إلى ابني الحنون: اشتقت لجلسة معك ومع أخيك

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/30 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/30 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
بني الغالي، بين خضم هذا وذاك ما زلتُ أتحرق شوقاً إلى مراحل طفولتكما التي انتُزِعْتُ منها رغماً عني

بني الحبيب، مرّ زمنٌ طويل هذه المرة منذ أن بعثتُ لك بآخر رسالة، ربما أنك تستطيع أن تشعر الآن بحال البلد والكساد الكبير الذي يمر به كباقي البلدان، هذا الكساد الذي انعكس بشكل سلبي للغاية على أعمالنا وحجم الجهد المضني الذي نبذله في كل ساعة من أجل تأمين حاجياتنا الأساسية ولقمة عيشنا، لقد فاق بهوله هول الكساد العظيم الذي أصاب العالم مطلع ثلاثينيات القرن الفائت.

وربما أنك تسمع عن الأحوال السياسية المتردية للغاية، وحالات التشرذم المستمرة والتي باتت أعمق بكثير تمر بها حاليا بلادنا قاطبة، ومن المؤكد أيضاً يا حبيب عمري أنك سمعتَ مؤخراً عن ما يسمى، بصفقة القرن، واللغط الجنوني الذي يدور حولها هذا اللغط الذي أصابني بتشنج مؤلم اجتاح وجداني وكامل منظومتي العصبية مروراً بعقلي الذي توقف عن إلهامي بالكلمات، ليس حين أود أن أكتب لك فقط، لا، بل حتى توقف عن إلهامي لكتابة مقالاتي السياسية التي أهرب إليها من الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الصعب الذي تمر به أمتنا العربية اليوم كما تعلم.

بني الغالي، بين خضم هذا وذاك ما زلتُ أتحرق شوقاً إلى مراحل طفولتكما التي انتُزِعْتُ منها رغماً عني، كان هذا الانتزاع ثمناً لكرامتي دفعته أنا، لكنه باهظ واستطعت أن أدفعه، وكان أثمنَهُ بُعدي عنكما، وسوف أسترد هذا الثمن في يوم من الأيام، إن لم يكن على هذه الأرض فهناك، حتماً هناك، هذا عدا ما خبأه لي ربي من خير وفير نتيجة التشويه الكبير الذي أصاب صورتي في ذهنيكما أبنائي وأحباب عمري وأذهان الكثير من الناس بفعل الكراهية والشر والتخبط.

لاحظ هذه الصدفة، أيضاً كان لي طفولة ذات يوم لكنها بقيت ورائي هناك غرب النهر كما تعلم، وأنا كذلك انتُزِعتُ منها رغماً عني، أتعلم أمراً؟ يا إلهي! لكم أشتاق إلى طفولة سُرِقَتْ مني ولم أشبع من وجودها حولي هنا شرق النهر، هذه هي الصدفة أو القدر الذي غدر بي على ضفتي النهر، أنت رحيم يا ربي، رغم قساوة ذلك ومرارته، إلا أنني راضٍ عنك يا الله.

هل تعلم بني الحبيب أنني أعددتُ قائمة مفضلة أُخزّن عليها قنوات الكرتون التي كنتَ تحب أن تدير الشاشة عليها؟ لكني لا أشاهد عليها أي برنامج كرتوني، في الحقيقة لا أستطيع ذلك، فهي تذكرني بك وبكما أنتما الاثنين، وأتذكر كيف كنتُ أجلسُ معكما على هذه البرامج كي نستمتع جميعاً، وأيضاً من أجل شيء آخر لم تكونا تعلمان به قبل الآن، وهو أنني كنتُ أراقبُ ماهية هذه البرامج حين كانت تبث برسائل خطيرة ومبطنة لكما، فكنتُ أحياناً أشرح لكما أثناء أو عقب كل برنامج ما الذي يقصد بالضبط، أتذكُر ذلك؟

أتذكُر ذلك البرنامج الذي كان اسمه، جيمي نيوترون الفتى العبقري؟ أتذكُر حين كان جيمي في أحد الحلقات يطلب من والدية مُلِحاً بأن يجلبا له أخاً كي يلعب معه، وحين يئس من الموضوع قرر أن يصنع بنفسه أخاً آلياً له، فهو كان شديد الذكاء، وأصبح يأخذ أخاه هذا معه إلى كل مكان، إلى المتجر والمدرسة والملعب، لكنه واجه مشكلة كبيرة حين سَرق أخوه الآلي الأضواء منه في المدرسة، حيث بات كل أصدقاء جيمي يميلون إلى أخيه الآلي ويسألون عنه ويريدون اللعب معه هو فقط، وأصبحوا يتجاهلون جيمي، فبدأ جيمي يغار بشدة من أخيه الآلي ويمقته وأصيب بحالة اكتئاب، حتى قرر أخيراً أن يصنع صاروخاً ليذهب بأخيه الآلي إلى القمر ويتخلص منه إلى الأبد، لقد شكلت هذه القصة برمتها صدمة كبيرة لنا جميعاً، وشرعتُ وقتها بالتحدث إليكما بأن هذا لا يحدث ولا يجب أن يحدث أصلاً بأن يتخلص من أخيه حتى لو كان آلياً، وأن علاقة الأخوة هي أعمق من ذلك بكثير، وأن فعلته تنم عن شعور كبير وبغيض بالأنانية وضعف الشخصية، أحببتُ حينها أن أُبعد عنكما تلك الإيحاءات الخطيرة التي بُثَّت خلال حلقة جيمي نيوترون تلك.

كم أشتاق لأن أجلس معكما جلسات كهذه من جديد، وأن أحظى بالمزيد من الأوقات قربكما، ونشاهد مرة أخرى جيمي نيوترون، وجامبول، وبسبس بوبي، وجنجر، وسبونج بوب، وتوم آند جيري، كانت أوقاتاً رائعة وكانت غايتي في الحياة وقتها، فتطلعاتي كانت بسيطة جداً وكبيرة جداً في ذات الوقت، وهي أن أبقى فقط إلى جانبكما يا أحباب عمري وروحي، لكن شاء القدر بأن أشتري كرامتي بكل ذلك، وما للإنسان إلا كرامته!.

تحياتي الحارة لك

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد