نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في نهجنا الحالي؛ ذلك أنَّ حرباً ضد إيران سوف تكون كارثة مطلقة، وكما قال الجنرال السابق أنتوني زيني: "إذا كنت تحب ما حدث في العراق وأفغانستان، فسوف تحب ما سوف يحدث في إيران". وفي حال هاجمت الولايات المتحدة إيران، فإنها تستطيع الرد بهجمات على القوات الأمريكية وعلى بلدان في المنطقة. وسوف يؤدي ذلك إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في تلك المنطقة بطريقة لا يمكن تصورها وسوف ينتج عنها حروب يمكن أن تستمر سنوات وربما تكلف تريليونات الدولارات.
منذ 16 عاماً، ارتكبت الولايات المتحدة واحداً من أسوأ أخطاء السياسة الخارجية في تاريخ بلدنا عندما هاجمت العراق. تم إقناع الشعب الأمريكي بهذه الحرب استناداً إلى سلسلة من الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل، وكان أحد كبار المؤيدين لهذه الحرب جون بولتون -الذي كان عضواً في إدارة بوش وأصبح الآن مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب. وبشكل لا يصدق، فإنَّ بولتون، حتى اليوم، واحد من القلائل الباقين في العالم الذين لا يزالون يعتقدون أنَّ حرب العراق كانت فكرة جيدة.
لقد أدت هذه الحرب إلى مقتل أكثر من 4400 جندي أمريكي، وإصابة عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين، كثير منهم جروحهم بالغة، ومقتل مئات آلاف المدنيين العراقيين. وأطلقت هذه الحرب العنان لموجة من الراديكالية وزعزعة الاستقرار في المنطقة سوف نتعامل معها لسنوات عديدة قادمة. لقد كانت هذه الحرب أكبر كارثة في السياسة الخارجية في التاريخ الأمريكي.
كانت حملة ترامب الانتخابية تهدف إلى إخراج الولايات المتحدة من "الحروب التي لا نهاية لها"، لكنَّ إدارته تسلك طريقاً جعل احتمالية الحرب مع إيران تزداد باطراد.
أولاً، كان القرار المتهور للرئيس بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران منذ عام وإعادة فرض عقوبات صارمة عليها. وقد عارض كبار مسؤوليه الأمنيين هذه الخطوة، بما في ذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس. لماذا؟ لأنهم كانوا يعرفون، مثل الأغلبية الساحقة من خبراء الأمن القومي في الولايات المتحدة وأوروبا وحول العالم، أنَّ الاتفاقية النووية كانت تمنع إيران على نحو فعَّال من المُضي قدماً في برنامجها النووي.
ذلك أنَّ الصفقة النووية مع إيران وضعت برنامجها النووي تحت نظام التفتيش الأكثر صرامة في التاريخ. ودفع هذا النظام إيران إلى التخلي عن أكثر من 98% من مخزونها من اليورانيوم المخصب. لكنَّ حملة "الضغط القصوى" لترامب أدت إلى عكس هذه المكاسب، إذ أعلنت إيران مؤخراً أنها سوف تزيد مخزونها من اليورانيوم المخصب بما يتجاوز الحدود التي تفرضها الاتفاقية النووية، وذلك رداً على العقوبات الأمريكية المتزايدة منذ عام. والأمر الغريب، أنَّ ترامب الآن يحذر إيران من انتهاك الاتفاقية التي انتهكتها إدارته منذ أكثر من عام.
وعلى الرغم من أنَّ الحاجة لا تزال قائمة لمعرفة الكثير عن الهجوم على الناقلتين، وإسقاط الطائرة من دون طيار، فمن الواضح أنَّ خطاب إدارة ترامب والعقوبات المتزايدة تصعد من التوترات. للولايات المتحدة والمجتمع الدولي مصلحة مشتركة في حماية خطوط الشحن والمجال الجوي، ونحن بحاجة إلى العمل مع أطراف متعددة للقيام بذلك، لكن لسوء الحظ، فإنَّ الولايات المتحدة معزولة عن أهم حلفائها في الوقت الراهن بسبب انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية والحملة ضد إيران. وبسبب الكذب المستمر لترامب، فإنَّ الكثير في جميع أنحاء العالم يشكون في كلمة الولايات المتحدة.
لم يُلتفت إلى الأصوات المعارضة في الفترة التي سبقت حرب العراق، لكن يجب الالتفات إليها الآن.
ينبغي للكونغرس أن يفعل كل ما بوسعه؛ لكي يمنع هذه الحرب. فالدستور واضح للغاية: الكونغرس، لا الرئيس، هو من يقرر متى نخوض الحرب. ومن الضروري أن يوضح الكونغرس فوراً للرئيس أنَّ أخْذَنَا إلى أعمال عدائية ضد إيران دون تفويض من الكونغرس سوف يكون أمراً غير دستوري وغير قانوني.
ومنذ عدة شهور، صنعنا التاريخ في الكونغرس عندما مرّرنا للمرة الأولى منذ 40 عاماً، قرار قوى الحرب لسحب الولايات المتحدة من الحرب غير الشرعية وغير المسموح بها في اليمن. وقد فعلنا ذلك بالدعم القوي من تآلف شعبي عابر للأحزاب، إذ عمل التقدميون والمحافظون معاً لإحلال العقل في سياستنا الخارجية. نحن بحاجة إلى هذه الأصوات ذاتها لكي نوضح للكونغرس وللمتشددين بالغريزة ولمؤسسة السياسة الخارجية التدخلية هنا في واشنطن أننا لن نقبل حرباً أمريكية أخرى في الشرق الأوسط. وهذه المرة نحن بحاجة إلى العمل معاً بشكل أكبر لجمع أغلبية محصنة ضد حق النقض (الفيتو) في الكونغرس.
أريد أن أكون واضحاً في هذا الصدد: إن إيران تتبع الكثير من السياسات السيئة. فهي تقمع شعبها بعنف وتدعم جماعات متطرفة في جميع أنحاء المنطقة. والأمر ذاته يمكن أن يقال عن المملكة العربية السعودية، شريكنا منذ وقت طويل. نحن بحاجة إلى اتباع نهج أكثر عدلاً في الشرق الأوسط، لا أن ندعم فحسب طرفاً ضد آخر في نزاع إقليمي. والولايات المتحدة قوية بما يكفي للتعامل مع هذه القضايا دبلوماسياً، والعمل مع حلفاء في جميع أنحاء العالم، وهذا هو ما ينبغي لنا فعله. يجب ألا نخوض حرباً أخرى غير ضرورية.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.