كيف تورط الطبيب والمريض داخل مصر في معركة ليس من صنع أيديهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/12 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/12 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
صورة من إحدى المستشفيات المصرية

لا يمر يوم واحد دون أن تسمع عن صراعات المرضى والأطباء سواء كانت مناوشات لفظية باتهامات متبادلة بالجهل والإهمال أو تنحدر لتشابكات بالأيدي والهراوات، وغالباً ما تنتهي بخسائر مادية ومعنوية وبشرية ومستوى غير مسبوق من الخطر ملازم لبيئة عمل أقل ما يقال عنها غير صحية، حتى وصل الأمر في حادثة مريرة ليست بالفريدة أن قام أهالي مريض متوفى باقتحام غرفة القسطرة القلبية بمعهد القلب محدثين تلفيات قُدرت بملايين الجنيهات وأحدثت صدى واسعاً، لكن الأمَرّ أن تجد بعض الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي يتلاومون لإتلاف جهاز القسطرة ذي الملايين ويتناصحون بتهشيم رأس الطبيب أرخص!

ورغم أن ضرورة إتاحة الرعاية الصحية أمام الجميع بما يتناسب مع كافة الشرائح الاجتماعية هي مسؤولية الدولة فإننا نجدها تبرع في التنصّل من وزرها وتلصق تهمة التقصير بالأطباء المهملين، وهذا أمر بديهي، إذ إن مشكلة الصحة في مصر متفاقمة وتحتاج الكثير من الجهد والمال لحلها، لذا بدا الحل الأسهل والأمثل في هذا الوقت أن يُضرب الأطباء بالمواطنين وليخرج المسؤولون من بينهم سالمين، فلسان حال المسؤولين أنه لا مانع سيدي المواطن أن تحاسب الطبيب على قصور الخدمات المقدمة لك ولتصبّ جام سخطك على الأطباء الجزارين سارقي الأعضاء ولتنتقم منهم إذ لا يجدون سريراً لأبيك الهَرِم وحضانة لطفلك الخديج، ضامناً أن ما تفعله سيمرّ بلا رادع، وأنت أيها الطبيب فلا ترقب في مرضاك إلّاً ولا ذمة، تعامل بمبدأ "على قد فلوسهم" وحاسب هؤلاء الهمج الجهلة على مرتبك الهزيل ووضعك المتدني وكن لا مبالياً بأوجاعهم وظروفهم، فهم من أعدموا طموحاتك وتبختروا على حطام أحلامك، لن نتدخل إلا فيما يخصّ حضورك وانصرافك وارتداءك البالطو، أما فيما يخصّ جودة عملك فهذا منوط بأخلاقك وليفز من يفز لا يهم طالما المعركة تدور بعيداً عنا.

وفي ظل حقيقة أن مجمل الإنفاق الحكومي على قطاعات الصحة لا يتعدى فعلياً نسبة 1.7٪ من الناتج المحلي، وهي النسبة التي تعد أقل من نصف أدنى نسبة الاستحقاق الدستوري البالغة 3% (من المفترض أن تزداد تدريجياً حتى تتوافق مع النسبة العالمية للإنفاق الصحي والتي تتراوح ما بين (6 – 10%). يبقى تطوير الصحة بما يليق بالطبيب والمريض من وحي خيال الحالمين لا يمت للواقع المزري بصلة،  وستستمر المعركة الخاسرة للكل lose lose battle  قائمة بين المرضى والأطباء إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، لذا عزيزي المريض والطبيب قبل أن تقرعا الطبول فلتُكملا بقية المقال لعل وعسى أن تميّزا مسؤوليات أحدكما تجاه الآخر.

عزيزي المريض.. يجب أن تدرك أولاً أن أي تدخل طبي سواء دوائي أو جراحي غير آمن كلياً، فكل الأدوية سواء بوصفة أو بغير وصفة وحتى المكملات الغذائية لا يعني حصولها على ترخيص الـFDA أنها آمنة تماماً، بل يعني أن النفع المتوقع يفوق الضرر المحتمل، وبقراءة أي نشرة دوائية تدرك أن الأعراض الجانبية تتفاوت من أعراض بسيطة كالدوخة إلى مهددة للحياة كالإصابة بنوبة قلبية، والاستهانة بتلك المخاطر وتناول الدواء بمناسبة أو غير مناسبة دون التزام بجرعة أو موعد وتجربة أدوية بناءً على ريفيوهات الفيسبوك والكشوفات الإلكترونية سيعرضك عاجلاً أو آجلاً لما لا تحمد عقباه.

