمنع من الانتكاسة التي قد تحصل نتيجة غياب الاستجابة للعلاج عند المريض، وما يلزم معرفته أن فرصة شفائك لا تنعدم، فلا تيأس لإصابتك بالسرطان مادامت الفرصة التي قد تزيد من احتمالية الشفاء موجودة على الدوام، فأنت ممن لهم رب رحيم يسمع لنجواك وينصر ضعفك، فقط قل يا رب وارفع رأسك نحو السماء حين يشتد عليك البلاء واستعن بربك، فالإنسان المؤمن لا يستسلم أبدا لأعاصير اليأس، وأعتقد جازما بأن كل إنسان يحاول التغلب على مصابه بكل إرادة وتصميم ليحارب الاستسلام واليأس حري به أن يكون عظيما حتى وإن كان إنسانا بسيطا في نظر الآخرين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.