وعليك أن تتقبل فكرة أن التدخل الجراحي، وبالرغم من أن التقدم الطبي قد قلل من نسبة حدوث المضاعفات فإنه لم يلغها فأي عملية جراحية  بطبيعتها محفوفة بمخاطر تزيد أو تقل وفقاً لعوامل شتى، وقد تصل للوفاة سواء كانت elective أي اختيارية بتخطيط مسبق أو طارئة سواء كانت استئصالاً للوز أو قلب مفتوح سواء كنت بصحة جيدة قوي القلب والرئتين كحلم أطباء التخدير أو مثل معظم المصريين تعاني ضغطاً مرتفعاً أو جلطات متكررة وسكري غير منتظم ورئتين مهترئتين، سواء كنت في مركز عالمي مع اتباع معايير السلامة العالمية أو مشفى حكومي لا يتوفر به إلا عنصر بشري يغزل حرفياً برجل حمار.

ولا يعني ذلك براءة الأطباء من أي مضاعفات تحدث، فالخطأ الطبي يحل ثالثاً في قائمة مسببات الموت بعد أمراض القلب والسرطان وذلك في أمريكا، لا أحد عُصم من الزلل، الأخطاء البشرية تتنوع بين خطأ متعمد وغير متعمد أو إهمال، ولا يمكن تجنبها تحدث وستظل تحدث كل مقصر سيحاسب، وفقاً للرأي العلمي والقانون لا تحدده سهولة العملية وكونها تجرى يومياً أوصعوبتها ولا تدعمه الكومنتات أو عدد اللايكات  على روايتك، لا جدوى من تصور الطبيب كأنه قاتل محترف يتلذذ بموت مرضاه وينتشي لآلامهم، ليس منطقياً أن يفني الطبيب عمره معتزلاً الحياة الاجتماعية دارساً معظم الوقت معرضاً نفسه لأخطار العدوى المميتة ليتفنن في أذى البشر.

ورجاء أخير لا تستنزف طاقة الطبيب في استقبال الطوارئ وصبره في الساعات الأخيرة من الليل والأولى من الصباح مستغرباً برودة وقلة تعاطفه مع كحة طفلك المزمنة، فلتتفهم أنه ملزم بالتعامل مع الحالات الطارئة فقط أما الحالات التي لا تستدعي تدخلاً سريعاً فيجب الانتظار حتى ميعاد العيادات الخارجية بلا ضرر أو ضرار.

وأنت أيها الطبيب

لن أقول اتبع ضميرك فالضمير كلمة فضفاضة كثيراً، ولكن اتبع ما تعلمته وتحمّل كالرجال مسؤولياتك الثقال التي ارتضيتها يوم ألقيت قسمك، ولا تجعل بيئة العمل السيئة التي تمر بها مبرراً لتقصيرك، افعل ما بوسعك دون أن تلحق بنفسك الضرر، لا لتقدير مادي أو معنوي لن تناله هنا، لكن تآزراً مع مرضى أنت ملجأهم لا ذنب لهم بقصور التوعية الصحية ولا علم لهم بنقص الإمكانيات من عدمها، والتمس لمريضك سبعين عذراً، فما يلقاه بين أروقة المستشفيات ليس بالهين، وهناك من أساء للمهنة بشكل أو بآخر، والدخان الذي يخنقنا الآن لا بد من شرر تسبب به.

وأخيراً إن تقطعت بنا السبل يبقى الأمل فينا، كفانا عداوةً غير مبررة، الطب لم يكن يوماً مسلك المرفهين، والمشافي الحكومية ليست مقصداً للمنعمين، فإن التقينا يوماً فلا تنس "يا ما في المستشفيات مظاليم".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أميرة مفيد
طبيبة أسنان مصرية
تحميل المزيد